إيران و تركيا وبينهما العراق بعد 1958 – عبدالله عباس

خواطر عن ما يحدث الآن ( 5)

إيران و تركيا وبينهما العراق بعد 1958 – عبدالله عباس

اذكر قرائي الكرام بتحليلي المتواضع للانقلاب العسكري الذي حدث في تموز1958  قلت فيه  (.. ان التغيير الذي حصل في العراق في 14 تموز 1958 كان له نتائج سلبية حادة بعكس تصورات كل المتابعين لشأن العراق وأن ماحدث كان إنقلاباً ادى الى فتح كل الجروح التي بدأت تنزف منذ ذلك اليوم والى ان زاد عمق هذه الجراحات بعملية الإحتلال الامريكي الغادر ..) أن ذلك  التغيير كان كل شيء فيه سيء ولم تكن ثورة لانقاذ او استمرار بناء العراق كما كان ولايزال يتمناه العراقيون لانه اسقط كل مستلزمات الدولة من اساسها ولم تعد اي جهة تهتم باعادة بنائها بل دخلت كل الاطراف في صراع السلطة .

دولة مؤسسات

ومنذ ذلك الانقلاب الدموي لم يعد العراق دولة مؤسسات ولا دستور ‘ حيث لم يمر عام على الانقلاب ‘ دخل العسكر في الصراع و الاحزاب في القتال فكان ناتج ذلك السحل و الاعدام علنا على اعمدة الكهرباء في كركوك و الموصل عدا بغداد وبذلك فتح باب فقدان الثقة بين كل مكونات المجتمع العراقي رغم ادعاء كل الاحزاب بعكس ذلك في ادبياتهم ونشر الكذب والنفاق بالاضافة الى توجههم الخطير : بدأ يبحث كل طرف عن ( ظل ) له خارج الارادة الوطنية و اشد هذا التوجه الخطير عندما تصرف النظام مابعد انقلاب 17 تموز بعنجهية مع كل الاطراف من مكونات الشعب العراقي بحيث قدم بعض اطرافهم الى اعداء العراق التأريخيين على طبق من ذهب كما يقول المثل ‘ ألى ان وصل الحال ‘‘ أن اطراف المعارضة ( تحت عنوان الوطنية …!!! ) وادعاء لانقاذ الشعب يعلن على الملأ التعاون مع الد اعداء العراق علنا وعلى روؤس الاشهاد بل ان بعضهم ايضا يطلب دون خجل تشديد الحصار الدولي على وطنهم رغم علمهم الاكيد ان الحصار كان يضر فقط بابناء الشعب العراقي دون النظام الى ان وصل انهيار القيم الوطنية بين بعض الاطراف لحد طلب بعضهم جعل يوم سقوط : ( وطنهم و دولتهم و مصير شعبهم ) يوما وطنيا وعطلة رسمية يحتفل به كل عام ‘ أن كل من له طمع في العراق : أرض وشعب و وجود اقليمي ودولي اصبحت له قناعة ان افتراس هذا الكيان عملية سهلة لان ظهور هذه المظاهر له معنى واضح وهو : إستحالة اعادة بناء دولة مؤسسات على المدى المنظور ‘ واصبح واضحا ان اطراف الصراع من اجل اخضاع العراق لاجنداتهم الاقليميون منهم  ( ايران وتركيا) والدوليون (الامريكيون  والغرب ) عرفوا وبالتفصيل هذا الانهيار الهائل في وضع العراقي ‘ شاركوا جميعا وكل واحد منهم بطريقته المنسجمة مع وجوده داخل الاطراف العراقية الذين اعتمد عليهم المحتل لاستلام السلطة بعد 9  نيسان 2003 حيث في ذلك التأريح كانت الصورة واضحة امامهم  ‘ أن عمق المشاكل والتخريب الذي اصاب جسد المعنى والمبادئ المواطنة في العراق تعقد بشكل خطير ‘ لم يبق في بقايا جدار البلد مكانا متين ممكن ان  يجعل الوطنيين العراقيين منطلقا ومسندا لاعادة بناء بلدهم  .

