إنعدام الطبقة الوسطى ينذر بإنهيار إقتصادي – صلاح الربيعي
يُعَد وجود طبقة إجتماعية وسطى مؤشراً إيجابياً مهماً لصحة أي إقتصاد في العالم كونها تمثل صمّام الأمان والاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد ومحركاً فاعلاً لسوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء وقد شهد العراق في العقدين الاخيرين تراجعاً كبيراً بمستوى تأثير هذه الطبقة وبشكل حاد حتى كادت تختفي بين طبقتين الأولى هي القلة الميسورةً والمُتخَمَة بعد تراكم ثرواتها عبر النفوذ والاحتكار وبين غالبية واسعة لطبقة تعيش على حافة الفقر والعوز المادي أو ضمن مستوياته المختلفة
وتعود تلك الأسباب إلى عدة عوامل أبرزها الفساد المالي والإداري الذي ابتلع الموارد العامة وحوّل الاقتصاد إلى شبكة مصالح مغلقة تقتصر على المتنفذين في السلطة فقط إضافة إلى الاعتماد شبه الكامل على الايرادات النفطية مما جعل الدخل مرتبطاً بتقلبات أسعار السوق العالمية التي لايمكن التنبؤ بها مهما كانت الخبرة الاقتصادية والمالية والتجارية عالية كما ساهمت البطالة وضعف القطاع الخاص في حرمان الناس من فرص عمل مستقرة وآمنه ودخل مستدام كما أدت الأزمات السياسية المتكررة إلى قتل بيئة الاستثمار وتهجير الكفاءات التي كانت تشكل جوهر الطبقة الوسطى في سوق العمل
وقد ترك الانكماش في حركة الأسواق المحلية آثاراً سلبية كون الطبقة الوسطى هي الفاعلة به ولذلك تراجع الطلب المحلي في ميدان السوق والتجارة وتدهورت جودة التعليم والصحة والخدمات العامة وازدادت الهجرة الى الخارج وارتفعت معدلات الاحتقان الاجتماعي بسبب الفوارق الطبقية العالية بين المجتمع وبغياب الطبقة الوسطى فقد العراق قوة التوازن التي تضبط حتى الإيقاع السياسي وتدفع نحو الإصلاح وان العمل على إحياء الطبقة الوسطى يتطلب رؤية اقتصادية حقيقية جادة مع التنويع بمصادر الدخل من خلال تمكين القطاع الخاص في خلق فرص عمل منتجة في القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية وكذلك إصلاح النظام الضريبي بما يتناسب ومستوى دخل الفرد العراقي وحماية رواتب الموظفين والمتقاعدين من تأثير الهزات السياسية والتضخم مع مراعاة غلاء المعيشة وذلك بتأمين زيادات في الرواتب كل عام وكما هو معمول به في كل الدول بالمنطقة والعالم وبدون وجود طبقة وسطى قوية مؤثرة في الاسواق وميادين العمل والمال والاقتصاد سيبقى الاصلاح السياسي أو الاقتصادي المزعومين مجرد إستهلاك إعلامي واحلام معلّقة في الهواء .
