بغداد – رزاق حسن
(اوراق من مشوار الصمت) عنوان اقرب الى عناوين القصص والروايات والسير الذاتية، ولكنه عنوان لكتاب اراده مؤلفه الباحث والاعلامي سالم الاطرقجي ان يكون مزيجا يجمع بين التاريخ والسيرة الذاتية، وهو في الحقيقة يوحي بما هو ذاتي.
{ كتاب الذاكرة ما الذي تريده بهذا العنوان؟
– انني امتلك الكثير من الحقائق عن بعض المراحل والحوادث والشخصيات، وقد صبرت طويلا على كتمانها وعدم البوح بها، وجاء هذا الكتاب ليقدم بعضها، وليكون هذا البعض بمثابة (اوراق من مشوار الصمت).
{ وكيف ولدت فكرة التدوين؟
– لقد عشت ثلاثة عقود وانا اراكم التفاصيل فوق التفاصيل فالحوادث ملأت الذاكرة وتجذرت في الاعماق، واخذت تلح لتعجيل ظهورها، والكشف عن تفاصيلها، وهذا ما حدث فقد وجدت العمر يسرع بسنواته، وان الصمت قد يقود الى خسارة وضياع ما تحمله الذاكرة، ولذلك عمدت لتمزيق شرنقة الصمت لرفع الستار عن محطات مشوار طويل من الحوادث المهمة.
{ هل اردت بذلك كتابة سيرتك الذاتية؟
– هي ليست سيرة ذاتية بل جزء من حقيقة لابد ان تقال بصدق، لان محبرة الكاتب الحقيقي هي دائما (شرايينه وصدقه لا دمه).
{ ولكن الكتاب اقرب للسيرة الذاتية؟
– هذا صحيح ولكنني لم اكتب السيرة من اجل السيرة نفسها وانما من اجل الحقيقة التي عشتها وشاهدتها وعانيتها، وكل ذلك يحتاج لان اكون شاهداً ومشاركاً، وهذا ما تحقق في الكتاب، فالسيرة الذاتية هي سيرة شاهد ومشارك، ولتعزيز ذلك فانا لم اقتصر على تدوين رؤيتي ومشاهدتي للحوادث ومشاركاتي فيها، وانما عمدت الى الافادة من بعض المراجع والمصادر التاريخية، وهي مذكورة في الكتاب.
{ وتبقى السيرة هي المسيطرة على الكتاب، ولاسيما انك تتحدث عن نفسك منذ الطفولة، وتتناول بعض المراحل والحوادث التي تتوافر المعلومات عنها في الكثير من المراجع والمصادر.
– لقد تعمدت تناول حياتي منذ الطفولة، لانني وجدت ان هذه المرحلة تمهد للمراحل والمحطات اللاحقة بالنسبة لي، وبالنسبة للحوادث والتفاصيل المهمة التي كرست الكتابة لها، كما يمكنك ان تلاحظ ان طفولتي وشبابي لم يدرجا على ارض قاحلة، وانما على ارض تجيش بالحوادث، ولاسيما ان كربلاء لم تكرر ما حصل في بغداد، وانما كانت تعيش الحوادث بشكل ينطوي على الكثير من الاختلاف، ولذلك فان طفولتي وشبابي يقدمان حوادث وتفاصيل غاية في الاهمية عن العراق في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وهي المراحل التي عشتها في مدينة كربلاء، اذ درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتواصلت مع كربلاء على الرغم من انتقالي الى بغداد للدراسة الجامعية، وفيها شاركت الطلبة بعض نشاطاتهم السياسية.
{ وهل شمل مشوار صمتك سنوات سيرتك في كربلاء؟
– اقصد بمشوار الصمت سنوات اشتغالي مترجما باللغة الفارسية، وتكليفي بادارة اذاعة بغداد باللغة الفارسية، فالحوادث عشتها وشاهدتها عن طريق ذلك جديرة بان امزق شرنقة الصمت عنها، وان اضعها امام التاريخ والمؤرخين وعموم الناس.
الاهم من الحوادث
{ وما هو الاهم في هذه الحوادث؟
– المهم فيها الصراع السياسي والمخابراتي بين العراق وايران، وهو صراع يتجاوز حدود البلدين على الصعيد الدولي، وينطوي على الكثير من التفاصيل التي تجدها معروضة في اغلبيتها في كتاب (اوراق من مشوار الصمت).
{ وهل حددت الكتاب بمرحلة معينة؟
– يتناول الكتاب مراحل التاريخ العراقي منذ عام 1944 الى مرحلة الاحتلال الامريكي، بشكل يتم فيه الجمع بين التاريخ والسيرة الذاتية، ويحصل ان تتغلب السيرة على التاريخ وتكون هي السائدة والمهيمنة، ويحصل ان يتغلب التاريخ على السيرة.
