إستيقاظ التنّين الصيني
خالد العاني
المقدمة
نشأت الحضارة الصينية في اعماق التاريخ بين 12000-10000 قبل الميلاد وهي من اربع
حضارات ظهرت في العالم حضارة وادي الرافدين ووادي النيل ووادي السند في الهند وكان النهر الاصفر اكبر مركز لتجمع الانسان هناك تطورت الحضارة الصينية تطورا كبيرا من القرن الحادي عشر قبل الميلاد حتى اوائل القرن العاشر الميلادي اشتهرت طبقة التجار والصناع الاوائل بصناعة التحف والمجوهرات والاحجار الكريمة لم يستعمل الصينيون الاحرف في الكتابة منذ القدم وانما المقاطع التصويرية ولازالت الى الان حقق الصينيون منذ القدم تقدما كبيرا في العلوم وخاصة الفلك ورصد النجوم واحتساب ايام السنة بـ365 وربع يوم والموازين والمقايس والشرائع والفلسفة ومنهم الفيلسوف الكبير كونفوشيوس وتاسست اول امبراطورية على عهد اسرة الاباطرة التي لها فضل توحيد المدن الصينية وهي من اعطى الصين اسمها فيما بعد وفي عهدهم ابتدأ بناء السور العظيم الذي امتد على الحدود الشمالية مسافة 2500 كيلو متر وارتفاع 7.5 امتار وعرض 4.5 امتار وتطورت العلوم والفتوحات التي ضمت من خلالها كوريا ومنشوريا وهضبة التبت والهند الصينية حتى امتد نفوذها الى حدود افغانستان واتسعت تجارة الصين ووصل تجار الصين الى شواطئ البحر الاسود وحوض البحر الابيض المتوسط والى اوربا ومصر وبلاد مابين النهرين ونشرو في تلك البلدان سلع لم تعرفها تلك البلدان من قبل كالمشمش والدارسين والحرير والبورسلين والفرو الفاخر وقد دخلت البوذية الى الصين عن هذا الطريق كما تم صناعة الورق وكثير من الفنون كالرسم والنحت وقد تدهورت الاوضاع بعد زوال سلطة هان سنة 220 م نتيجة الفوضى التي عمت البلاد في الداخل والاخطار الخارجية و انفصلت بعض الاقاليم كما هاجمها المغول واحتلوا القسم الشمالي منها واستمر هذا الركود والتراجع ما يقارب 400 سنة وفي سنة 618 م وصلت الى الحكم سلالة تونغ التي استطاعت توحيد البلاد واعادت استقلالها السياسي واستعادت النشاط الحضاري، قدمت الصين اول كتاب مطبوع سنة 868 م وبعده البارود الذي استعملوه اضافة الى المفرقعات للاغراض الحربية كما استطاع الصينيون اختراع الة تسجيل الهزات الارضية وبنوا اول مرصد فلكي في العالم واستمر هذا النظام الى مايقارب الفي سنة حتى تحول الى النظام الجمهوري في سنة 1911 بعد نجاح ثورة ووتشانغ التي اندلعت في 10-10 -1911 ضد اسرة تشينغ وفي الاول من يناير عام 1912 اعلن صن يات صين قيام الجمهورية الصينية واعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد وقد تنازل الامبراطور عن العرش وجرت انتخابات في البلاد عين يوان شيكاي رئيسا للبلاد الا انه قام بحل مجلس الكوميتانج وعطل العمل بالدستور واعلن نفسه امبراطورا للبلاد في 1 يناير 1916 الا ان بعض المقاطعات اعلنت استقلالها مما دفع يوان شيكاي الى التنازل بعد فترة قصيرة كما تم نفي صن يات صن الى اقصى جنوب الصين وتفتت الصين الى مقاطعات متناثرة مدة عقد كامل وقد استطاع صن يات صن اعادة تكوين مجلس الكوميتانج مرة اخرى في اكتوبر 1919 بمساعدة عناصر من الشيوعيون الروس في الوقت نفسه اندلعت حركة احتجاج شديد من الطلبة على ضعف موقف الحكومة في التعامل مع معاهدة فرساي ادت الى اندلاع حركة الرابع من مايو مما نما الشعور الوطني بضرورة الرجوع الى النظام الجمهوري الدستوري وبعد قيام الثورة البلشفية في 1917 في روسيا حققت الماركسية انتشارا واسعا في البلاد وانتشرت الحركة الماركسية اللينينية في البلاد، بعد وفاة صن يات صن في 1925اصبح شانكاي شيك زعيما للكومينتاج وقد تزعم حملة عسكرية بمعاونة الاتحاد السوفياتي بين عام 26-1927 على اباطرة الشمال ووحد الصين مجددا وقدم له السوفيت الخبرة والسلاح والدعاية والتعبئة العامة لانجاحها غير ان كاي شيك تنكر لكل ذلك وقام بطرد الخبراء والعناصر اليسارية والشيوعيين من الكوميتانج مما تسبب في قيام الحرب الاهلية استطاعت