إنقطاع الأربعين – علي ستار الربيعاوي

 

إنقطاع الأربعين –

في كل عام، يشهد العراق حدثاً استثنائياً يفوق الوصف، حيث تتدفق الملايين من مختلف المدن والبلدان صوب كربلاء المقدسة، في أضخم تجمع بشري سلمي على وجه الأرض. هذه المسيرة ليست مجرد تقليد ديني، بل هي انقطاع إرادي عن صخب الحياة اليومية، وتحرر مؤقت من التزامات العمل والمسؤوليات الاجتماعية، ليتفرغ القلب والجسد معاً لأداء زيارة الأربعين وخدمة الزائرين.في أيام الأربعين، تتبدل الموازين، وتتراجع المصالح الشخصية إلى الصفوف الخلفية، لتتقدم قيم الإيثار والبذل والعطاء. هنا، لا فرق بين غني وفقير، أو متعلم وبسيط، فالكل يسير على نهج واحد: خدمة قضية الإمام الحسين عليه السلام، وتجسيد القيم التي ضحّى من أجلها.إن إحياء شعائر الله في هذه المناسبة لا يقتصر على الجانب التعبدي، بل يمتد ليكون فعلاً حضارياً يعزز الهوية، ويرسخ روح التضامن المجتمعي، ويعيد وصل الأجيال بتاريخها وقيمها العليا. فالشعائر، كما يراها المؤمنون، ليست مجرد ذكرى تُستحضر، بل مدرسة متجددة تُخرج أجيالاً تعرف معنى التضحية والعدالة والكرامة.ومن هنا، يصبح “انقطاع الأربعين” محطة سنوية لتجديد العهد مع المبادئ، وفرصة لإعادة ترتيب سلم الأولويات، حيث يتحول التعب إلى شرف، والزمن إلى بركة، والخدمة إلى عبادة. وفي قلب هذا المشهد، يولد المعنى الأعمق: أن القيم العظيمة لا تموت، ما دام هناك من يحييها بالفعل قبل القول.

□ محام

مشاركة