اعتـذارات متأخّـرة**
المهدي عثمان – تونس
كنتُ آخر القذرين…
أعْتذر للقبيلة عن شبق الفتيات المعلّق على حائط بيتي دون أْنْ يعلم الكاهن أو يفطن العسس.
قبل موتي كنتُ آخر عشاق القبيلة، وكانت النساء جميعا يحْفرن حروف أسْمائهنّ على شجرة السنديان المقابلة لمجرى سيقان العصافير البضة، حيث يوجد بيتي.
أعتذر لزوجة شيخ القبيلة، وزوجة كاهن النار والسبايا والراهبات… وكل اللوات عشقن غيري مررن بجسدي.
يا سادة القبيلة… بعد موتي فتشوا قبري وجيوبي الملأى بنهود نسائكم علكم تجدون تمائم تساعدني على جعل النساء جميعا يدُرن في فلكي.
عذرا لكل اللوات عشقتُ، وكل اللوات مررتُ بهنّ فجورا… لستُ فخورا ولكن الحقائق تحتاج دوما نقيضها.
xx
صديقي عذرا على جهلي…
أحتاج قرنا بحساب وحدة العشاق، كي أهبكَ ما وهبْتني… عذرا على خزعبلاتي، وانتهاكي المتعمّد لألوانك ولوحاتكَ.
دخلتُ لونكَ مرّة فغرقتُ في الوجع، غير أني كطائر الفينيق عدْتُ من رمادي لأسْحب لوحتكَ خارج التصنيف… وأضحك…
السنونوّة التي أهديتنيها لم تعدْ بجيبي، ولم أطعمها قبل التحليق رحيق ألوانك كما أوصيتني.. عذرا على جهلي.
عذرا لأني عشقت معك حبيباتك دون إذن، وكنتُ خجولا كسيّدة أفرطتْ في السهر.
عذرا لأنّ القمر الوحيد الذي أينع كان من نصيبي، وما شاركتك اللون كما شاركتني أوجاعي. كنت غارقا في نسائي ونزواتي وشعري..
xx
القيروانيّة آخر عشيقاتي…
القيروان… تهمة أولى حادت عن خطايا العالم، وأصابتْ وجعي.
القيروان… تلك الشقراء القرمزيّة، عبرْتها وكان القمر شاهدا على ثمالتي وزنْدقتي…
تلك الفاتنة، لم تكن سهلة بقدر ما كانت شقية حدّ جنون شَعرها الراقص على نايات الريح وأجراس السنديان… لم أسْتأذن شبابيك المدن العتيقة، ولا العتبات الحافية، ولا أزقة الرخام المغلّفة بالصدى.
… لم أسْتأذن وأنا أعبر تفاصيلها.. رائحة خيل الفتوحات ورطوبة التاريخ العابق من جدران الحكايا وأسرار البيوت الموصدة على أهلها الأصْليين.
عذرا لسيّدة القيروان، وشيوخ الطريقة…
عذرا للأبواب الخشبيّة المنتَهَكة…
كنتُ آخر الحمْقى…
آخر كأس مرّتْ بشموع أصابعي، لم تكن ملأى، ولم تكن فارغة. كان نصْفها الفارغ مضمّخا بمعطف الوهم في ليل مدينة ممطر.
… آخر كأس مرّتْ بشواطئ طاولتي، لم تكن كآخر سنونوّة هاجرتْ آخر الربيع، إلى ربيع في الضفّة الأخرى ولم تكن كآخر قارب غادر الشاطئ محمّلا بأحلام عشاقه إلى تماس الشمس، مع عرَق البحر الصاعد للغيمة الآفلة
… آخر كأس كانت معي، وكنتُ قبالة ثمالتي تترصّدني أخطائي. لم أنتبه لحقيبتكِ اليدويّة تلثم شالكِ الحريريّ لتغادري المقهى.
فقط، فُجعتُ بنفاذ كأسي وارتبكتُ…. كُسر الكأس.
… جُرحتْ شفاهكِ العالقة بحافته…
… معذرة لشفاهكِ ولخمْرتي…
… معذرة لنادر المقهى ولحماقتي…
xx
سيقان العصافير…
الوردة… قُطفتْ من ضفّة نهر العصافير.
سيقان العصافير المُضمّخة بحنّاء السنابل..
سيقان العصافير الحذرة من التربة الساخنة..
سيقان العصافير، تُهدهد الوردة المقْطوفة من ضفّة مرْسى القوارب..
.. مَنْ قطف الوردة أيتها السنابل؟
سنابل الضفّة شاهدة على جرْمي… قوارب الترحال، ودموع سمكات المجرى.
الوردة التي أهدتْنيها سيّدة، دسْتُها بين حذائي وسماد القمح.
.. عذرا لسنابل القمح وللوردة العاشقة.
هذه اعتذارات متأخّرة، لأصدقائي ونسائي وعشيقاتي… فهل قبلوا اعتذاري؟
/8/2012 Issue 4265 – Date 1 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4265 التاريخ 1»8»2012
AZP09