استطلاع (الزمان) منظمات المجتمع المدني في العراق:تجارب تحبو اصطادتها الأحزاب وتجاهلتها التشريعات

عدنان‭ ‬أبوزيد‭ -‬هدير‭ ‬الجبوري‭ – ‬الزمان

‭ ‬عندما‭ ‬انطلقت‭ ‬رحلة‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬العام‭ ‬2003،‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬أحلاماً‭ ‬عريضة‭ ‬وتطلعاتٍ‭ ‬نبيلة‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحقيق‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الآمال‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬إرادة‭ ‬قوية‭ ‬وإصرار‭ ‬طاغٍ‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬والعقبات‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬النبيلة‭. ‬لكن‭ ‬النتائج‭ ‬كانت‭ ‬دون‭ ‬التوقعات‭ ‬المرسومة،‭ ‬كما‭ ‬تظهر‭ ‬شهادات‭ ‬ميدانية‭ ‬موثوقة‭ ‬لتلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬المؤلمة‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬نشأت‭ ‬وتطوّرت،‭ ‬ورغم‭ ‬الفرص‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬أتيحت‭ ‬لها‭ ‬مادياً‭ ‬وقانونياً،‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬دعم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬واجهت‭ ‬عقبات‭ ‬جسيمة‭ ‬أحالت‭ ‬جهودها‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬متواضعة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬المرجو‭. ‬حيث،‭ ‬ورغم‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬المضنية‭ ‬والعطاء‭ ‬الكبير،‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬في‭ ‬التباعد‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

يواجه‭ ‬أفراد‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬تحديات‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬التدخلات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعرقل‭ ‬العمل،‭ ‬وقلة‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬التأثير،‭ ‬وظاهرة‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬السبيل،‭ ‬والتحيز‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬يعيق‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬الشاقة،‭ ‬يظل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬مواصلة‭ ‬النضال‭ ‬والعمل‭ ‬بكل‭ ‬جهد‭ ‬وإخلاص،‭ ‬رغم‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها،‭ ‬حتى‭ ‬تتحقق‭ ‬النهضة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تصبو‭ ‬إليها‭ ‬الأمة‭ ‬بأسرها‭.‬

تنظيم‭ ‬العمل

النائب‭ ‬حسين‭ ‬عرب،‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬العمل‭ ‬البرلمانية‭ ‬لـ‭ ‬الزمان،‭ ‬ان‭ ‬لجان‭ ‬العمل‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والقانونية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬تبحث‭ ‬قانون‭ ‬الاتحادات‭ ‬والنقابات‭ ‬والتنظيم‭ ‬النقابي،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أهمية‭ ‬تنظيم‭ ‬عمل‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

وقال‭ ‬عرب،‭ ‬انه‭ ‬‮«‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العراق،‭ ‬تتزايد‭ ‬أهمية‭ ‬تنظيم‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬عمودًا‭ ‬فقريًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬حيث‭ ‬تلعب‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الشفافية،‭ ‬وتمكين‭ ‬المواطنين،‭ ‬ومراقبة‭ ‬السلطة‭. ‬وأضاف‭: ‬‮«‬من‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬اللجان‭ ‬البرلمانية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والقانونية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬اذ‭ ‬تعتبر‭ ‬لجان‭ ‬العمل‭ ‬البرلمانية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬التشريعية‭ ‬والرقابية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬فهي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش‭ ‬البناء‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬وتضمن‭ ‬ممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بشكل‭ ‬شفاف‭ ‬ومسؤول‮»‬‭.‬

وتابع‭: ‬‮«‬تنظيم‭ ‬النقابات‭ ‬والاتحادات‭ ‬العمالية‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬وتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬عملهم،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬قانون‭ ‬الاتحادات‭ ‬والنقابات‭ ‬والتنظيم‭ ‬النقابي‭ ‬يأتي‭ ‬لتنظيم‭ ‬علاقة‭ ‬العمال‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬العمل،‭ ‬وضمان‭ ‬حقوقهم‭ ‬ومطالبهم،‭ ‬وتعزيز‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

