إلى من يهمه الأمر
تحقيق مطامحنا
بينما أنا واقفٌ بجانبِ قسم التسجيل, في تلكَ الجامعة التي أمضيت فيها أربع سنواتً دراسية وتخرجتُ فيها, يسألني الموظف عن الجهة التي تريد عنونة تأييد التخرج اليها, لوهلة بقيت صامتاً, فأنا لا أعرف الى أين أعنونه, ولا أعلم أيضاً لما أتيت لاستحصال تأييد, كان كل ما أعرفه أنك لا تستطيع التقديم لأي وظيفة بلا هذا التأييد, الذي يثبت أنك تخرجت بعد أربع سنوات جامعية وتملك شهادة البكالوريوس, ولك حق التعيين, والغريب أيضاً في هذا الأمر أنني أستغرقت ثلاثة أيام لاستحصال ذلك التأييد, الى ان جاء يرقد بجانب سريري, فلا محل له من التعيينات, ففي بلدي لا توجد أهمية للخريج, لدرجة أن البعض يلاطفه ببعض الكلمات البسيطة, بأنه لما تخرج وأين سيذهب, ولو بقي طالباً كان أفضل له بكثير .
الى من يهمه الأمر, ومن برأيكم يهمه الأمر؟
من المسؤول عما نريد, ومن المسؤول عن تحقيق مطامحنا, صرنا لا نعرف كثيراً, أين نحن من أين, ولماذا نصل بالطمع للحد الذي نطالب به عن حقوقنا, فكل ما أعرفه أننا يجب أن نقتنع باللاشيء حتى وأن كان لاشيء, الى من يهمه الامر في أنتشال ذلك الفقر الذي يسكن ذلك الرصيف, الى من يهمه الامر في تعويض الايتام عما فقدوا, الى من يهمه الامر في وضع أبتسامة على ذلك المريض الذي لا يملكُ تكاليف علاجه, الى من يهمه الأمر في بناء مسكنً لتلك العائلة التي تجلس خلف قارعة الطريق, الى من يهمه الامر في بناء مدارسٍ كافية لطلابِ المستقبل الذين بدأوا يدرسون على الأرض, في مدارس تحتضن أكثر من طاقتها كطلاب وكدوام صباحي ومسائي, الى من لا يهمه الامر, لأن صاحب الأمر لا يهم وجوده من عدمه . في كل بلدان العالم, هناك حكومةُ تتبنى كل أحتياجات مواطنيها, فلا يوجد عنوان يحتاج الى من يهمه الامر, لأن حتى أبسط الامور غير المادية مهمة لديهم, دون أن تذكرهم بذلك, فحق الانسانية لديهم يحتم عليهم حفظ حقوق المواطن, وحق عيشه كأنسان بحقوقً كاملة, أذا كانت الحكومة غير معنية بالأمر, ولا تلبي أحتياجاتنا, ولا تداوي جراحنا, فمن المعني أذن بالأمر, ومن صاحبُ الخدمةِ الفعلية والمسؤول عن تقديمها, يبقى السوأل مطروحاً على طاولةِ الفخامة لصاحب العناية بالأمر, على امل أن نرى التفاتةً فعلية أو شبه ذلك, ورداً متواضعاً لمطالبنا, حتى وأن كان تحقيق بعضها, أن لم يكن الوعد بذلك جائزاً …
الرصيف, هو عبارة عن مساحة صغيرة مخصصة لمرور المشاة, وعادة ما تكون مفصولة عن الطريق المخصص لسير المركبات, تفادياً للحوادث, وذلك إما برفعها عن الطريق, وإما بوضع حواجز تمنع اقتحام المركبات
هذه المنطقة.
يحدث أن تلك الأرصفة التي كانت مخصصة لسير المشاة, تحولت اليوم لتكون ملاذاً لمحلاتً وأكشاك صغيرة, ترقد على جوانب ذلك الرصيف, الذي في كل أنحاء العالم يكون مخصص للمشاة, الأ أنه في العراق يكون مخصصا للأعمال التجارية, والجدير بالذكر أنه ملكٌ عام لا لشخصً واحد دون أخر, ويعتبر من الخطوط الحمر التي يمنع تجاوزها, لانها تمثل تجاوزاً على حقوق المواطنِ, الذي يجد بتلك المساحةِ الصغيرة أماناً من حوادث السيارات, مبتعداً عنها على أمل أن تكون تلك المساحة امنة بما يكفي, لتحميه وتحافظ على سلامته, أو على الأقل يجد بقعة يستطيع السير عليها, بتقدير لحقوقه كمواطن لا أكثر, فالحقوق الأنسانية باتت تفتقد بين حين وأخر, الى أن نصل لمرحلة نقدس كل شيء وحقوقه الا الانسان, فعلى حسابهِ تنتزع الحقوق الاخرى.
