إسلاميون وقوميون

إسلاميون وقوميون
إدريس جنداري
منذ ظهور التيار الإسلامي الحركي، في علاقة بتجربة الجماعة الإسلامية مع أبي الأعلى المودودي، بدأت تتشكل النواة الأولى للحركة الإسلامية في العالم العربي، وذلك مع تجربة جماعة الإخوان المسلمين التي قادها الشيخ حسن البنا. وقد تميزت هذه التجربة في علاقتها بالتيار النهضوي، بكونها حاولت نقل التجربة الفكرية التي أسس لها النهضويون إلى المجال السياسي، من خلال تدشين نضال سياسي من أجل بناء الدولة الإسلامية المنشودة.
خلال هذه المرحلة بالذات، كان العالم العربي يعرف تشكل تجربة فكرية»سياسية قومية، وذلك في علاقة بعوامل خارجية وأخرى داخلية، على المستوى الخارجي حضرت الدولة القومية في الغرب، كما حضرت التجربة الصهيونية، كنموذج للاقتداء في العالم العربي، أما على المستوى الداخلي فقد كان التفكير في فك الارتباط عن التبعية للإمبراطورية العثمانية ومواجهة سياسة التتريك التي مارسها العثمانيون في العالم العربي، كمحاولة منهم لإحياء تجربة الدولة العباسية، حينما تحكم الفرس في مفاتيح الحكم، ومارسوا عنفا رمزيا خطيرا على رموز الحضارة العربية تحت ما سمي بي الشعوبية .
لقد كان استحضار هذه الخلفية التاريخية ضروريا، لمحاولة توضيح سوء التفاهم القائم بين التيارين القومي والإسلامي في العالم العربي، ونحن نزعم أن سوء التفاهم هذا يعود بالأساس إلى بدايات التأسيس الأولى، حيث كان لكل تيار فكري»سياسي منطلقاته ورهاناته الخاصة، فإذا انتصر التيار الإسلامي لفكرة الجامعة الإسلامية التي طرحها التيار السلفي خلال مرحلة عصر النهضة، حيث يسبق الإسلام العروبة بدرجة، فإن التيار القومي كان يتجه لبلورة تجربة الدولة القومية، حيث تسبق العروبة الإسلام بدرجة، وهذا ما يؤكده زعيم إسلامي في المغرب بقوله ولاء العرب القوميين للغة التي نزل بها القرآن كولائنا للقرآن وقد تعمق سوء التفاهم هذا أكثر، حينما حضرت العلمانية بمفهومها الفرنسي»الأتاتوركي، كمنطلق إيديولوجي لتشكيل تجربة فكرية وسياسية، كان الهدف منها، الفصل بين العروبة والإسلام، كرد فعل على سياسة التتريك التي مارسها العثمانيون.
لقد جمعت بين التيارين منذ ظهورهما علاقة صراع، وخصوصا لما وصل التيار القومي»البعثي إلى السلطة، في مصر وسوريا والعراق، وذلك ما جسدته العلاقة المتوترة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظامين القوميين في مصر وسوريا، حيث كان الصراع بين مشروعين متناقضين في منطلقاتهما ورهاناتهما.
إننا ونحن نستحضر هذه العلاقة المتوترة بين التيارين القومي والإسلامي، نستحضر في نفس الآن سوء التفاهم الكبير بين العروبة والإسلام في المشروعين معا، حيث اقتصر تعامل القوميين مع الإسلام، من منظور إقصائي، معتبرين أن العروبة أساس الوحدة بين العرب بمسلميهم ومسيحييهم أما الإسلام فهو دين يتجاوز العرب إلى الفرس والأتراك… وفي المقابل، تعامل الإسلاميون مع العروبة بنفس المنهجية، حيث اعتبروا أن العروبة انتماء قومي ضيق بينما الإسلام انتماء حضاري أوسع، وقد انتشرت هذه الدعوى بشكل أوضح في الأقطار العربية المتسمة بتعدد عرقي، حيث تم الارتكاز على هذه الفكرة لنفي البعد العربي للإسلام، مستدلين في ذلك بالآية يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ الحجرات » 13 .
لقد تم تشويه الحقيقة في المشروعين معا، وتمت التضحية بجوهر الحضارة العربية الإسلامية، خدمة لأجندة سياسوية رخيصة، في الأخير، ونحن هنا لا نميز بين الإسلاميين والقوميين، لأنهما معا أسسا لمشروعهما الفكري والسياسي على أساس رد الفعل، من دون استحضار العمق الحضاري للإسلام في اتصاله بالعروبة، وكذلك من دون استحضار العمق الحضاري للعروبة في اتصالها بالإسلام، وذلك باعتبارهما معا وجهين لعملة واحدة، لم ينفصلا منذ القرن السابع الميلادي.
ويعود سبب هذا التشويه، إلى الخلط المنهجي المقصود الذي وقع بين العروبة كانتماء عرقي ضيق، ارتبط بسكان الجزيرة العربية خلال المرحلة ما ــ قبل الإسلامية، وبين العروبة كانتماء حضاري ثري ومتنوع، ساهمت في بنائه شعوب مختلفة، أبدعت في مجال الأدب والفلسفة والعلوم الدقيقة… بلسان عربي فصيح وبمتخيل عربي واسع الأفق. لقد حيكت مؤامرات كثيرة، سواء في الماضي البعيد أو القريب، لفصل العروبة عن الإسلام. فمن جهة، حاول الفرس خلال العهد العباسي وكذلك الأتراك خلال المرحلة العثمانية، إقصاء المكون العربي. ومن جهة أخرى، حاول المسيحيون العرب ومختلف التيارات الليبرالوية واليساروية، باعتماد مفهوم مشوه للعلمانية، إقصاء المكون الإسلامي، معتبرين أن العروبة مكون حضاري مستقل بذاته.
لكن تجارب التاريخ، تؤكد أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، وظل الإسلام مرتبطا بالعروبة، ليس من خلال اللغة فقط، ولكن كذلك من خلال الفكر الإسلامي الذي تشكل عبر القرون، وظل يمتح باستمرار من معين العروبة، كرؤية للعالم تحضر بقوة في الفكر والإبداع والممارسة كذلك. وهذا يطمئننا، طبعا، على مصير هذه العلاقة المتشابكة بين العروبة والإسلام مستقبلا، لأن أي مشروع فكري»سياسي يسعى إلى الفصل بين المكونين، سيكون مصيره الفشل الذريع، كما حدث مع باقي التيارات الفكرية»السياسية المؤدلجة، وهذا ما سيتكرر مع التيار الإسلامي الحركي، إذا لم ينتبه إلى خطورة هذا النوع من اللعب بالنار.
كاتب وباحث أكاديمي مغربي
/4/2012 Issue 4182 – Date 24 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4182 التاريخ 24»4»2012
AZP07