إقليم كردستان ومصر: الاستقرار  يتعزز بالمصالح المتبادلة- د فيان فاروق

د. فيان فاروق

اربيل

تأتي زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى القاهرة، واجتماعه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، فرصة تاريخية غاية في الأهمية، تشير إلى واقع سياسي من غير الممكن إغفاله أو غض الطرف عنه في منطقتنا: إذ لا سياسة مؤثرة في محيطها من دون استقرار أمني، ولا شراكات واقعية من دون الاعتراف المتبادل بالأهمية السياسية والاقتصادية والثقافية والشرعية والمصالح المتبادلة. التي ترتبط حقيقة بالاستقرار السياسي والأمني الذي يوفر فرص الحياة المستقرة والعيش بسلام.

 لم تكن الزيارة خطوة عابرة أو مصادفة حدثت بشكل عارض، بل تأصيل لواقع جديد واعد بين الإقليم وجمهورية مصر العربية، ورسالة سياسية صريحة، تؤكد أن إقليم كردستان يعمل على وفق الأطر الرسمية وبمنطق الدولة، كما يعرض أنموذجه في الادراك الواعي للصلة بين الأمن والتنمية والقرار السيادي.، وضرورات الانفتاح على المحيط العربي والدولي.

هذه اللحظة السياسية التاريخية لزيارة أحالتني إلى القاهرة، ولكن في مشهد مختلف من حيث الدلالة. ففي شهر أيلول، احين كنت مدعوة لمناسبة ثقافية رعتها مكتبة الإسكندرية ألا وهي معرض الأمير طلال بن عبد العزيز، في حدث تجاوز حدود الاحتفاء بسفر قامة إصلاحية، ليتحول المشهد إلى مساحة تفكير في معنى الدولة حين تستند إلى القيم، وفي الإصلاح عندما يتحول لفعل هادئ لا شعار صاخب. هناك، اجتمعت الثقافة بالسياسة من دون استعراض، وارتبطت الذاكرة العربية بسؤال المستقبل.

في ذلك المعرض، تحدثتُ عن لحظة شخصية وفكرية مفصلية. قلت بوضوح إن تعرّفي إلى الأمير طلال لم يبدأ من التاريخ أو الصور، بل من مقال كتبته عن مستشار مجلس أمن الإقليم السيد مسرور البارزاني آنذاك، الذي يشغل اليوم موقع رئاسة الوزراء. لم يكن المقال مديحاً سياسياً، بل قراءة في تجربة حكم جعلت الأمن شرط الكرامة لا أداة للتحكم أو وسيلة سيطرة، وغيرت خطاب الاستقرار من بلاغات رسمية إلى واقع حياتي في المجتمع.

فالأمن الذي ترسخ في الإقليم لم يأتِ بوساطة الهراوة الغليظة، بل عبر أمن الدولة المؤمنة بقدراتها أمن يدرك متى يتصرف بحزم، والتوقيت الملائم لفسح المجال العام بدلًا من أن يغلقه. ولهذا أنا شغوفة بهذه التجربة؛ لكونها لم تصون الحدود الجغرافية، بل اعتنت بالإنسان، واتاحت الفرصة للمجتمع بالتفكير وحرية التصرف الايجابي والاختلاف واحترام الآخر في مساحة آمنة من دون خوف.

وعلى هذا النحو، يصبح الربط بين زيارة القاهرة ومعرض الإسكندرية ربطاً سياسياً متسقًا وليس استعارة ثقافية. ويمكن السياسي التحدث بلغة أقل اضطرابًاً وأكثر قابلية للتآلف والملاءمة والانسجام، ويفتح الأبواب على مصاريعها أمام شراكات إقليمية قائمة على التقدير المتبادل.

فلقاء القاهرة أكد هذه الفلسفة بجلاء وشفافية: إذ إن الدول التي تستثمر في الاستقرار الحقيقي لا تنأى بنفسها، والاستقرار لا يعني حالة سكون، بل القدرة على اتخاذ القرار، وترسيخ العلاقات، ورعاية المصالح.