إطلالة جديدة على اوضاع سابقة
الصحافة والسلطة في عهد الجمهورية الاولى
قاسم المعمار
ضمن سلسلة المطبوعات الوثائقية التي حكمت العراق ما بعد 14 تموز عام 1958 من النظام الملكي الى الحكم الجمهوري يأتي اصدار لدكتور رعد جاسم الكعبي الاستاذ في كلية الاعلام/جامعة بغداد الموسوم بـ(الصحافة والسلطة في عهد عبد الكريم قاسم) مؤسس الجمهورية الاولى في البلد ..
حيث يشكل هذا الكتاب التخصصي الموسع في الدراسة التحليلية للمراسيم والقوانين التي عاشتها الاجهزة الاعلامية ومنها الصحافة المحلية بإصداراتها من الصحف والمجلات والنثريات والعمل النقابي للصحفيين وأوضاع الصحافة الحزبية والمستقلة والحقوق والواجبات للصحفي .
جرائم النشر
فيما كرست بعض المواد التشريعي القانونية في هذا العهد كما يصفها الدكتور الفاضل الكعبي تتعلق بجرائم النشر في ظل قانون العقوبات البغدادي ، وولوج الكاتب الآثار القانونية السابقة والسائد تنفيذها في العراق فيما يخص مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 1954 وقانون منع دخول وسائل الدعايات المضرة لسنة 1924 وقانون المطابع العثماني لعام1909
ثم يتطرق الباحث في هذا الجهد التوثيقي التحليلي الاعلامي الى البنية الرقابية للسلطة وآثار التدخلات لبعض الجهات في مسيرة العمل الصحفي في وضع سياسي سادهُ جو التأزم الحزبي والصراع السياسي المتأثر والمؤثر على الساحة العامة للوطن .. خاصةً اذا ما عرفنا وهذه حقيقة يُحسَب لها الحساب حينما يتغير نظام ملكي وراثي الى نوع من الجمهورية المفعمة بانواع الحريات والديمقراطية وانطلاق احزاب سياسية للعمل بعد ان كانت مكبلة في السجون والمعتقلات تعاني الكبت .. قد تبدأها وتشوبها حالات من التنافس والصراعات على استسلام القيادة في السلطة الحاكمة وهذا ما جرى في قمة الحكم بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف وانعكاس هذا الصراع الى مجابهات دموية بين القوى الشيوعية والقومية والديمقراطية والمستقلة راح ضحيتها الكثير من الشهداء وسادت اجواء الفوضى فيما اسهمت بعض هذه الوسائل الاعلامية في تأجيج المواقف المتشنجة ورفعت شعارات متطرفة ولا تبعية اقليمية وعالمية بعيدة عن حريصة وحماية وسلامة ووحدة الوطن ” العراق ” .. كل تيار سياسي له مغناه واهدافه وشعاراته الايديولوجية شبه المستحيلة في التطبيق والتنفيذ.. الانفعالات والعواطف المتأججة وقتياً قد تكون هي السبب السريع في هذا السقوط الكبير الذي وقعت فيه هذه القوى السياسية مما استثمرت السلطة الحاكمة التي مثلتها القيادة العسكرية للزعيم عبد الكريم قاسم للفترة من 14 تموز 1958 ولغاية 8 شباط 1963 في تحمل اعباء هذه المسؤولية الوطنية لتوحيد العراق ورصد الصفوف والتوجهات الجادة نحو الاستثمار الوطني للثروات المعدنية نفط وكبريت واسمدة واصدار القوانين والتشريعات التي تنظم الحياة الزراعية والاصلاح الزراعي والاستثمار الامثل للأرض واصلاحها وحماية منتوجها ، فيما شهد العراق تحولات في بنيته الاقتصادية واكمال مشاريع وزارة الاعمار في العهد الملكي اضافة الى نمو وتأسيس مشاريع انتاجية وصناعية وخدمية وثقافية جديدة..
بحق يُعد هذا الاصدار الموثق رسمياً بما حفلت به الانظمة التشريعية في حقول الاعلام والصحافة منها في تنظيم وترتيب عملاً وفق الاحكام القانونية التي جاءت بها ، رغم الملاحظات والآراء التي يحتفظ بها في التعديل والبرمجة .
