استعدادات سعودية استثنائية لمواجهة الحر خلال الحج

منى‭ (‬السعودية‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬مدينة‭ ‬خيام‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬يستعد‭ ‬طاقم‭ ‬مستشفى‭ ‬سعودي‭ ‬لاستقبال‭ ‬حالات‭ ‬الإجهاد‭ ‬الحراري‭ ‬التي‭ ‬تتزايد‭ ‬مع‭ ‬أداء‭ ‬الحجاج‭ ‬للمناسك‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬خانقة‭. ‬ويُعد‭ ‬مستشفى‭ ‬طوارئ‭ ‬مِنى‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬مرفقا‭ ‬مشابها،‭ ‬تعمل‭ ‬كلها‭ ‬لبضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬خلال‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬الذي‭ ‬شهِد‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وفاة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1300‭ ‬شخص‭ ‬بسبب‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الصحراوي‭. ‬وتبذل‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬جهودا‭ ‬كبيرة‭ ‬تفاديا‭ ‬لتكرار‭ ‬كارثة‭ ‬2024،‭ ‬إذ‭ ‬وصلت‭ ‬حينها‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬51،8‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭. ‬

ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬موسم‭ ‬الحجّ‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬سجلت‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬44‭ ‬حالة‭ ‬إجهاد‭ ‬حراري‭. ‬وينصبّ‭ ‬التركيز‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ “‬على‭ ‬الظروف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحر‭ ‬لأن‭ ‬الحج‭ ‬يتزامن‭ ‬مع‭ ‬حرارة‭ ‬شديدة‭”‬،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬أكّد‭ ‬وكيل‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬السكانية‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬عسيري‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭. ‬وقال‭ ‬عسيري‭ ‬إن‭ ‬المستشفى‭ ‬الذي‭ ‬يعج‭ ‬بالموظ

ين‭ ‬ولم‭ ‬يستقبل‭ ‬أي‭ ‬حالات‭ ‬بعد،‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬جهود‭ ‬المملكة‭ ‬للاستعداد‭ ‬لـ‭”‬أسوأ‭ ‬سيناريو‭” ‬عند‭ ‬بدء‭ ‬الحجاج‭ ‬أداء‭ ‬المناسك‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬40‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬مع‭ ‬انطلاق‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬التجمعات‭ ‬الدينية‭ ‬السنوية‭ ‬رسميا‭ ‬الأربعاء،‭ ‬والذي‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬مسلمون‭ ‬من‭ ‬الجنسيات‭ ‬كافّة‭. ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بدأ‭ ‬الحجّاج‭ ‬يتوافدون‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬متحدّين‭ ‬الحر‭ ‬الشديد‭. ‬وحتى‭ ‬يوم‭ ‬الأحد،‭ ‬وصل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1،4‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬لأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحجّ،‭ ‬وفق‭ ‬المسؤولين‭. ‬وتُعد‭ ‬منظومة‭ ‬التبريد‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬المكّي‭ ‬الأكبر

من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويتم‭ ‬تنقية‭ ‬هواء‭ ‬التكييف‭ ‬داخل‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬9‭ ‬مرات‭ ‬يوميا،‭ ‬وفق‭ ‬التلفزيون‭ ‬السعودي‭ ‬الرسمي‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬لا‭ ‬مفرّ‭ ‬غالبا‭ ‬للحجّاج‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬الحارقة‭.  ‬البعض‭ ‬يرتدي‭ ‬قبّعات‭ ‬أو‭ ‬يحمل‭ ‬مظلات،‭ ‬بينما‭ ‬يمشي‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬الشمس،‭ ‬مثل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬رباح‭ ‬منصور‭ ‬البالغ‭ ‬70‭ ‬عاما‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬كمزارع،‭ “‬لا‭ ‬يزعجني‭ ‬الحر‭”. ‬وشرح‭ ‬منصور‭ ‬والعرق‭ ‬يتصبب‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ “‬أعيش‭ ‬في‭ ‬القرية،‭ ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬عليّ‭ ‬الحرّ‭ ‬كثيرا،‭ ‬وأتأقلم‭ ‬مع‭ ‬الجو‭”. ‬