من هنا أن كل تلك الاطراف الذين اخذ مكانهم حسب تقسيم المحاصصة ‘  فرحوا ورحبوا بوضع  دستور (العقدة ‘  لابتلاء البلد بالعقد ) حيث وبأعترافهم هناك في هذا الدستور وفي كل فقراته منفذ لتخريب السلم الاجتماعي اولاً وكلف لتنفيذه   تشكيلة (سلطوية ) ليس لاكبرهم اي ارضيه تاريخية واجتماعية يعتمد عليهم لتحقيق بناء دولة مؤسسات .

صور الاحداث

نتذكر هذه اللقطات من صور الاحداث التي اوصلت العراق الى هذا الحال الان لنتوقف عند الحديث عن ما يقال عن اطماع الجارين للعراق ايران وتركيا كما يقوم بتضخيمه بعض الاطراف وبشكل مدروس ودقيق يشرف عليه  مصادر القرار والاعلام الامريكي خصوصا والغرب عموما وايضا بعض الاطراف داخل العراق من الذين ارتباطهم باجندات الاقليمية معروفة‘ ان اشراف او تشجيع هذا التوجه من قبل الادارة الامريكية جزء من حجة فرض ارادتها على مستقبل العراق .ولكن بنظرة ودراسة دقيقة وموضوعية ‘ تتضح لدينا صورة ‘ أن اثارة الخطر الايراني والتركي على العراق ‘ تحصيل حاصل مرتبط اولا بحال العراق الداخلي الذي تتطرقنا اليه ببعض التفصيل منذ الانقلاب القاسمي الى يوم الاحتلال الامريكي ‘ ان هذه الحاله تتطابق مع اجابة شاه ايران اواسط الستينات لسؤال الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل عندما قال للشاه : أنك تتدخل في شؤون العراق الداخلية وتساعد الكرد بالسلاح لمحاربة الدولة العراقية ‘ اجاب الشاه بما معناه : انا لم اتدخل بالشأن العراقي انما العراق فتح الباب لي عندما رفع السلاح ضدهم واجبرهم للجوء الينا . والان يقال الكثير عن طموح ايران في العراق وكذلك طموح الاتراك ‘ يتهمون ايران بأنها تشارك امريكا في احتلال العراق وهي التي تروج للطائفية و لتركيا قاعدة عسكرية في شمال الموصل وكذلك لها الدور في منافسة ايران في الصراع الطائفي بل تحلم بعض الاتجاهات التركية باحتلال ولاية الموصل ….!! عندما نراجع تاريخ علاقة العراق مع الجارين ‘ بعد استقرار البلدان الثلاثة منذ اواسط الثلاثينات القرن الماضي ‘ حيث استقرت في كل بلد مؤسسات الدولة الحقيقية ‘ نلاحظ وجود جهود البلدان الثلاثة لتهيئة ارضية للعلاقات الطبيعية من خلال مؤسسات دستورية بينهم ‘ ويظهر من خلال هذه المراجعة ان الغرب ايضا كان يشجع توجه البلدان الثلاثة ليلعبوا ضمن تحالف اقليمي لضمان استقرار المنطقة ألى أن تتوج الجهود باعلان تأسيس حلف (بغداد ) ‘  فكان احد اهم الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، حيث تم إنشاؤه عام 1955  للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة من العراق وتركيا وإيران وباكستان فكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة فكرة إنشاء هذا الحلف حيث وعدت بتقديم العون الاقتصادي والعسكري للأعضاء، ولكنها لم تشارك فيه بشكل مباشر وإنما وكلت بريطانيا بالقيام به .ففي تلك الحقبة من تاريخ العلاقة بين العراق و الجارين تركيا وإيران ولانه كان كل بلد يحكمها مؤسسات الدولة والقانون و الدستور ( بغض النظر عن الوضع الداخلي في العلاقة بين ارادة شعوب تلك الدول والسلطات الحاكمة ) لم يسجل تاريخ تلك العلاقات اي توتر واشارات خطر بعضهم على بعض يدل على تهديد كياناتهم المستقلة او البحث الى طرف من اطراف تلك الدول لخلق مشاكل للاخر .منذ ذلك التاريخ  وحتى الان ‘ لم تتغير الحدود الرسمية بين العراق وتركيا وايران ‘ ولم يتغير تكوين شعوبهم القومي والمذهبي فيهم ‘ ولكن  الان وبعد اسقاط العراق الدولة والمؤسسات التى بدأت بخطوات وليس كلها من صنيعة الامبريالية  والعدوانيين الغربيين‘ اوكما يقول المثل : إذا حارس الدار مفتح الذهن والعين ‘ من المستحيل يدخل الحرامي ‘ أن ما أوصل العراق الى هذا اليوم ‘ كان بسبب غباء من ادعى حرية للشعب العراقي منذ الانقلاب العسكري الدموي في 1958 دون ان يكون لهم  برنامج وخطة لتحقيق ماوعدوا به الشعب من خلال خطبهم النارية وبياناتهم السطحية لم يؤد الا الى فتح الجروح ‘ والتجربة أثبتت انه ليس فقط العسكرماكان  لديهم برنامج ‘ بل الاحزاب ايضا لم يكونوا مهيئين لاي عمل بناء بل ان اقصى يسارهم الى اقصى اليمين كانوا يراهنون على العسكر. والمشهد الان نسمع اوردوغان يعد نفسه وريث السلطنة العثمانية وهو يطارد الكرد في بلده وينظم برامج اقتصادية واجتماعية لتطوير طموح كرد العراق ‘ ونسمع اصواتا من ايران بنفس التوجه ‘ و الخطورة ان لكلا الجهتين في العراق توجه طموحهم لاخذ حصة من العراق الجريح واضح للعيان ‘ من يقرأ تاريخ العلاقة بين تركيا وإيران، سيقف على صراعٍ دامٍ وطويل لفرض النفوذ على المنطقة من بوابة العراق . ولعل أهم تلك الصراعات، جاء بعد معركة (جالديران عام 1514) التي رسمت الحدود الجغرافية بين الدولتين، لتأتي بعدها سلسلة الحروب والصراعات السياسية والاجتماعية التي نشبت بينهم  بين (1636-1623) من أجل السيطرة على بلاد مابين النهرين (العراق)، والتي انتهت أخيراً بانتصار العثمانيين، حيث ضمت الإمبراطورية العثمانية، (العراق) منذ ذلك الحين إليها، حتى فقدته في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

