الأدب الوجودي… وسؤالات الميتا
إبراهيم خزعل خليفة العبيدي
العُلْوُ من قيمة الإنسان والتأكيد على تفردها هي غاية الأدب الوجودي الذي يوّسع المجال للرمز فـــ (النخلة والمدينة والليل والنهر و… ) كلها أزمنة وأمكنة لها مدلولات ما، وليس ذكرها من باب التشكيل والنَظَم فقط.
إنّ الوجودية قد شجعت الإنسان على رفض القيم المسبقة بأجمعها، تحقيقا للحرية المطلقة التي تدعو إليها، وإذا كان لابدَ من الإيمان بمقولة (الشعر ابن بيئته)، فإن أي أزمة يعيشها الشعر ستكون رهينة اثنين لا ثالث لهما، وهما الشعر ذاته والبيئة.
ولهذا وجد الادب الوجودي مداه الرّحب في الرواية والمسرحية، لأنه السبيل الأفضل لبحث واستقصاء واقع الإنسان والكشف عما يحيط بهِ، وهو ما يقترب من مصطلح (الإيكولوجيا)، ولهذا نلحظ بعض الادباء الوجوديين أدلجوا أفكار هذه الفلسفة من خلال نتاجهم الأدبي لأنها أوسع انتشارًا، يذهب العديد من الكتاب والنقاد إلى أن الادب الوجودي هو في أصله مذهب فلسفي يحمل في طياته العديد من الدلالات، وتطور أثر الحربيين العالميتين، حتى اكتمل الأدب الوجودي في النصف الأخير من القرن الماضي. إنّ فهم ذات الإنسان/ الأديب لذاته من خلال تجاوزها لأطر الوعي السائد نحو الطبيعة، جَعَلها في النهاية تتجاوز عملية الفهم إلى عملية تفعيل الفهم حسب فلسفة الوجوديين عبر التحرك بالذات نحو أداء دور إنساني خالص، لا يهتم بذاته فقط، بل بجميع ما حوله؛ لأن إدراك أهمية ما يحيط بالأديب وتغدقه على الوجود الإنساني يتطلب من ذات الإنسان/الأديب الحفاظ على هذا الكيان لأنه يمثل وجودها وحضورها.
وهذا ما يتطابق مع التوجه الإيكولوجي العميق، أن يكتشف الأبعاد الأوسع لوجوده الخاص في سياق المجتمع العام البشري والطبيعي. وهذا الوعي قاد الإنسان/الأديب إلى تشكيل تصورات منقوطة تجاه ذاته والأخرين.
إنّ ايدلوجية الأدب الوجودي في عمقها ذات بعد اخلاقي، نابع من وعي عميق ويهدف إلى اختلال القيم في الواقع البشري. ولهذا نجد كلّ موضوعة في الأدب الوجودي هي في عمقها اختبار للذات الشاعرة. ويتجلى ذلك من خلال عدة أعمال روائية وشعرية منها على سبيل الذكر لا الحصر (رسالة الغفران) للمعري الذي قد يعتبر التفكير المبكر للوجودية في الأدب العربي أولًا والعالمي ثانيًا، ومن ثم (الشحاذ) لنجيب محفوظ الذي تعد انموذجا بليغًا من تجربته الفنية بهذا الثقل الفلسفي الذي تجلت فيها الوجودية رحلة البحث عن النغمة الضائعة، عن غاية كل شيء، عن سر الوجود، عن النشوة التي تربطنا بسر الوجود، عن الماهية والبحث عن ما بعد (الميتا)، وكذا ألواح ودسر للعمري وغيرها كثيرة هل الاعمال الادبية التي نهجت هذا. والتي نلحظ من خلالها تتم مَوْضَعَةُ الذات في حضورها الإبداعي، والساعية من خلال الأدب الوجودي إلى تخليد نفسها وإبراز فاعليتها.
لكن يبقى للوجودية ايجابياتها وسلبياتها، فالوجودية لا تقصد من الحرية المطلقة أن يعيش الإنسان عيشة متحرّرة من كلّ شيء بلا مسؤولية، بل هي كما ذكرها زكريا إبراهيم في كتابه (مشكلة الحرية ) ” تعني فقط أن الإنسان يختار بذاته، وأنّه هو الأصل في وجوده. فالحرّية تعني استقلال الاختيار وقيامه بذاته “.
إنّ صدور هذه الأحكام على الوجودية قد جاء عن الإساءة في فهم ما دعا إليه الأدب الوجودي من الحرية المطلقة حيث إنّ عبدالرحمن بدوي الذي حاول بناء المذهب الوجودي العربي من خلال كتابه (دراسات في الفلسفة الوجودية) ويُعدّ رائد الوجودية العربية ومعلّمها الأوّل يعتقد أن الأدب الوجودي أفاد الوجودية في الذيوع، ولكنه “أساء إليها أبلغ الإساءة في أنّه جعل الناس أو بعضهم يسيء فهمها إساءة مقصودة أحيانا، وغير مقصودة في معظم الاحيان”.