اعتقال العلماء

اعتقال العلماء
مثنى الطبقجلي
تم اعتقال الاستاذ الدكتور محمد طاقه عميد كلية بغداد للعلوم الاقتصاديه من قبل قوة عسكرية في الساعه الرابعه من عصر يوم الاربعاء قبل الماضي .. وهذا الأعتقال يكشف بلاشك الحملة الظالمة التي تنفذها الاجهزة القمعية بالسلطة في محاولات مستميتة لتكميم الافواه ولجم الالسن التي تتحدث بالحق عما لحق من دمار بالعراق وبآلته الصناعية والدفاعية بعدغزوالعراق 2003، وفي المقدمة عملية تصفية علماء العراق وقادة المؤسسة العسكرية والنخب الاعلامية والثقافية، لكي لايتمكن البلد ثانية من الوقوف على قامتيه سنوات طوال، وكي يبقى متعكزا على ظهر مؤسسات دولية واخرى عميلة تعمل في الداخل مثل حشرة ارضة تأكل الاخضر واليابس، وتنخر بالجسد العراقي حتى الموت، ولان علماء العراق في كافة المجالات على اختلاف سُننههمْ ومذاهِبهم هم من وقفوا في مواجهة الطاغوت الجديد، فان يد السلطة ومعاولها بدأت بتهديم ما تبقى منها بعدما تهجير خمس سكان العراق ومعظم نخبهم الوطنية والثقافية والعلمية ..وازاحت يد الغدر والمليشيات العميلة عن طريقها انفاس آلاف من خيرة كوادرنا العلمية، ومن تبقى منهم طالته الاعتقالات العشوائية والكيدية، لكي تدمر صروح علمية، كما جرى بالامس حينما تم اعتقال عميد كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الاستاذ الدكتور محمد طاقة.
درس الدكتور طاقة الاقتصاد في المانيا الديمقراطية وعمل استاذاً في جامعة بغداد في ثمانينيات القرن الماضي، عالم في الاقتصاد مشهود له بعلمه وغزارة بحوثه، ولأنه من أسرة موصلية مشهود لها بالعلم والورع والنضال الوطني، جاء اغتيال ابن عمه حارث طاقة المستشار الصحفي العراقي في جريمة تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1984، كان الدكتور محمد طاقة مثال الطالب العراقي الملتزم باخلاق عراقية، ايام الغربة التي جمعتنا معا ومن ثم التقيناه في المغرب أستاذاً للاقتصاد في جامعة وجدة، وكان هو..هو نفسه صاحب الخصال الطيبة، الذي يحمل دوما اثقال بلد لم تتعبه السنون في كرّها وفرّها، وحينما التقيناه في عمان عام 2011 ونصحته ان يبقى في الاردن الى ان تنزاح ظلال الغيمة السوداء اجابني وطلابي… يا ابوالحارث من يقف معهم.. نعم… هاهم اليوم يردّون له الجميل طلاباً واساتذة في تظاهرات واعتصامات واحتجاجات، تتمثل فيهم كل شرائح الشعب العراقي فهل هناك شهادة تعادل هذه الشهادة.. يا اديب. الجواب طبعا عند من لايملك شهادة وأمسى وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي .. ولعل بعض ما تسرب عن الاسباب الكامنة وراء اعتقال الاستاذ محمد طاقة انه كان يُسفه بأسلوب علمي اكاديمي،الخطط الاقتصادية الفاشلة التي تنفذها دوائر الدولة .. واحتكار كامل السلطات بيد رجل واحد قد يخطئ، وخطأه هنا سيعم على البلد باكمله، وكأنما هؤلاء لايتعظون من أخطاء الماضي وكأنما يريدون تكرار النهج الاستعلائي الذي توصف به الحكومات المستبدة… ولأن مسألة مثل هذه قد انعكست بشكل وآخر على المؤسسات التعليمية بالعراق بعد الحملة غير الوطنية التي طالت اساتذة الجامعات والعمداء بدعوى وأخرى بحجة أنهم بعثيون… وهي دعوة ما عادت تنطلي على أحد فقد تبيَّنَ أنَّ الوزير الحالي يريد تصفية حسابات قديمة، منها فرض نظام تعليمي يسير باهواء لاتتماشى مع العلم والمنطق والواقع، من هنا فان كيدية اعتقال محمد طاقة غير مستبعد ان تكون وراءه جهة ما،وأيدٍ عابثة ونقول ان حملة الاعتقالات الظالمة ضد النخب الوطنية والعلمية، ومنها اعتقال الدكتور محمد طاقة والعشرات الآخرين تحت بنود قانون المساءلة والعدالة، وربما الارهاب ، لن يدفع الاكاديميين العراقيين المهجرين خارج العراق بالعودة الى وطنهم العراق في ظل ظروف ومَحْرقة جديدة تنتظرهم.. والجواب ان تصفية العلماء العراقيين قتلاً واغتيالا وتهجيراً واقصاءاً طائفيا لن تفلح في انتزاع وطنيتهم، لان تلك الممارسات واستخدام يد السلطة الجاثمة على صدور العراقيين في ترويع علماء العراق لن تزيد هولاء، الا اصرارا على الالتصاق بوطنهم، ولو من بعد انتظاراً ليوم العودة.. وربما هي رسالة للاساتذة المحاصرين الان في سوريا ان لا يعودوا… اليس كذلك.. ان المطلوب اليوم حملة دولية تشارك فيها الصحافة العراقية والفضائيات العراقية والعربية الى جانب المنظمات العربية والدولية المتخصصة ومكتب الامين العام للامم المتحدة في بغداد، لكشف تداعيات هذه الاعتقالات، نصرة لهولاء العلماء والعمل على أطلاق سراحهم من الاسر، دعوة لاهالي المعتقلين ان لا تتوقف طلبات تظلمهم لمحكمة العدل الدولية وكذلك دعوة لكل طلبة العراق واساتذته والوطنيين ان يطالبوا باطلاق سراح الدكتور محمد طاقة وكل المعتقلين العراقيين الراقدين في السجون والمعتقلات السرية والعلني… فابصموا باصابعكم يا حملة الاقلام.. ان توقف المداهمات للمساكن والأحياء، ووقف الاعتقالات العشوائية والتهم المفبركة ضد خيرة رجال العراق وعلمائه.
/5/2012 Issue 4197 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4197 التاريخ 12»5»2012
AZP07