الأثر على العراق .. تعزيز الإنتشار العسكري والبحري الأمريكي في الشرق الأوسط – عماد علّو الربيعي

الأثر على العراق .. تعزيز الإنتشار العسكري والبحري الأمريكي في الشرق الأوسط – عماد علّو الربيعي

المقدمة

أدت الحرب التي اندلعت في غزة في 7 تشرين الأول الجاري الى قيام الولايات المتحدة الامريكية بإعلان انحيازها الكامل والمطلق الى جانب الكيان الصهيوني في عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية. وسارعت الولايات المتحدة الى ارسال حاملتي الطائرات جيرالد فورد وأيزنهاور الى شرق البحر المتوسط قرب السواحل الفلسطينية، وعلى متنهما حوالي (10000) جندي، مع مجموعات سفن الحماية لها كما أمن جسرا» جويا» لنقل المساعدات العسكرية من أعتدة ومقذوفات وآليات الى قوات الكيان الصهيوني بالإضافة الى القيام بإرسال ما يقارب (2000) جندي لدعم العمليات القتالية الصهيونية ضد قطاع غزة. ولايزال الدعم الأمريكي وإعادة نشر القوات الامريكية في منطقة الشرق الأوسط مستمرا» مع تطور الموقف في جبهة غزة. والسؤال المطروح هو عن مدى تأثير تعزيز الانتشار العسكري والبحري الأمريكي في المنطقة على الامن والاستقرار في العراق…؟

تعزيزات عسكرية سابقة

 سبق أن قام الجيش الأمريكي في نهاية عام 2022، بإغلاق (3) قواعد عسكرية كبيرة في قطر، هي معسكر السيلية الرئيسي في قطر، ومعسكر السيلية الجنوبي، ونقطة إمداد بالذخيرة تسمى فالكون، كانت تستخدم كمستودعات للذخيرة والأسلحة، وجرى نقلها على مقربة من الأراضي العراقية، الى 14 موقع وقاعدة عسكرية في الأردن ولكن معظم القوات الأمريكية تتمركز في قاعدة الملك فيصل الجوية في الجفر..  ومنذ آب 2023 قامت الولايات المتحدة الامريكية بإرسال لواء من الفرقة الجبلية العاشرة، بحدود 1500 مقاتل، عبر الأراضي العراقية الى شرق سوريا بدعوى دعم قوة المهام المشتركة، في عملية إحلال ومناوبة وانتقال المسؤولية. وفي أيلول/سبتمبر 2023 عززت الولايات المتحدة وجودها في منطقة الشرق الأوسط بإرسال الطائرات المسلحة من طراز F-35 وF-16 وA-10، بالإضافة إلى إعلان الأسطول الخامس الأمريكي عن وصول أكثر من ثلاثة آلاف جندي أمريكي في إطار خطة أمريكية لتعزيز تواجدها في المنطقة.  ومن الجدير بالذكر أن الاسطول الخامس الأمريكي في منطقة الخليج العربي ومقره في البحرين: يضم 18 سفينة، بينها حاملة طائرات من طراز نيميتز «يو أس أس هاري ترومان»، و3 مدمرات صواريخ موجهة، هي «يو أس أس لاسين» و»يو أس أس فاراغوت» و»يو أس أس فوريست شيرمان». وتوجد في قاعدة الشيخ عيسى الجوية، جنوب المنامة، طائرات عسكرية أميركية، من بينها F-16 وF/A-18 وطائرات المراقبة P-3. كما تنشر الولايات المتحدة في قاعدة علي السالم الجوية في الكويت، نحو 10 ألاف جندي أميركي. أما في إسرائيل، فينتشر جنود أميركيون في قاعدة مشابيم الجوية في صحراء النقب غربي بلدتي ديمونة ويروشام لدعم نظام الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية). كما ينتشر في مصر، قوات أمريكي في اطار بعثة المراقبين المتعددة الجنسيات المشرفة على تنفيذ اتفاقيات كامب ديفيد.

يوم حداد

تصاعد التهديد ضد القوات الامريكية

وبعد قيام إسرائيل بقصف وتدمير المستشفى المعمداني في غزة يوم 17 اكتوبر/تشرين الاول، اتهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على الفور اسرائيل بذلك ودعا الى يوم حداد، وبعدها بوقت قصير، استخدمت جهات مجهولة طائرات مسيرة لمهاجمة القوات الامريكية، وكرد فعل على الدعم الأمريكي والغربي المطلق لإسرائيل في حربها واسعة النطاق على الشعب الفلسطيني في غزة. مما دفع وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» للإعلان عن تعرض قواتها وقوات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، لـ 16 هجوما 13 منها في العراق و3 في سوريا حتى 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وكانت الإدارة الامريكية قد أمرت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بإجلاء الموظفين غير الأساسيين من سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل، طلبت الولايات المتحدة من رعاياها بعدم السفر للعراق.