ومن جيد المحاسن لقراءة هذا الكتاب ان يفتح بآية من القرآن الكريم لها معاني كبيرة ومؤثرة ودلالات واضحة البيان والصدقية اجاد الدكتور العزيز رعد في اختيارها قوله تعالى ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق) فيها الشيء الكبير من الحيادية والصدق في كل ما سيقدمه ويكتبه في هذا الاصدار البعيد عن حالات التطرفية والانشداد بل اعتماد مصادر رسمية وما نشرته الصحف والمجلات والنشريات الاعلامية المحلية وما تناولته الاقلام العراقية والعربية والدولية عبر صحفها ومؤلفاتها ومن مختلف التوجهات السياسية..
تطلعات الشعب
وهنا يقول الدكتور رعد الكعبي في هذا الكتاب ان الصحافة كعهدها كانت جزء من تطلعات شعب انتقل من نظام الى نظام اخر وكانت الصحافة معه تشد ازره وتنقل اختلافاته وتمنياته ومواقفه الوطنية وحتى انتكاساته وان هذا الكتاب يمثل فرصة لمعرفة الجوانب الخفية من تعامل السلطات القائمة آنذاك مع الصحافة باعتماد مجموعة كبيرة من ملفات وزارة الداخلية والامن والاستخبارات ومديريات الاعلام في محاولة منه لمعرفة الموقف الحقيقي لتعامل دوائر الدولة الجديدة مع العمل الصحفي وبالتالي الخروج بتقييم لمدى حرية الصحافة آنذاك .
حيث يأتي هذا الاصدار الذي ارخ فترة من تاريخ العراق اولاً والصحافة ثانياً وللمكتبة الاعلامية ثالثاً من شهادة استاذ اكاديمي حول حقيقة ما حصل لهذه الفترة التي تمتد لمدة خمس سنوات من عمر الجمهورية الاولى للعراق الحبيب ..
اقولها وانا اشد ازر الكثيرين من زملائنا واساتذتنا الاعلاميين همتهم العالية وبذل جهدهم الدؤوب المخلص للتوثيق والارشفة النوعية المتخصصة للأنظمة السياسية التي حكمت العراق بعين من الروح الوطنية الوثابة نحو تعميق وحدة الوطن والتسامح ونكران الذات والابتعاد عن جريمة الثأر والدمار وطي هذا الشبح الداكن ورسم صفحات امل وتفاؤل للبناء والتعمير وانشودة حضارة وطن اسوة بما نلمسه ونشاهده اليوم في بلاد الغربة ضائعين في الحياة والموت ..
بغداد يا بلد الرشيد
ومنارة المجد التليد
{ ترى هل اعتمد الكاتب الكريم المنهجية التوثيقية في انجازه هذا؟
– نعم جعلت هنالك اربعة انواع من تقييم القوانين تمثلت بما ياتي:
القوانين التي صدرت في العهد الملكي .
القوانين التي عُدِلًت .
القوانين التي شُرِعَت بعد الثورة .
القوانين التي الغيت .
وهنا يشير الباحث الى ان الدستور المؤقت الصادر بعد 14 تموز 1958 قد اشار الى ان الشعب مصدر السلطات في محاولة من السلطة الجديدة لمنح الشعب حقوقه الدستورية حيث اشارت المادة العاشرة منه الى حرية الصحافة التي نصت على ان حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون . ورغم ذلك الا انها لم تحدد اشكال معينة لذلك التعبير ولم تخصص بدقة حرة الصحافة رغم انها عبرت عنها بشكل اخر وربما بطريقة غير مباشــــــــــــرة .
اذن ياتي هذا المطبوع القيم لاستأذنا العزيز رعد الكعبي خطوة جديرة بالاحترام لذلك الجهد الاستيضاحي الارشيفي الموثق فائدته صدقية الالتقاط والنشر وموضوعية الاهمية السياسية لحقبة من تاريخ عراقنا في العهد الجديد لما بعد الخمسينيات من القرن الماضي ومعينا بحثيا للدارسين والمتابعين والكتاب … مفعمة هذه الاطلالة الجميلة في تصميمها وتنفيذها وتبويبها واخراجها التي اهداني اياها الدكتور رعد مثمنا وراجيا له كل التوفيق والتألق الاعلامي .. لخدمة عراقنا الغالي ..