{ ولكنك اهتممت بالعلاقات بين العراق وايران، لماذا؟
– هذا ما عشته وشاهدته واطلعت عليه، كما ان مشكلات واشكاليات هذه العلاقات كانت من المحاور الاساسية للعراق ولتاريخه، ولم تكن معزولة عن العلاقات الدولية والاقليمية للعراق وايران.
{ ولماذا اعطيت الجوانب الامنية والمخابراتية هذا الاهتمام الموسع؟
– لانني عشتها، وعرفت الكثير من خفاياها وشخصياتها ولانها من الموضوعات الحيوية، والمثيرة للاهتمام والتوتر، ولان الجوانب الامنية والمخابراتية تعبر عن السياسة في اكثر جوانبها حدة وصراعا وتوتراً، كما انني لم اعزلها عن السياسة، بل وضعتها في صميم الواقع السياسي والمعطيات السياسية.
{ واين المؤجل من المعلومات التي لم تزل في دائرة مشوار الصمت؟
– هذه الوثائق تتعلق بالمدة التي اعقبت سقوط الشاه، وهي مرحلة غاية في الاهمية، وذات تاثير خطير ومتواصل على المراحل السابقة.
{ وهل للجوانب الامنية والمخابراتية دور فيها؟
– اعد هذا الدور من اهم الادوار واكثرها توتراً، اذ نشطت المخابرات الامريكية والاسرائيلية والسوفيتية لتصفية الحسابات فيما بينها، وللتمهيد للمرحلة الجديدة التي تشهدها وستشهدها منطقة الشرق الاوسط.
{ ما هي اهم المعطيات في هذه الوثائق؟
– مع اشتداد الصراع والتنافس بين المخابرات الامريكية والسوفيتية والاسرائيلية كانت اروقة البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية واروقة مجلس الشيوخ الامريكي تشهد اشتغالا مكثفا وجلسات يومية لبلورة صيغ راهنة ومستقبلية لكيفية التعامل مع نظامين جديدين برزا على ساحة الشرق الاوسط، احدهما يحاول ان يستفرد بالزعامة الاسلامية، واخر يحاول الاستفراد بالزعامة العربية، ومن الطبيعي ان تهتم الادارة الامريكية بهذه المعطيات لان منطقة الشرق الاوسط من اهم المناطق بالنسبة لمصالحها ودورها العالمي.
{ وهل تختلف الوثائق بهذا الجانب فقط؟
– الوثائق ذات صلة بتاريخ وحوادث المنطقة منذ القرن السادس عشر والى الان، ولكنني اشير الى اهمها واهم ما ورد فيها، ولاسيما ان منطقة الشرق الاوسط كانت مفتوحة امام الصراعات بين الدولة العثمانية وبلاد فارس وبريطانيا وفرنسا والمانيا والبرتغال، وكانت جميع هذه الدول تحاول ان يكون لها المجال الحيوي والاستعماري والاقتصادي الاوسع، وهي مرحلة تشهد تطورات مستمرة، فالصراع بين هذه الدول تقلص الى الصراع بين المانيا والحلفاء، ثم بين امريكا والاتحاد السوفيتي، ومنذ السبعينيات دخلت العوملة التي تقودها الماسونية العالمية.
انقسامات ومخططات
{ هل ان الوثائق تخص جميع هذه الدول؟
– انها وثائق امريكية وبريطانية، ولكنها ليست مقتصرة على التوجهات الامريكية والبريطانية، وانما تتطرق الى الصراع بين امريكا وبريطانيا والدول الاخرى، اذ ترتبط الصراعات المخابراتية بالصراعات السياسية والاقتصادية، وكل جهاز مخابرات يحاول ان يخدم المصالح السياسية والاقتصادية لبلده.
{ وما الذي استنتجته من هذه الوثائق؟
– الوثائق كثيرة، وهي كثيرة التفاصيل، والمستنتج منها ان المخططات الرامية الى تقسيم دول المنطقة بدأت منذ زمن طويل، وانها مقبلة على المزيد من الانقسامات اذا لم تواجه هذا التحدي بما يؤدي الى افشاله وتجاوزه.
{ ومن اين حصلت على هذه الوثائق؟
– لقد كلفت بترجمتها من احدى المؤسسات وكنت اعمد الى استنساخها، والحفاظ على الاوراق المستنسخة.
{ هل تناولت بعضها في كتاب (اوراق من مشوار الصمت)؟
– لقد كرست هذا الكتاب للمعلومات والحوادث التي عشتها وشاهدتها من موقع المترجم، والوثائق المذكورة تختلف عن ذلك، وهي بحاجة الى تعامل مختلف.
{ وكيف تصرفت معها؟
– لم اتركها لتذهب طي النسيان، وانما تناولتها في عمل درامي يتالف من 95 حلقة .
{ وهل قدمتها بنفس الاسماء؟
– لا .. لقد اعطيت للشخصيات اسماء مختلفة عن اسمائها الحقيقية.
{ وانت ما هو اسمك في العمل الدرامي؟
– اسمي غانم اسماعيل جعفر.