حجم الانتشار العسكري الأمريكي

ان الحشد المتزايد والانتشار واسع النطاق للقوات والاساطيل البحرية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط تحت ذريعة حماية إسرائيل لابد أن يثير قلق دول المنطقة ومن ضمنها العراق الذي يتواجد فيه (2500) جندي موزعين على ثلاث قواعد رئيسية هي قاعدة عين الأسد وقاعدة فكتوريا وقاعدة حرير. وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد سارعت منذ 7تشرين الأول 2023، الى ارسال حاملتي طائرات مع مجموعة سفن الحماية المرافقة لهما وكما يلي:

1.المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات جيرالد فورد (Gerald Ford aircraft carrier strike group)، التي يرمز لها بمجموعة الضرب 12(Carrier Strike Group 12).: وهي أول مجموعة حاملة طائرات تابعة للبحرية الأمريكية يتم نشرها بقدرة بحرية متكاملة للتحكم في النار ومضادة جوية، والتي باستطاعتها تنفيذ مهام وواجبات، الحرب الجوية/الحرب البحرية/الحرب البرية، ومهام السيطرة البحرية، والسيطرة الجوية، والسيطرة البرية. كما أنها أول مجموعة تستخدم طائرة الإنذار المبكر المحمولة جواً (AEW) الجديدة من طراز E-2D. بالإضافة الى (6000) جندي بحري و جوي. تتألف المجموعة من: الطراد حامل الصواريخ تيكونديروجا Ticonderoga-class cruiser، وطراد حامل الصواريخ ونورماندي USS Normandy (CG-60). وسرب المدمرات 2 DESRON المجهز بصواريخ توما هوك الجوالة. ويتألف سرب المدمرات حاملة الصواريخ، من المدمرة رماجا USS Ramage (DDG 61)، والمدمرة ماكفول USS McFaul (DDG 74)، والمدمرة توماس هاندر USS Thomas Hudner (DDG 116). وترافق مجموعة الضربة (12) كتيبة الضفادع البشرية المقاتلة، وجناح الحرب الالكترونية المحمول جوا (warfare EA-18G Growler) و75 طائرة حربية من ضمنها طائرات (Fighter F/A-18E/F Super Hornet) وعدد من طائرات الهليكوبتر نوع نسر البحر (Helicopter SH-60F Seahawk). وتنظم الأسراب الجوية لمجموعة الضرب (12) كما يلي:

  • سرب طائرات الهليكوبتر القتالية البحرية (HSC) 9، Tridents
  • سرب القيادة والسيطرة المحمول جواً (VAW) 124، «Bear Aces
  • سرب الدعم اللوجستي للأسطول (VRC) 40 «Rawhide
  • سرب مقاتلات الثيران الضارب (VFA) 37 Ragin Bulls
  • سرب المقاتلات الضاربة الاسود السوداءBlacklions •سرب الطائرات المقاتلة الضاربة Golden Warriors المحاربون الذهبيون
  • سرب الذئاب الرمادية الضارب Gray Wolves
  • سرب طائرات الهليكوبتر البحرية الضاربة (HSM) 70
  • سرب النقل الجوي Grumman C-2 Greyhound

2.مجموعة قتال حاملة الطائرات أيزنهاور USS Dwight D. Eisenhower strike group: وحاملة الطائرات أيزنهاور واحدة من عشر حاملات تنتمي إلى فئة «Nimitz» الموجودة حالياً في الخدمة. وكما هو الحال مع حاملة الطائرات فورد، على متن الحاملة أكثر من 5000 بحّار، ويمكنها حمل ما يصل إلى تسعة من أسراب الطائرات ومنها المقاتلات والهليكوبتر وطائرات الاستطلاع. ترافق أيزنهاور مجموعة قتال بحرية strike group هي كما يلي: طراد الصواريخ الموجهة USS Philippine Sea. ومدمرة حاملة الصواريخ الموجهة USS Gavel، مدمرة حاملة الصواريخ الموجهة USS Mason. والسفينة الهجومية البرمائية يو إس إس باتان USS Bataan. وسفينة الإنزال يو إس إس كارتر هول USS Carter Hall، وسفينة الاسناد الإداري ميسا فيردي، USS Mesa Verde، ومن الجدير بالذكر أن مجموعة باتان تحمل قوة مكونة من 2500 جندي من مشاة البحرية.

كما تضم مجموعة قتال حاملة الطائرات أيزنهاور، تسعة أسراب من الطائرات (75-80) طائرة من ضمنها طائرات مقاتلة واستطلاع وسمتيات هجومية.