السلطة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني

نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬حلول‭ ‬للدراسات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬الكاتب‭ ‬مازن‭ ‬الشمري،‭ ‬يقول‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬انه‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬الامس‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬النقابات‭ ‬وجمعيات‭ ‬النفع‭ ‬العام‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬تعامل‭ ‬السلطة‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لم‭ ‬تتبلور‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬اليوم،‭ ‬لاسيما‭ ‬وفق‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬بعد‭ ‬بناء‭ ‬قدراتها‭ ‬لتقديم‭ ‬تقارير‭ ‬الظل‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬والمخدرات‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‮»‬‭. ‬يضيف‭: ‬‮«‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬سلوك‭ ‬لحوار‭ ‬وطني‭ ‬ينهض‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لإنتاج‭ ‬مصفوفة‭ ‬حلول‭ ‬تطبيقية‭ ‬معرفية‭ ‬وليس‭ ‬صخب‭ ‬الضجيج‭ ‬والفوضى‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كواجهات‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬فرحون‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬المحاصصة،‭ ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬ريادة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬سيبقى‭ ‬عزوف‭ ‬الاغلبية‭ ‬الصامتة‭ ‬ويستمر،‭ ‬وتمرر‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬بلا‭ ‬اي‭ ‬مؤشر‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬متجددة‮»‬‭.‬

إثبات‭ ‬الوجود

المؤرخ‭ ‬والاعلامي‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الجبوري‭ ‬يقول‭ ‬لـ‭ ‬الزمان،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬نشطت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بعد‭ ‬2003‭ ‬وتركزت‭ ‬أنشطتها‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬النجاحات‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬رصد‭ ‬الانتهاكات‭ ‬وتفشي‭ ‬الحرمان‭ ‬وحالات‭ ‬الجوع‭ ‬لشرائح‭ ‬معينة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المعونة‭ ‬الغذائية‭ ‬والكسوات‭ ‬أو‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬المستلزمات‭ ‬الدراسية‭ ‬البسيطة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬تنفيذ‭ ‬معايير‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الخدمية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاخرى‭ ‬وبقي‭ ‬الحرمان‭ ‬والجوع‭ ‬ونقص‭ ‬الكرامة‭ ‬يطال‭ ‬شرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬وباتت‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر‭ ‬تضاهي‭ ‬كثيرا‭ ‬المترفين‭ ‬وتتعداها‭ ‬إحصائياً،‭ ‬ولازالت‭ ‬القيود‭ ‬تحدد‭ ‬عمل‭ ‬ونشاط‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‮»‬‭.‬