{ ولماذا هذا العدد الكبير من الحلقات؟
– لان الوثائق كثيرة، وفيها شخصيات وحوادث كثيرة، وتفاصيل كثيرة، وذلك لا يحدث اعتباطاً وانما لان تماسك وقوة العمل يستوجب ذلك.
{ وهل اضفت شيئاً للوثائق؟
– نعم لان العمل الدرامي بحاجة الى ما هو اوسع من وثائق وبحاجة لجعل حياة الشخصيات اكثر حيوية واغنى، وذلك اضفت العلاقات العاطقية، بين الشخصيات وتدخلت في مناقشتها، وحرصت على تقديم وجهة نظري، وهي وجهة نظر عراقية وطنية.
{ وهل نفذ هذا العمل؟
– لا املك القدرة المادية على التنفيذ، لانني اعرف ان حلقة واحدة يمكن ان تكلف ميزانية مليار دينار على اقل تقدير، فكيف يكون الحال مع مسلسل درامي يضم 96 حلقة، واود ان اشير الى انني مستعد لتقديم العمل مجاناً اذا ارادت اية جهة الاقدام على تنفيذه، وانني مستعد للتعاون معها بما يساعد على ذلك؟
{ ومن يضمن جودة هذا العمل الدرامي؟
– لقد عملت في الاذاعة والتلفزيون سنوات طويلة، وكتبت مسلسلات اذاعية وتلفازية، وفي تجارب وفي ذاكرتي اسماء كبيرة من امثال الراحلين الخالدين محمد علي كريم ومهند الانصاري وحافظ القباني وسعاد الرمزي، وقد التقيت هذه الاسماء طوال عملي في الاذاعة والتلفزيون وتعلمت منهم الكثير، فقد تعلمت من الانصاري كيفية اعداد الكتاب المسموع واعداد البرامج، وتعلمت من حافظ القباني كيفية ادارة الحوار في البرامج الاذاعية والتلفازية، وتعلمت من المخرجة المبدعة رجاء كاظم عملية التعامل مع الكاميرا، وكنت احرص على الافادة من اية تجربة مهما صغرت او كبرت لاجد نفسي معدا للبرامج الاذاعية والتلفازية وكاتب دراما وسيناريو، وعاشقا للعمل في الاذاعة والتلفزيون، وهذا ما يشفع لي بحسن وجودة عملي الدرامي.
{ وهل تشعر انك كتبت ما تريد في كتابك (اوراق من مشوار الصمت)؟
– كان من المؤمل ان اكتب اكثر من ذلك، ولكنني عشت ظروفا نفسية قاسية بسبب استشهاد ولدي احمد ضمن فريق قناة الشرقية في الموصل، اذ كنت اعيش مرحلة اكتئاب دائم وعزلة حزينة، وقد شجعني على الخروج من هذا الوضع الصديقان محمد علي الخفاجي وعلاء المولى قبل وفاتهما رحمهما الله، اذ دفعني ذلك الى تاليف هذا الكتاب، ومع انني اصبحت التقي باصدقاء قدامى وجدد الا انني متالم من جحود ونكران بعض من ساعدتهم، ووقفت الى جانبهم، واسهمت في تكوينهم، وعندما التفت للخلف لا اجد سوى اشباحاً عابرة، ويعوضني في ذلك تعويضاً كبيراً الاستاذ الكبير العزيز او الطيب سعد البزاز الذي عرف بوفائه وكرمه وكان وما يزال يستذكر ولدي الشهيد وجميع شهداء الشرقية بتقديره العالي وسخائه، وروعة تكريمه.
{ وهل لديك مشروع اخر؟
– لدي وثائق مهمة عن المنطقة ومنها حوار مع النجل الاكبر للسلطان احمد قاجاري، الذي كان يرافق والده، وهو ابن السلطان الذي انقلب عليه والد الشاه واستلم السلطة منه، وهو حوار جرى اثناء زيارة نجل السلطان احمد قاجاري للعراق، ولدي مشروعاً لتقديم وثائق نادرة جدا، ولم يكشف النقاب عنها، وبعضها يبرهن ان صدام حسين كان واعياً لنهايته ومصيره منذ عام 1979، وان هناك مخططات تستهدف اسقاط نظامه.
{ وكيف يحدث ذلك؟
– هناك وثائق للمخابرات البريطانية والامريكية تؤكد ان الطرفين كانا قد انتبها الى جنون العظمة لدى صدام واستغلال هذا المرض لاثارة، حروب اقليمية، الامر الذي يشير الى وجود اصابع بريطانية وامريكية بما حصل للعراق وللمنطقة من حروب وانفجارات.
{ وما الذي بقي في الذاكرة
– لم يضم كتاب (اوراق في مشوار الصمت) كل المخزون في الذاكرة، وانما وضعت فيه 700 بالمئة من هذا المخزون وساحمل الثلاثين المتبقي معي الى القبر، وقد كتبت وصية بان يوضع في القبر عند موتي، قلما وورقاً لكي اكتب هذا المخزون.