حرب باردة

نعود ونقول بغض النظر عن نوعية علاقة سلطات الدول الثلاث مع شعوبهم ونوع علاقاتهم الاقليمية والدولية ودورهم في الحرب الباردة كانت سائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ‘ انه ولوجود دولة المؤسسات في الدول الثلاث وانسجامهم مع الاستقرار الاقليمي والدولي ‘ كان توجههم لمستقبل العلاقات ادى الى غلق صفحات الماضي تلك مع محيطهم الاقليمي ‘ ولكن الذي ادى الى فتح كل جروح وكراهية التاريخ وايقظ حلم الهيمنة الاقليمية ‘ بدأ منذ اسقاط دولة المؤسسات في العراق بيد مجموعة من العسكر كما وصفهم احد السياسيين ( كان يقودهم اثنان ‘ احدهم مجنون والثاني متهور ) و بعد احتلال العراق ورغم ادعاء المحتل بانه يعمل لتاسيس دولة المؤسسات في العراق ‘ ولانه بدأ خطواته باخطاء قاتلة لم ير العراق من ذلك التغيير غير الخراب ‘ والى ان ياتي يوم ترجع للعراق ارادته العراقية الوطنية سيبقى الحال كما هو  عليه ‘ ويزداد العزف على الوتر : ( ماكان العراق دولة ‘‘ بل صنعها الانكليز ‘‘ ) كأن الكيانات الاخرى الموجودة في العالم كلها امتداد الامبراطورية الفرعونية في مصر بما فيها الولايات المتحدة الامريكية التى اصبحت من لاشيء تحكم العالم ….!!

مشاركة