إضاءات شكيب كاظم
عوّاد ناصر
شكيب كاظم كاتب دؤوب بلا إلحاح ومتنوع بلا تخبط وكاتب لا يفارقه ظله ظل القارئ.
كتابه إضاءات ونفثات ذاكرة الإنسان.. ذاكرة الثقافة إنما هو ذاكرته الحيّة، إنساناً ومثقفاً، وما المقالات التي ضمها كتابه سوى إحدى علامات ذلك الإنسان وذاكرته المثقفة، وجاءت اختياراته النقدية لتؤصل حالات وتواريخ وظواهر ثقافية عربية، منها ما هو موغل في القدم زيارة المعربي لبغداد مثابة مهمة في حياته وهو أول مقالات الكتاب، وما هو حديث، أو في حكم الحداثة هل كانت سوزان الفرنسية سعيدة في حياتها الزوجية مع طه حسين؟ وما بينهما أشّر الكاتب إلى كتب أدبية ومواقف لكتاب وشعراء عراقيين وعرب وأجانب، وهذا يكشف تنوع اهتماماته القرائية وحسن متابعته للثقافة الأدبية ووقوفه على منجزات إبداعية استوقفت ذاكرته أو أن ذاكرته استوقفتها ليعيد، أو يستعيد بعض مكوناتها، وهي بمجملها ممتعة ومثيرة للمعرفة وجديرة بالتنويه.
ثمة مفارقة لم يقصدها الكاتب وهي أنه افتتح كتابه بمقالة عن شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء المعري ليختتم كتابه عن الحياة الشخصية، الحديث عن زوجة أحد أبرز التنويريين الحداثيين العراب وهو طه حسين، أما اللافت في الأمر فهو أن كلا المعنيين بالبحث والاستعادة بصيران، فقدا نعمة البصر ليتمتعا بقوة البصيرة
البدء بالمعري والختام بطه حسين مصادفة، كما أظن، لهما دلالة غير مقصودة، أو لا واعية، كما يفضل السيكولوجيون، على ذوق نقدي وإخلاقي نظراً لما يمثله ضريرا الثقافة العربية من موقف ثقافي وشخصي من عصرهما، أو من عصر كل منهما، إذا شئتم الدقة، فالحياة الثقافية في بغداد التي عاش فيها المعري فترة قصيرة أثرت فيه وأثر فيها وعشق بغداد واعترف بفضل البغداديين عليه، هي غير الحياة المصرية، في قاهرة المعز، ودوران طه حسين كوكبها المظلم» المشرق في جنبات الثقافة واجتهاده البحثي والنقدي بين باريس والقاهرة، كتابة وتدريساً وبحثاُ وتأصيلاً لقيم روحية وأخلاقية أسهمت في إرساء الروح المدنية والتنويرية في المجتمع المصري إلى جانب أفذاذ آخرين مثل قاسم أمين وسلامة موسى وعلي عبدالرازق وغيرهم.
إن شكيب كاظم يعي غرض كتابته هذه المقالات المتنوعة ليجرّد لها عنواناً ناجحاً يختصر إرثاً ثقافياً عراقياً وعربياً عندما يجعل العنوان الثاني لكتابه كما نص ذاكرة الإنسان.. ذاكرة الثقافة فالإنسان ثقافة والثقافة إنسان، أولاً وأخيراً، ومن دون هذا الإنسان لا ثقافة ولا ذاكرة، كل منهما يحيا بالآخر ويتزود منه وبه، وهو القيمة الأعلى في الناتج والمؤمل، على أن الثقافة في المحصلة النهائية هي أمل بشري دائم بالحياة والتقدم.
تنوع المقالات، على أهميته، كما أشرت سلفاً، جعل من الكتاب، من ناحية ثانية، متفاوت النظر إلى ما هو منقود أو مبحوث أو مُراجع، وربما يضع الكاتب وكتابه أما سؤال المنهج النقدي الذي يتبعه الكاتب في رؤيته إلى موضوعاته الفكرية والشعرية والكتب والتجارب الأدبية التي تناولها، فمرة نراه يتقصى تجربة شعرية كلاسيكية عادية وأخرى نراه يكشف تجربة شعرية حديثة، أو أنه، مثلاً، يبدي إعجابه بشاعر لا يعدو كونه صاحب صنعة أخذته بعيدا عن الشعر لتموضعه في المديح السياسي، أو يضع مقالاً نقدياً عن آخر لا تخرج اشتغالاته عن التقليد الثابت، وأثق بأن شكيباً يدرك بحذقه النقدي ما رميت إليه من دون الدخول في التفاصيل أو ذكر الأسماء.
هذا، وربما غيره لم أذكره، لا يقلل من جهد هذا الكاتب المخلص وكتابه ولا يثبّط نشاط ذاكرة الإنسان فيه ولا ذاكرة الثقافة التي يحرسها بأمانة الكاتب المجتهد، ويبقى كتاب شكيب كاظم ممتعاً ومؤلفه صادقاً فيما أورد، ومن فضائل الثقافة أنها ميدان رحب للحوار والجدل والاختلاف.
/6/2012 Issue 4221 – Date 9 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4221 التاريخ 9»6»2012
AZP09