يتابع‭: ‬‮«‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬وشكل‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬وتاريخ‭ ‬ميلادها‭ ‬ونشأتها‭ ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬تمويلها،‭ ‬وأيا‭ ‬كان‭ ‬بلد‭ ‬المنشأ،‭ ‬باستثناء‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬وترعرعت‭ ‬داخل‭ ‬البلد‭ ‬وكانت‭ ‬ولادتها‭ ‬عسيرة‭ ‬بعد‭ ‬الإرهاصات‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬العراق،‭  ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬منظمات‭ ‬لم‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬ولازالت‭ ‬مرتبطة‭ ‬به،‭ ‬ولم‭ ‬تؤسس‭ ‬لنفسها‭ ‬كيانا‭ ‬مستقلا‭ ‬ووجودا‭ ‬بنيويا‭ ‬ولازالت‭ ‬الضبابية‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬لمفهوم‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ودور‭ ‬المنظمات‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬وحلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬كسلطة‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بات‭ ‬غامضا‭ ‬ومضللا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جوانبه‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬أساساً‭ ‬وعمليات‭ ‬التحول‭ ‬والانتقال‭ ‬السياسي،‭ ‬واستغلال‭ ‬واسع‭ ‬ومنظم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الكتل‭ ‬السياسية‭ ‬المتصارعة‭ ‬للمنظمات‭ ‬المدنية‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬منظمات‭ ‬تتبع‭ ‬جهات‭ ‬سياسية‭ ‬متنفذة‭ ‬أيدلوجياً‭ ‬ومالياً‭ ‬وتنشط‭ ‬كغدة‭ ‬درقية‭ ‬تبدو‭ ‬حميدة‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تنفذ‭ ‬أجندات‭ ‬سياسية‭ ‬لتلك‭ ‬الكتل‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬التحولات‭ ‬والتقلبات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وبدا‭ ‬ذلك‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬البرامج‭ ‬الانتخابية‭ ‬خطابةً‭ ‬وتواصلاً‭ ‬مع‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توزيع‭ ‬الأموال‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬والتفتيش‭ ‬عن‭ ‬مساحات‭ ‬بشرية‭ ‬فقيرة‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬منسية،‭ ‬واستغلال‭ ‬فقرها‭ ‬وجوعها‭ ‬لصالح‭ ‬كتل‭ ‬بعينها،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬دعم‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية‭ ‬ومواسمها‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬زجت‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬نفسها‭ ‬كي‭ ‬تحظى‭ ‬بتأييد‭ ‬واسع‭ ‬لتلك‭ ‬الكتلة‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬الحزب‭ ‬مستغلين‭ ‬بذلك‭ ‬جهل‭ ‬المجتمع‭ ‬بدور‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقيقي‭ ‬وبذلك‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬وأذرع‭ ‬بيد‭ ‬تلك‭ ‬الكتل‭ ‬والأحزاب،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ولا‭ ‬يلغي‭ ‬وجود‭ ‬منظمات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬مستقلة‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬المعاناة‭ ‬وتعمل‭ ‬بصمت‭ ‬رغم‭ ‬تمويلها‭ ‬الذاتي‭ ‬البسيط‭ ‬وكان‭ ‬بعضاً‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬متطلبات‭ ‬المجتمع‭ ‬البسيطة‭ ‬أثناء‭ ‬حصار‭ ‬كورونا‭ ‬وقبلها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬النزوح‭ ‬الجماعي،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬نقول‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬رغم‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والقانوني‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬عملية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وبقيت‭ ‬مجرد‭ ‬عربات‭ ‬ناقلة‭ ‬لبعض‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬تثبيت‭ ‬وجودها‭ ‬ككيان‭ ‬مستقل‭ ‬ومراقب‭ ‬قانوني‭ ‬موازي‭ ‬للدولة‭ ‬بل‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬عرضة‭ ‬للاغتيال‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬كان‮»‬‭.‬

توظيف‭ ‬سياسي

الكاتب‭ ‬والمحامي‭ ‬رافع‭ ‬السراج‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬يوسف‭ ‬ذنون‭ ‬للدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬والبحوث‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬يقول‭ ‬لـ‭ ‬الزمان،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬من‭ ‬الملفت،‭ ‬كثرة‭ ‬المنظمات‭ ‬الغير‭ ‬حكومية‭ ‬NGO‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الامر‭ ‬لم‭ ‬تمارس‭ ‬اي‭ ‬دور‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬لأنها‭ ‬اساسا‭ ‬لم‭ ‬تنشأ‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬وطني‭ ‬شفاف‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬معظمها‭ ‬ولا‭ ‬اقول‭ ‬جميعها‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬اموال‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬منحته‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الامريكي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬وبهدف‭ ‬تلهية‭ ‬المجتمع‭ ‬واغراء‭ ‬الشباب‭ ‬بالمال‭ ‬وبالشعارات‭ ‬الزائفة‭ ‬التي‭ ‬اطلقتها‭ ‬السلطات‭ ‬ورشحت‭ ‬لها‭ ‬شخصيات‭ ‬غير‭ ‬مؤهلة،‭ ‬همها‭ ‬الأول‭ ‬والاخير‭ ‬الاستفادة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬من‭ ‬اموال‭ ‬الدعم‮»‬‭.‬

