إشارات المرور..رمز عبور ألمانيا إلى الوحدة

برلين‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) –  ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬35‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين،‭ ‬أصبح‭ ‬الرجل‭ ‬ذو‭ ‬القبعة‭ ‬رمزا‭ ‬لوحدة‭ ‬ألمانيا،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬وضعيتَي‭ ‬السماح‭ ‬بالعبور‭ ‬ومنعه‭ ‬على‭ ‬إشارات‭ ‬المرور‭ ‬الضوئية‭ ‬للمشاة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬السابقة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬صامدة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭.‬

سواء‭ ‬أكان‭ ‬المُضاء‭ ‬أمبلمان‭ (‬اي‭ ‬رجل‭ ‬إشارة‭ ‬المرور‭) ‬الأخضر‭ ‬بوضعية‭ ‬المشي،‭ ‬أو‭ ‬الأحمر‭ ‬بذراعيه‭ ‬الممدودتين‭ ‬لتحذير‭ ‬المشاة،‭ ‬لا‭ ‬يمرّ‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬إشارات‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المدن‭ ‬الألمانية‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭. ‬فالواقع‭ ‬أن‭ ‬أمبلمان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬رموز‭ ‬نادرة‭ ‬لجمهورية‭ ‬ألمانيا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬تحوّلات‭ ‬كبيرة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬1989،‭ ‬وهو‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬تحتفل‭ ‬ألمانيا‭ ‬السبت‭ ‬بذكرى‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭.‬

واكتسبت‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ “‬شعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬رمزا‭ ‬لإعادة‭ ‬توحيد‭” ‬شطرّي‭ ‬المانيا‭ ‬الشرقي‭ ‬والغربي‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لاحظ‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬ماركوس‭ ‬هيكهاوزن‭ ‬الذي‭ ‬حوّل‭ ‬الرجل‭ ‬ذا‭ ‬القبّعة‭ ‬علامة‭ ‬تجارية‭ ‬مربحة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أمبلمان‭ ‬كاد‭ ‬ينهار‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬رأى‭ ‬النور‭ ‬فيها،‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬مصير‭ ‬مجمّعات‭ ‬المباني‭ ‬الرمادية‭ ‬التي‭ ‬أعيد‭ ‬طلاؤها‭ ‬بألوان‭ ‬زاهية،‭ ‬والمتاجر‭ ‬الحكومية‭ ‬الهزيلة‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬مكانها‭ ‬علامات‭ ‬تجارية‭ ‬غربية‭ ‬فاخرة،‭ ‬والسيارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬الملوثة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ “‬ترابانت‭” ‬التي‭ ‬أحيلت‭ ‬تدريجا‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬الخردة‭.‬

‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬فُكِّكَت‭ ‬الإشارات‭ ‬المرورية‭ ‬في‭ ‬التسعينات،‭ ‬وتُركت‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬الطرق،‭ ‬سارع‭ ‬ماركوس‭ ‬هيكهاوزن‭ ‬إلى‭ ‬جمعها‭ ‬وتحويلها‭ ‬مصابيح‭ ‬داخلية‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أطلق‭ ‬نداءً‭ ‬تناقلته‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬لإبقاء‭ ‬الرجل‭ ‬ذي‭ ‬القبعة‭ ‬على‭ ‬إشارات‭ ‬السير‭.‬

ولامست‭ ‬الحملة‭ ‬وترا‭ ‬حساسا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬الألمان‭ ‬الشرقيون‭ ‬يشعرون‭ ‬بأنهم‭ “‬يفقدون‭ ‬هويتهم‭” ‬مع‭ ‬اختفاء‭ ‬بيئتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬الرجل‭ ‬الستينيّ‭ ‬المتحدر‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬ألمانيا‭.‬

وأعيد‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬اعتماد‭ ‬أمبلمان‭ ‬تدريجا‭ ‬على‭ ‬إشارات‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفي‭ ‬برلين‭ ‬كلها،‭ ‬بشطريها‭. ‬وهو‭ ‬حاضر‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مدن‭ ‬غرب‭ ‬ألمانيا‭. ‬

وهذا‭ ‬الرمز‭ ‬الذي‭ ‬أدرجه‭ ‬في‭ ‬إشارات‭ ‬السير‭ ‬عام‭ ‬1961‭ “‬عالم‭ ‬نفس‭ ‬الحركة‭ ‬المرورية‭” ‬كارل‭ ‬بيغلاو،‭ ‬كان‭ ‬أصلا‭ ‬نجما‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭.‬

وقال‭ ‬تورستن‭ ‬فوسته‭ (‬53‭ ‬عاما‭) ‬المتحدر‭ ‬من‭ ‬غريفسفالد‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬ألمانيا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السابقة‭ ‬ويعيش‭ ‬راهنا‭ ‬في‭ ‬برلين‭: “‬لدي‭ ‬انطباع‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬حاضرا‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭”.‬