شوارع العاصمةِ بغداد, باتت لا تخلو أرصفتها من التجاوزات العديدة, لدرجة أن الرصيف بدأ يختفي تدريجياً, فمن جهةً تجد المواطن متجاوزاً عليه بحجة أنه يريد كسب العيش عن طريق كشكٍ صغير أو (بسطية) بالمصطلح العامي, ومن جهة أخرى نجد أن أمام كل مطعم وكافتريا, وأمام كل كراجٍ أو مقهى أومعرضٍ للسيارات, أو أي مكانٍ أخر متجاوزاً على الشارع, عندما تسأله من سمح لكَ بتجاوز الملكية العامة, فيقول لك بكل برودٍ أنها مؤجرة من أمانة بغداد بمبلغ شهري كان أو سنوي, وما بين المواطنِ والأمانة, تضيع حقوقنا في ذلك الرصيف. طرفا المعادلة يجب أن يفقها أن المحيط أوسع من أن يكون حلقة مهمولة بينهما, فلا المواطن من حقهِ التجاوز, ولا الأمانة من حقها تأجيير الملكية العامة, فأذا كان الرصيف اليوم يؤجر؟ فماذا سنرى في الغد ؟
تجاوزات حكومية
يجب أن توضع حدودٍ وأسعة وشاسعة, تقف بالضد تجاه أي تجاوزات حكومية كانت أو مدنية, فالحق العام يبقى حق المواطنين جميعاً وليس ملكية فردية لأحد, والدولة أن وجدت فهي من واجبها تأمين حقوق المواطن والعمل على ارتقائها, وليس العمل على أنتزاعها دون أي شعوراً بالمسؤولية, وأن صمت الأمس يُبيح لهم سرقة اليوم, وأذا أستمر صمت اليوم لا نعتب على طرفً أذا رأينا ما لا يليق بنا في الغد .
لكل شخص سياسته الخاصة, كما أن لكل توجهٍ أو تيار أو حزب برنامج خاص بهِ, يتم رسمه وفق معطيات ومدخلات معينة, قد تكون معروفة مسبقاً, أو قد تكون مُبتذلة أو مشتقة لاحقاً من بعض المدخلات التي يعتقدها البعض انها أستثنائية التركيب, فيكون الاعتقاد سابقاً لاوانه, لما سيصطدم به لاحقاً من أحداث واقعية, مختلفةً جداً مع ما هو مرسوم مسبقاً, فأما أن تكون المعالجة ترتقي لمستوى أصلاح تلك السياسات, أو تكون كسابقتها, عمياء قبل أن ترى ريعان شبابها, فتذهب للكهول مباشرةً دون أية منجزات فعلية, وقد يكون الوقت فائتٌا جداً على لغة تعديل تلك السياسات, أو تغييرها بالمطلق, فالظهور الاول يبقى ملاصقاً صاحبهِ, لدرجة صعوبة تغييره أن لم يكن مستحيلاً.
سياسة القط, هي سياسةٌ مُبتذلة جداً, فكثرة القطط التي تجوب الشوارع, تجعل الالية التي تسري وفقها البرامج متشابهةٌ بعض الشيء, فالقطط تخشى لغة الأختلاط, وفي نفس الوقت لا تلتزم الصمت كثيراً, فدائماً ما تكون مكشوفة الاوراق, لأن صوتها يكون عالياً ومسبوقاً للحظة الأغتنام, فسواءً أغتمنت أو لم تغتنم, فصوتها كان دليلاً على فعلها المكشوف مسبقاً, فتكون معرضة كثيراً لردود الأفعال المعاكسة, وهذا ما يجعلها مفضوحةً بعض الشيء, في فلسفة التنازل في الحياة الواقعية, فأصحاب تلك الفلسفة لا تجد منهم سوى رفض الأخر أولاً, وصوتهم العالي السابق لأي عملية ثانياً, وترك الاثار السلبية من اللاشيء ثالثاً, وهذا ما يجعل تلك السياسة مُبتذلةً نوعاً ما, ومربكة البعض الأخر لما تحمله من أثار.
سياسة الأسد الهادئة, هي من أجرأ السياسات المعروفة, فهي تستطيع الانقضاض على الاحداث والسيطرة عليها, متى شاءت ذلك, ولكنها تظل تترقب اللحظة المناسب في ظل الهدوءِ والتخطيط الناجح, فأصحاب تلك السياسة قليلون جداً, لصعوبتها على الكثير, ودائماً ما تكون برامجهم أستثنائية, وتمتاز بالفكر العميق, فلا يتم طرح شيءً ألا لغرض السيطرة والهيمنة على الاوضاع بأريحية تامة ومطلقة, والجميل في الأمر أن الاسد لا يخرج صوتاً يدل على أقترابه من الغنيمة, ولكنه يبقى مخططاً ومراوغاً بهدوء, الى أن يصل اليها وينقض عليها بكل سهولة, وحينها لن تسمع صوتاً, سوى صوت الضحية, التي لم تستطع أدراك المغتنم لها, ألا حين أنقض عليها وكان الاوان قد فات كثيراً على ردود الافعال, هذهِ السياسة مغرية للكثير, ولكن القليل فقط من يجيدها, ويتربع على عرشها, فللغابةِ ملك واحد, وهو صاحب تلك السياسة العميقةِ والسيادة فيها. تبقى الفلسفة مجهولة, فما بين سياسةِ القط, وسياسةِ الأسد, توجد اعتباراتٌ أنتخابية, فقد تكثر الخطط في تحالفً فتجذب الكثير من السلطة وتنتصر على الاسد, وقد تتوحد الاسود فتنهي وجود القطط, وتبقى الابواب مفتوحة للعب دور الهمينة والأنفرادية في حالة تشظي بقية الاطراف.
حسين نعمة الكرعاوي – النجف