إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
اذكر انني عندما كنت صغيرة كانت بعض المفاهيم عندي مختلفة عن ما هي الان فقد اصبحت اختبر مواقف في الحياة جعلتني اكتسب نظرة شمولية اكثر، ومعان وسلوكيات حياتية مختلفة. فمصطلح (فوارق اجتماعية) على سبيل المثال كانت تعني لي (فوارق مادية طبقية) على قدر فهمي للأمور حينها اما الان فقد تعلمت ، وفهمت جيدا، ان لهذا المصطلح معان كثيرة قد تكون ظاهرية او مخفية تختلف من حاللآخر لكن الذي يهمني على وجه الخصوص هو الفوارق الاخلاقية والسلوكية ،التي بدأت المسها بعد دخول اولادي المدرسة . اول ما بدأت اشهده من تصرفات اولادي هو انهم يجادلونني عند نصحي لهم (هو جدال لا نقاش) وكأنهم بدخولهم المدرسة قد اصبحوا كبارا، كلٌ برأيه هذا بالإضافة الى نبرة الحدة في الحديث والعنف الذي كاد يطغى على سلوكهم وتعاملهم فيما بينهم وحتى مع زملائهم في المدرسة .زادت الصراعات والنزاعات بينهم في البيت ، ولكوننا نحن الكبار نتعرض لضغوطات كثيرة اصبح تعاملي معهم (وللأسف) لفض هذه الصراعات متمثلا بالصوت العالي وصيغة الأمر لكنني بعد حين ادركت ان الجلوس معهم والتحدث اليهم باسلوب بسيط يصل لمستواهم الفكري ،كل حسب عمره طبعا، هو انسب واسهل طريق للتصالح والتعامل السلمي بينهم هذا بالإضافة الى ان لكل منهم مدخلا خاصا لإيصال الفكرة الصحيحة والسلوك السليم الى عقليته، الا انني في بعض الاحيان اصل الى خيوط متشابكة لا اجد طريقة لحلها .حيث اخذت اتبع في تربية ابنائي اسلوب المكافاة،فعلى سبيل المثال، عند بدء العام الدراس ينعقد اجتماعا عائليا نتفق فيه على الهدايا التي يريدونها في حال حصولهم على درجات عالية طوال السنة .هذا يريد دراجة هوائية(انا ضد الدراجات النارية) والاخر يريد جهاز هاتف حديث وتلك تريد حاسوبا خاصاً بها وهكذا،لكن هنالك اوقات معينة خاصة عندما يصيبهم الملل من الدراسة يسألونني فيها عن امكانية تقديم موعد شراء الهدايا فاذكرهم بالاتفاق الذي بيننا فيبدأ الجدال : يا امي، هذا جارنا (فلان) تعرفينه اكيد هو معي في المدرسة مستواه الدراسي ضعيف جدا يقضي نهاره في اللعب في الشارع ومؤذ وبالرغم من ذلك اشترى له ابوه دراجة اضافة الى جهاز الحاسوب وخط الانترنت . في هكذا مواقف ، الجأ الى الصمت احيانا،اوالى تغيير مجرى الحديث احيانا اخرى فمن خلال تجربتي معهم ادركت ان عقولهم الصغيرة لا تدرك ما فيه مصلحتهم ولا يبصرون ما هو الافضل لهم بل ما يريدون وحسب مهما قلت وشرحت وفسرت ، وبذات الوقت استعجب في داخلي، من جهة يقوم الاهل بشراء هكذا اشياء تلهي ابناءهم ومن جهةاخرى يشكون من ضعف مستواهم الدراسي ! اضف الى ذلك، هناك عبارات قد تكون بسيطة وصغيرة ولا يبالى بها الكثير منا في وقتنا الحاضر لكنني احب استخدامها في تعاملي سواء في البيت او الخارج مثلا كلمة (شكرا لك) فعلى الرغم من بساطتها وسهولة نطقها الا ان لها تأثيرا سحريا على الشخص المقابل وعبارة (من فضلك ، وهل تسمح) اكاد اجزم انني لم اعد اسمعها ممن حولي . وعلى ذكر كلمة الشكر ، زارتني زميلة لي في بيتي وحدث ان ناولني زوجي غرضا فشكرته فضحكت لظنها انني اقول” شكرا ” مزاحاً فسألتها وانا مبتسمة : لمَ الضحك؟
فأجابتني : أكنت جادة في شكرك ام تمزحين ؟ انه زوجك هل بين الزوج وزوجته رسميات فأجبتها : ومن قال انها رسميات بل هي احترامات فلابد من وجود الاحترام ثم ان اولادي عندما يلاحظون هكذا احترام بين امهم وابيهم سيتعلمون احترامنا ايضا .
اذاً ، بعد كل هذا وذاك ، نتوصل الى ان الاختلاف في السلوك والتعامل يتداخل مع ما يسمى بـ(الفروقات الاجتماعية) وليست هذه الجملة خاصة بالمستوى المادي او الدراسي فقط ولابد ايضا ان نركز على دور الاسرة في تحديد سلوك الفرد فهو يعكس البيئة التي تكوّن فيها وخرج منها فالأخلاق شيء مكتسب، كما وارجو ان نركز في اختياراتنا للأشخاص سواء كصديق ام زوج ام شريك على الناحية الاخلاقية بوجه الخصوص وتفضيلها على المادية على عكس ما يحدث في زماننا هذا. ولاننسى المثل القائل ” قل لي من هو صديقك، أقول لك من أنت”
زينة عبد القادر منصور – بغداد