يستطرد‭ ‬السراج‭: ‬‮«‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬تمارس‭ ‬نشاطها‭ ‬الوهمي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬والتزييف‭ ‬الى‭ ‬وقت‭ ‬انكشفت‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬اوراقها،‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬المصداقية‭ ‬في‭ ‬نشاطها‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬والاسناد‭ ‬المادي‭ ‬واعتمدت‭ ‬بالدرجة‭ ‬الاساس‭ ‬على‭ ‬مساهمة‭ ‬اعضائها‭ ‬وروادها‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬بقاءها‭ ‬المتعثر‮»‬‭.‬

عديمة‭ ‬الجدوى‭ ‬والفعالية

رئيس‭ ‬مركز‭ ‬التفكير‭ ‬السياسي‭ ‬واستاذ‭ ‬السياسات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد،‭ ‬الدكتور‭ ‬احسان‭ ‬الشمري،‭ ‬يتحدث‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬عن‭ ‬ان

‮«‬تأسيس‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬لأهداف‭ ‬شخصية‭ ‬وحزبية،‭ ‬وراءها‭ ‬دوافع‭ ‬مالية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والحكومات‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية،‭ ‬ويظهر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬فعلياً‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تعلن‭ ‬عنها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬تأثير‭ ‬فعّال‮»‬‭.‬

يستأنف‭ ‬الشمري‭: ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بالثقة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬لأنها‭ ‬تعتبر‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى‭ ‬والفعالية،‭ ‬حيث‭ ‬يُشكك‭ ‬في‭ ‬شفافيتها‭ ‬ومدى‭ ‬استقلاليتها،‭ ‬ويظهر‭ ‬أن‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬ضعيف،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬البرامج‭ ‬والمشاريع،‭ ‬وعدم‭ ‬الوفاء‭ ‬بالوعود‭ ‬المعلنة‮»‬‭.‬

يعتبر‭ ‬الشمري‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تجربة‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حديثة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بعد‭ ‬العام‭ ‬2003،‭ ‬ورغم‭ ‬محاولاتها‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهذا‭ ‬الضعف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ناتجًا‭ ‬عن‭ ‬الحداثة‭ ‬النسبية‭ ‬لهذه‭ ‬التجربة،‭ ‬والتي‭ ‬تتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لكسب‭ ‬الثقة‭ ‬وتحقيق‭ ‬التأثير‭ ‬المرجو‮»‬‭.‬

يتابع‭ ‬القول‭: ‬‮«‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬جادة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬فعّال‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البحث‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والعلمي‭ ‬والثقافي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نطاق‭ ‬تأثيرها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محدودًا،‭ ‬ويتطلب‭ ‬الوضع‭ ‬تقييمًا‭ ‬شاملاً‭ ‬ومعايير‭ ‬جديدة‭ ‬لتحفيز‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬الرسمية‭ ‬وتحقيق‭ ‬تأثير‭ ‬إيجابي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‮»‬‭.‬

رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬الاعلاميات‭ ‬العراقيات،‭ ‬نبراس‭ ‬المعموري،‭ ‬تتحدث‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬‮«‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تشهد‭ ‬تحولًا‭ ‬باتجاه‭ ‬غير‭ ‬مرضٍ،‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬مسرحًا‭ ‬للتحزب‭ ‬السياسي‭ ‬وتحقيق‭ ‬المكاسب‭ ‬المالية‭ ‬والسياسية‭ ‬الشخصية،‭ ‬فعندما‭ ‬يتقاعد‭ ‬المسؤولون‭ ‬الكبار‭ ‬أو‭ ‬نواب‭ ‬تنتهي‭ ‬فتراتهم‭ ‬البرلمانية،‭ ‬يتجهون‭ ‬نحو‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمات‭ ‬مجتمعية‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الشفافية‭ ‬والاستقلالية،‭ ‬ما‭ ‬يضعف‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التغيير‮»‬‭.‬