وقد‭ ‬يغلب‭ ‬الحماس‭ ‬على‭ ‬كثيرين‭ ‬عند‭ ‬أدائهم‭ ‬مناسك‭ ‬الحجّ،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عسيري‭ ‬حذّر‭ ‬الحجّاج‭ ‬من‭ ‬تعريض‭ ‬أنفسهم‭ ‬لظروف‭ ‬قاسية‭ ‬بدون‭ ‬داع‭. ‬ومن‭ ‬جهته،‭ ‬رأى‭ ‬بدر‭ ‬الشريطة‭ ‬وهو‭ ‬حاجّ‭ ‬فلسطيني‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تزداد‭ ‬المشقّة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يكبر‭ ‬الأجر‭. ‬

وقال‭ ‬الشريطة‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ “‬كما‭ ‬ترون،‭ ‬نتصبب‭ ‬عرقا،‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭. ‬الأجر‭ ‬يتطلب‭ ‬مشقّة‭”. ‬وأشار‭ ‬عسيري‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬50‭ ‬ألفا‭ ‬بين‭ ‬عاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬وموظفين‭ ‬إداريين،‭ ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬يتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬أعداد‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭. ‬وأضاف‭ ‬عسيري‭ ‬أن‭ “‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬زادت‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬60%‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعام‭ ‬الماضي‭”‬،‭ ‬وتم‭ ‬توفير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬سرير‭ ‬مستشفى‭ ‬مجهزة‭ ‬بمراوح‭ ‬لعلاج‭ ‬الإصابات‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬الحر‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬عالج‭ ‬الطاقم‭ ‬الطبي‭ ‬2764‭ ‬حاجّا‭ ‬من‭ ‬الإجهاد‭ ‬الحراري‭ ‬وحالات‭ ‬أخرى‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالحر،‭ ‬وفق‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬السعودية‭. ‬

ويبقى‭ ‬السيناريو‭ ‬الأفضل‭ ‬تجنب‭ ‬دخول‭ ‬المستشفى‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬ولهذا‭ ‬أُنشئت‭ ‬71‭ ‬نقطة‭ ‬طبية‭ ‬طارئة‭ ‬موزّعة‭ ‬حول‭ ‬المشاعر‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ “‬علاج‭ ‬المرضى‭ ‬ميدانيا‭ ‬قبل‭ ‬تدهور‭ ‬حالتهم‭”‬،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬شرح‭ ‬عسيري‭. ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الحج،‭ ‬يتوجه‭ ‬الحجّاج‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬عرفات،‭ ‬حيث‭ ‬يمضون‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والدعاء‭. ‬وشرح‭ ‬عسيري‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الأمراض‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬التعرض‭ ‬للحر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عرفة‭ ‬سببها‭ ‬اعتقاد‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬عليهم‭ ‬البقاء‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭. ‬وأضاف‭ “‬ليس‭ ‬على‭ ‬الحجّاج‭ ‬البقاء‭ ‬خارج‭ ‬خيمتهم‭ ‬في‭ ‬عرفة،‭ ‬لأنه‭ ‬أمر‭ ‬محفوف‭ ‬بالمخاطر‭”.‬

وصرّح‭ ‬وزير‭ ‬الحج‭ ‬السعودي‭ ‬توفيق‭ ‬الربيعة‭ ‬لفرانس‭ ‬برس،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬بأنه‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬آلاف‭ ‬المراوح‭ ‬والرذاذات‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬وحدة‭ ‬تبريد‭ ‬مائية‭.‬‭ ‬وأقامت‭ ‬السلطات‭ ‬ممرات‭ ‬مُبرّدة‭ ‬للمشاة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مسار‭ ‬اكتمل‭ ‬حديثا‭ ‬بطول‭ ‬أربعة‭ ‬كيلومترات‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬عرفات‭. ‬وشكّلت‭ ‬الوفيات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الحجّاج‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬علامة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬الخطر‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬سبّبه‭ ‬الحر‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬والذي‭ ‬أكثر‭ ‬السنوات‭ ‬حرّا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الإحصاءات‭ ‬سنة‭ ‬1850،‭ ‬بحسب‭ ‬مرصد‭ ‬كوبرنيكوس‭ ‬الأوروبي‭. ‬وقال‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬عاطي‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬الفيليبين‭ ‬إن‭ “‬الحرارة‭ ‬شديدة‭ ‬للغاية،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬فترات‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ (‬المسجد‭ ‬الحرام‭)‬،‭ ‬فيكون‭ ‬الجو‭ ‬باردا‭ ‬نظرا‭ ‬للبلاط‭ ‬والمكيّفات‭”. ‬وأضاف‭ “‬نعتبر‭ ‬هذا‭ ‬تحدّيا‭ ‬واختبارا‭ ‬لأخلاقنا‭”.‬

مشاركة