ورأى‭ ‬المصمم‭ ‬الرسومي‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬برلين‭ ‬فونس‭ ‬هيكمان‭ ‬أن‭ ‬التعلّق‭ ‬بهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬ألمانيا‭ ‬وغربها‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ “‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭” ‬مما‭ ‬يضفي‭ ‬عليه‭ ‬طابعا‭ ‬ظريفا‭.‬

ولاحظ‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ “‬الساق‭ ‬الخلفية‭ ‬كبيرة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬والأمامية‭ ‬قصيرة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬والشخصية‭ ‬ضخمة‭”‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬الإشارة‭ ‬الخضراء‭.‬

وأضاف‭ “‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬علامة‭ ‬حديثة‭ ‬جدا‭ ‬بمعنى‭ ‬النظرة‭ ‬الإيجابية‭ ‬إلى‭ ‬الجسم‭” ‬التي‭ ‬تحضّ‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الذات‭.‬

‭ ‬وتعمّد‭ ‬مبتكر‭ “‬الرجل‭ ‬ذي‭ ‬القبعة‭” ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شخصيته‭ ‬لطيفة‭ ‬وظاهرة‭ ‬بوضوح،‭ ‬بحيث‭ ‬تجذب‭ ‬انتباه‭ ‬المشاة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬أعداد‭ ‬حوادث‭ ‬الطرق‭ ‬تشهد‭ ‬تزايدا‭.‬

وقال‭ ‬فونس‭ ‬هيكمان‭: “‬أجد‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬السيارات‭”. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ “‬مشكلة‭ ‬مطروحة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭”.‬

وفي‭ ‬موازاة‭ ‬استمرار‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬الإشارات‭ ‬المرورية،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمبلمان‭ ‬ايضا‭ ‬عملا‭ ‬تجاريا،‭ ‬إذ‭ ‬منذ‭ ‬اعتماده‭ ‬مصباحا‭ ‬داخليا،‭ ‬اشتُقَّت‭ ‬منه‭ ‬منتجات‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬الأكواب‭ ‬إلى‭ ‬القمصان،‭ ‬ومن‭ ‬الدمى‭ ‬المحشوة‭ ‬إلى‭ ‬مفاتيح‭ ‬الـ‭”‬يو‭ ‬إس‭ ‬بي‭” ‬لأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭.‬

ولا‭ ‬يشعر‭ ‬الألماني‭ ‬الشرقي‭ ‬تورستن‭ ‬فوسته‭ ‬بأي‭ ‬انزعاج‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬ألماني‭ ‬غربي‭ ‬تجاريا‭ ‬هذا‭ ‬الرمز‭ ‬الألماني‭ ‬الشرقي،‭ ‬بل‭ ‬هنأه‭ ‬على‭ ‬هذه‭ “‬الفكرة‭ ‬الرائعة‭!”.‬

وأقنع‭ ‬ماركوس‭ ‬هيكهاوزن‭ ‬كارل‭ ‬بيغلاو‭ ‬باستخدام‭ ‬شخصيته‭ ‬والعمل‭ ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬2009‭. ‬واليوم،‭ ‬يدير‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬شركة‭ ‬يبلغ‭ ‬حجم‭ ‬مبيعاتها‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬ويعمل‭ ‬فيها‭ ‬نحو‭ ‬80‭ ‬موظفا،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أوضح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الأرباح‭ . ‬وباتت‭ ‬متاجر‭ ‬أمبلمان‭ ‬محطة‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬للسياح‭ ‬من‭ ‬المرور‭ ‬بها‭ ‬والتوقف‭ ‬عندها‭. ‬ولاحظت‭ ‬بترا،‭ ‬وهي‭ ‬امرأة‭ ‬أربعينية‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬إيسن‭ (‬غرب‭ ‬ألمانيا‭)‬،‭ ‬خلال‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المحال،‭ ‬أنها‭ ‬متاجر‭ “‬أنيقة‭”. ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬اشترت‭ “‬أكوابا‭ ‬صغيرة‭ ‬وشخصية‭ ‬مغنطيسية‭ ‬للثلاجة‭”.‬

أما‭ ‬سيلاس‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬سويسرا،‭ ‬فكان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬هدية‭ ‬لوالدته،‭ ‬وتردَّد‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬رزمة‭ ‬معكرونة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬رجل‭ ‬إشارة‭ ‬المرور‭ ‬بالألوان‭ ‬الثلاثة،‭ ‬الأحمر‭ ‬والأصفر‭ ‬والأخضر‭.‬

ورأى‭ ‬المراهق‭ ‬أن‭ ‬شخصية‭ ‬الرجل‭ ‬ذي‭ ‬القبعة‭ “‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬برلين‭”. ‬وأضاف‭ “‬تاريخيا،‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تتطور‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تكون‭ ‬رائعة‭”.‬

‭ ‬

مشاركة