تتحدث‭ ‬المعموري‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬‮«‬الواقع‭ ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنظمات‭ ‬العديدة‭ ‬تستقطب‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬بهدف‭ ‬دعم‭ ‬الأجندات‭ ‬السياسية‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬للأحزاب‭ ‬الممولة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأهداف‭ ‬المجتمعية‭ ‬المُعلنة،‭ ‬فيما‭ ‬التغيير‭ ‬الفعّال‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ليسا‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬بل‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬الاستفادة‭ ‬الشخصية‭ ‬وخدمة‭ ‬أجندات‭ ‬سياسية‭ ‬ضيقة‮»‬‭.‬

تضيف‭: ‬‮«‬تتلقى‭ ‬المنظمات‭ ‬دعمًا‭ ‬ماليًا‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬معينة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الانتخابات،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬ترويجية‭ ‬للأحزاب‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬و‭ ‬يكمن‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬عدالة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬المنح‭ ‬بين‭ ‬المنظمات،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬بعضها‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬وتأثير‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بينما‭ ‬تكون‭ ‬أخرى‭ ‬ذات‭ ‬أداء‭ ‬هامشي،‭ ‬ويظهر‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬ليست‭ ‬مؤمنة‭ ‬أو‭ ‬تهتم‭ ‬بفكرة‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬المنافع‭ ‬الشخصية‭ ‬لأفرادها‭ ‬أو‭ ‬للأحزاب‭ ‬التي‭ ‬ترعاها‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬تجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬قليلة‭ ‬حققت‭ ‬تغييرًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬وتوعية‭ ‬المواطن،‭ ‬وشاركت‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬المقترحات‭ ‬القانونية‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‮»‬‭.‬

ترى‭ ‬المعموري‭ ‬ان‭ ‬‮«‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬تظهر‭ ‬لإعادة‭ ‬تقييم‭ ‬قانون‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬حيث‭ ‬يحتاج‭ ‬القانون‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬إصلاحات‭ ‬لسد‭ ‬الثغرات‭ ‬ووضع‭ ‬شروط‭ ‬واضحة‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المنظمات،‭ ‬و‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬قراءة‭ ‬دقيقة‭ ‬للتقارير‭ ‬والأنشطة‭ ‬المُقدمة‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬للجهات‭ ‬المختصة،‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬معايير‭ ‬صارمة‭ ‬لضمان‭ ‬استقلاليتها‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬الفعلية‭ ‬دون‭ ‬تأثيرات‭ ‬سياسية‭ ‬خارجية‮»‬‭.‬

‭ ‬التحديات‭ ‬والمصاعب

الكاتب‭ ‬والباحث‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬غسان‭ ‬الشبيب،‭ ‬يتحدث‭ ‬لـ‭ ‬الزمان،‭ ‬عن‭ ‬‮«‬دور‭ ‬كبير‭ ‬لعبته‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬لإعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬تمثلت‭ ‬بالتدريب‭ ‬وإعداد‭ ‬كوادر‭ ‬المنظمات‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬البلد‭ ‬وتمويل‭ ‬البرامج‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬

وعلى‭ ‬إثرها‭ ‬استطاعت‭ ‬المنظمات‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬مهمة‭ ‬وأساسية‭ ‬شملت‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لضحايا‭ ‬الحرب‭ ‬واعمال‭ ‬العنف‭ ‬وتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬القانوني‭ ‬للفئات‭ ‬المهمشة‭ ‬والمستضعفة‭ ‬ونشر‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬وثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬النوع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتمكين‭ ‬المرأة‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬ومراقبة‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬ومجالس‭ ‬الحافظات‮»‬‭.‬