تعزيزات أمريكية أخرى

 لم تكتفي وزارة الدفاع الامريكية بما حشدت من قوات ضخمة برية وبحرية وجوية في المنطقة بدعوى حماية إسرائيل، فقد أصدرت أمرا» الى المدمرة يو إس إس كارني Destroyer USS Carney، التي تعمل في شمال البحر الأحمر، تلقت أمرا» بالالتحاق بمجموعة الحاملة فورد الضاربة، وقد أسقطت عدة صواريخ وطائرات مسيرة أطلقت عليها من سواحل اليمن، اثناء ابحارها متجهة الى قناة السويس في البحر الأحمر. وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وصل إسرائيل، 2000 عنصر من «قوة دلتا» وهي وحدة عمليات خاصة تابعة للجيش الأمريكي، تركز بشكل أساسي على مهمة تحرير الرهائن ومكافحة «العمليات الإرهابية»، وتحاط معظم عملياتها بالسرية. وهي القوة ونفذت عملية «الفجر الأحمر» الشهيرة للقبض على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. الا أن التقارير أفادت أن قوة دلتا، منيت بخسائر كبيرة عند محاولتها التوغل في قطاع غزة قبل أيام. كما قامت الإدارة الامريكية بنشر بطاريات الدفاع الطرفية للارتفاعات العالية طراز (ثاد THAAD) لإسقاط الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى ذات الارتفاعات العالية، بالإضافة إلى بطاريات باتريوت إضافية، في مواقع مختلفة من الشرق الأوسط، لزيادة حماية القوات الأميركية». ويملك الصاروخ «ثاد» معدل نجاح اعتراض بنسبة 100 %.

سيناريوهات تهديد الامن القومي العراقي

ان نشر هذا الكم الكبير من القوات الامريكية ومجموعات القتال البحرية وحاملات الطائرات وعشرات الطائرات الحربية مختلفة الأنواع الى جانب القوات الامريكية الموجودة مسبقا» في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد توترات واضطرابات أمنية عديدة دليل على أن ذريعة نشرها بسب قيام حركة حماس بتهديد الامن القومي الإسرائيلي غير منطقية .. في وقت اصدر معهد واشنطن تقريرا حول اهداف الانتشار العسكري الأمريكي واسع النطاق في المنطقة، بقلم مايكل آيزنشتات و مايكل نايتس قالا فيه (بينما تشن إسرائيل حربها ضد «حماس» في غزة، سيتمثّل التحدي الرئيسي الذي ستواجهه الولايات المتحدة في منع التصعيد الناجم عن مشاركة «حزب الله» والميليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا أو العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى إيران….. وبناءً على ذلك، على واشنطن أن تحاول استباق الأحداث والتأثير في حسابات هذه الجهات الفاعلة من خلال التوضيح، بالأقوال والأفعال، بأن مشاركتها في الصراع ستستدعي رداً قوياً من الولايات المتحدة.) …. واستنادا» الى كل ما سبق فان أبرز السيناريوهات التي يمكن أن تهدد الامن والاستقرار في العراق يمكن أن تكون كما يلي:

أولا»: سيناريوهات عسكرية:

  1. توجيه ضربات استباقية بالصواريخ والطائرات والمسيرات الى مقرات ومواقع فصائل المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي في الساحتين العراقية والسورية، لمنعها أو ردعها من القيام بالتعرض للقوات الامريكية وقوات التحالف في العراق وسوريا.
  2. في حالة استمرار التصعيد من قبل فصائل المقاومة الإسلامية ضد القوات الامريكية وإسرائيل مما قد يترتب على إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب، فان القوات الامريكية قد توجه ضربة تكتيكية الى الجمهورية الإسلامية في ايران، الامر الذي قد يجعل العراق ساحة للصراع العسكري بين القوات الإيرانية والقوات الامريكية في المنطقة.
  3. القيام بعمليات خاصة لاغتيال قادة بارزين من فصائل المقاومة الإسلامية كما حصل مع القائدين الشهيدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد.

ثانيا»: سيناريوهات ناعمة:

  1. توجيه تهديدات من وزارة الخزانة الأمريكية لتحديد الأولويات والإسراع في إدراج أسماء المصارف المرتبطة بفصائل المقاومة الإسلامية في القائمة السوداء تحت ذريعة إساءة استخدام الدولار الأمريكي.
  2. قيام الولايات المتحدة بتمنع إيران من الحصول على مبلغ إضافي قدره 10 مليارات دولار من الأموال المجمدة لشراء السلع الإنسانية الموجودة الآن في عُمان – والتي تتكون من عائدات مبيعات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق وبالتالي يعني ذلك قطع الغاز الإيراني عن محطات الكهرباء العراقية.
  3. انسحاب السفارات والممثليات الدبلوماسية الاوربية والحليفة لواشنطن من العراق لعزله دوليا» مرة أخرى، مما قد يعرض خطط الاعمار والتنمية للتوقف، وهذا بالتأكيد سينعكس على الامن والاستقرار الداخلي في العراق.

الخاتمة

    مما لا شك فيه أن الموقف المنحاز للإدارة الامريكية الى جانب إسرائيل في عدوانها واسع النطاق على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، سينعكس سلبا» على العلاقات العراقية الامريكية المتلكئة، كما ستنعكس تداعياتها على الاستقرار النسبي القائم في العراق منذ تسلم حكومة السيد محمد شياع السوداني للسلطة في العراق في أكتوبر 2022، وقد يشجع فلول عصابات داعش على معاودة نشاطها في الساحتين العراقية والسورية.

اللواء الركن المتقاعد

خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية

مشاركة