إنتظار على مصاطب المرض – نصوص – نجاة معلة
أطفأ سيجارته بالأرض سحقها بحذائه المتعب ,ليعود فيشعل الثانية وهو يهم بدخول الغرفة ذات الباب الزجاجي دفع الباب بجسده الضخم بَحلقَ بالجالسين كأنه يقرأ ملامحهم البائسة , أندفع بكل ثقله أمام طاولة يجلس عليها سكرتير الطبيب الذي لم ينتبه له فقد كان منشغلاً بمكالمة خاصة ومستمتعاً بضحكات عالية متناسياً المكان والجالسين من المرضى , عاد أحمد يسأل بلهجته الحادة عن دوره بالكشف متى يحين , لم يتلق أجابة إستدار وهو يهز يده مستهزأ يبحث عن كرسي فارغ يجلس عليه حشر جسده بين أثنين على كرسي متهالك منخور ودخان سيجارته الكثيف لازال يتحدى اللافته المعلقة في مدخل الغرفة “ممنوع التدخين”..
تحسس لحيته الكثة ووجهه الذي يسح العرق منه بغزاره .
رن جرس غرفة الطبيب نهض السكرتير مسرعاً لينادي على أحد الجالسين بالدخول , دخل المريض وأثنين يرافقونه , وأحمد لازال يرمق الوجوه بنظرات خاطفة , أذهله منظر الرجال والنساء الذين تتصبب أجسادهم الهزيلة عرق ويأكل زمنهم الصبر والأنتظار على مصاطب المرض والقهر والقلق ..مترعة قلوبهم غضب , تنكوي بسياط القدر اللاهبة , متورمة عروقهم من مقارعة الدنيا تحت لظى هموم جمة , لبث في مكانه صامتاً ومتثائباً..أنبهر وهو يقرأ سعر الكشف 40 ألف دينار..”ياللهول “ماهذا الجشع على حساب هذه الناس البسيطة , ماهذا الزمن الخرب . جمع وطرح عدد المرضى وعدد ساعات التي يجلس فيها الطبيب ودخله في اليوم..أذهلة الرقم , أندمج بحوار مع شخص يجلس بجانبه عن أمكانات الطبيب العلمية هل يستحق هذا المبلغ الكبير لفحص قد يستغرق دقائق معدودة , هز رأسه ممتعضاً وأردف يقول حرام أن يمارس البعض إستغلالنا بهكذا طرق يتاجرون بآلامنا في هذا الوقت العصيب الذي يمر به البلد ..نحن نغضب الله دون أن ندري ..كيف إذاَ نطلب منه الرحمة , أمراه محبطه يكتسح وجهها شحوب وإصفرار جلست قبالته شاطرته الحوار بلغة ممتلئة منغصات وألم ..أمراه أخرى كبيرة السن تطويها موجة من الحزن متشحه بسواد أستغفرت الله وهي ترى الآتي مخيف ..شعر بإنقباض صدره كأنه يغرق في بحر دون لاقرار ..أنتبه على صوت الجرس وأعقبه صوت السكرتير ينادي “أحمد” حان دورك .أبتسم وهو يهضم غيضه ويداري ألمه لعله يجد الخلاص منه في هذه الغرفة التي يروم دخولها الآن , على يد الطبيب السحري الذي أوشكت عيادته بالأمتلاء ..معظم المرضى جاء من مناطق بعيدة كأن لاطبيب غيره في هذه المدينة الكبيرة التي ترتعد فرائصها من موت يمتشق سيفه كل حين يجز الوجدان ويملأ الجدران حكايات قصص وهوامش .


