يضيف‭ ‬الشبيب‭: ‬‮«‬لكن‭ ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬المهمة‭ ‬واجهت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬و‭ ‬التحديات‭ ‬والمصاعب‭ ‬نتيجة‭ ‬للوضع‭ ‬السياسي‭ ‬و‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬البلاد‭ ‬وانحسار‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬النقي‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬عصب‭ ‬الحياة‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬والفساد‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬نخر‭ ‬مصداقية‭ ‬بعضها،‭ ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬التسيب‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬المنح‭ ‬لإقامة‭ ‬نشاطات‭ ‬مدنية‭ ‬غير‭ ‬فاعلة‭ ‬و‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬تسجيل‭ ‬نشاط‭ ‬والتربح‭ ‬للقائمين‭ ‬على‭ ‬المنظمة،‭ ‬خاصةً‭ ‬المنح‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬و‭ ‬دخول‭ ‬السمسرة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬هذه‭ ‬المنح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السفارات‭ ‬بالذات،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرا‭ ‬سلبيا‭ ‬هو‭ ‬التأثير‭ ‬العقائدي‭ ‬و‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬نشاطات‭ ‬المنظمات‭ ‬بسبب‭ ‬ارتباط‭ ‬إدارة‭ ‬المنظمات‭ ‬بأفكار‭ ‬و‭ ‬تنظيمات‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬صالح‮»‬‭.‬

المراقبة‭ ‬والشفافية

ويتحدث‭ ‬الصحافي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬عقيل‭ ‬الشويلي‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬عن‭ ‬‮«‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬وسيلة‭ ‬استفادة‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬والأشخاص‮»‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬ان‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬المراقبة‭ ‬والشفافية،‭ ‬أتاح‭ ‬للدخلاء‭ ‬وأصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬تحويل‭ ‬المنظمات‭ ‬المدنية،‭ ‬الى‭ ‬مشاريع‭ ‬تجارية‭ ‬للتربح‮»‬‭.‬

‭ ‬تأثير‭ ‬البيئة

الإعلامية‭ ‬والناشطة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬زينب‭ ‬الكعبي،‭ ‬تكشف‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬‮«‬المنظمات‭ ‬المجتمعية‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬وسيلة‭ ‬للثراء،‭ ‬واقتناء‭ ‬عقارات‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬محدده‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬أحزاب‭ ‬وجهات‭ ‬وحتى‭ ‬سفارات‮»‬‭.‬

تؤكد‭ ‬الكعبي‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬‮«‬المنظمات‭ ‬الحقيقية‭ ‬والصادقة‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها‭ ‬حيتان‭ ‬المنظمات‭ ‬الممولة‭ ‬ماليا‮»‬‭.‬

حقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع

الكاتبة‭ ‬والناشطة‭ ‬نهلة‭ ‬الدراجي‭ ‬تقول‭ ‬لـ‭ ‬الزمان‭ ‬ان‭ ‬‮«‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬العام‭ ‬2003،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لأصوات‭ ‬تمثل‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬لكن‭ ‬النتائج‭ ‬الملحوظة‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬العملي‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بسبب

التحديات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية،‭ ‬والفساد‭ ‬الواسع‭ ‬النطاق‭ ‬والتدخل‭ ‬السياسي،‭ ‬وتحديات‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬التمويل‭ ‬المستدام،‭ ‬وضعف‭ ‬الإدارة‭ ‬والتنظيم‮»‬،‭ ‬داعية‭ ‬الى‭ ‬‮«‬تعزيز‭ ‬الشفافية‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وكذلك‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬التدريب‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬لأعضاء‭ ‬المنظمات‭ ‬المدنية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬والتنظيم‭ ‬والتخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والمهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬البرامج‭ ‬والمشاريع‭ ‬بفعالية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬التدخلات‭ ‬السياسية،‭ ‬وضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬ونقص‭ ‬التمويل،‭ ‬وقلة‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬والفساد‭ ‬والتحيز‭ ‬الطائفي،‭ ‬عاملا‭ ‬مؤثرا،‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬بالإمكان‭ ‬التقدم‭ ‬بخطوات‭ ‬جدية‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬المنظمات‭ ‬المدنية‭ ‬وتكثيف‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬توعية‭ ‬المجتمع‭ ‬بأهمية‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬وتأثيرها‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البلاد‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬يظل‭ ‬الأمل‭ ‬قائمًا‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تأُسست‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وإذا‭ ‬تمكنت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬التحديات‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكات،‭ ‬فإنها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتطوير‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

مشاركة