حكومة شانج شيك النهوض بالبلاد في مجالات شتى فانشات اكاديمية العلوم وبنك الصين والعديد من المشاريع غير ان الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 ثم اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية بين 1937- 1945وفي هذا العام استسلمت القوات اليابانية الموجودة داخل الصين للقوات الصينية بغير شروط واصبحت الصين احد الاعضاء المؤسسين في هيئة الامم المتحدة وفي 1949 اندلعت الحرب الاهلية مجددا بين الحكومة والمليشيات الشيوعية ونتيجة الانتصارات الكبيرة التي حققها الشيوعيون اجبر شان كاي جيك وافراد حكومته الى الفرار الى تايوان واعلان تاييه عاصمة مؤقته للصين وكان قد نقل معه احتياط الصين من الذهب في هذه الاثناء قام ماوتسي تونج باعلان قيام جمهورية الصين الشعبية اسفرت الخطة الاقتصادية والاجتماعية ( القفزة الكبرى الى الامام ) عن مقتل حوالي 30 مليون شخص وفي عام 1966 اطلق ماو الثورة الثقافية التي استمرت حتى بعد وفاة ماوتسي بعقد من الزمن وقد ادت الى اضطراب كبير في المجتمع الصيني وفي 1972 وفي اوج الاختلاف بين الصين والاتحاد السوفياتي التقى ماوتسي مع نيكسن في بكين لاقامة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة وفي نفس العام تم قبول الصين الشعبية في الامم المتحدة بدلا من جمهورية الصين ( كان شيك ) واحتلت الموقع الدائم في مجلس الامن انتزع السلطة بعد وفاة ماوتسي دنغ شياو بينغ وقاد البلاد لاصلاحات اقتصادية هائلة وخفف الحزب الرقابة على شؤون الشخصية للمواطنين ومنحت الاراضي الى الكثير من المزارعين في عقود استئجار مما ساهم في رفع الانتاج بشكل كبير وقد شهدت هذه المرحلة التحول من الاقتصاد المخطط الى الاقتصاد المختلط ( اشتراكية السوق ) او الاشتراكية الصينية في عام 1989 بعد وفاة ياو يانغ المؤيد للاصلاح انطلقت حركة احتجاجات في ميدان تيانانين والتي قادها الشباب والطلاب وغيرهم مطالبة بالمزيد من الحقوق الديمقراطية وحرية التعبير وتم قمع هذه الحركة بكل قسوة وسقط العديد من الضحايا في الميدان انضمت الصين الى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 شهدت المراكز الحضرية تحسينات كبيرة جدا ولكن الارياف لا زالت تعاني من الفقر والانحطاط , ان المساحة الشاسعة التي تحتلها الصين جعلت حدودها محاطة ب 14 دولة وتبلغ حدودها البرية 22117 كم وهي الاطول في العالم يبلغ جيش التحرير الشعبي الصيني 2.5 مليون في الخدمة ويعتبر الاضخم في العالم ويتكون من القوات البرية والبحرية والجوية وقوة نووية ستراتيجيه , ركزت الصين على التجارة الخارجية وشجعت الاستثمار الاجنبي في البلاد وانشأت لذلك مناطق اقتصادية خاصة اعتمدت الصين في اكثر المجالات على التكنوقراط في التطوير وتسريع النمو ولازالت المجموعة الحاكمة بالصين هم من التكنوقراط ومن اكثر السياسيين على مستوى العالم النابغون في العلوم الهندسية والاقتصادية والادارية استطاع الاقتصاد الصيني النمو منذ عام 1978بـ 70 مرة واصبح اسرع الاقتصاديات نموا في العالم وتبلغ تجارة الصين حوالي 2.21 ترليون دولار ورغم العدد الهائل للسكان فأن اكثر من 93 بالمئة من السكان يعرفون القرأة والكتابة بعد هذه المقدمة الموجزة عن هذه البلاد العظيمة الشأن في العالم نعود الى حقبة مظلمة اجتاحت هذه البلاد الا وهي حرب الافيون.
حرب الافيون
(دخلت العصابات البريطانية والفرنسية كاتدراية اسيا احدهما قام بالنهب والاخر قام بالحرق وأحد هذين المنتصران ملأ جيوبه والثاني ملأ صناديقه ورجعوا الى اوربا يدهم في يد بعض ضاحكين .. ان الحكومات تتحول احيانا الى لصوص ولكن الشعوب لاتفعل ذلك – فكتور هيجو).
حرب الافيون سميت كذا لان تجارة الافيون كانت السبب الرئيسي في قيامها فمنذ اكتشاف طريق الحرير والتوابل بدأت دول الغرب محاولة الاستحواذ على هذه البلاد الغنية بالمنتوجات الفاخرة والتي لم تكن معروفة بشكل واسع في دول الغرب مثل الحرير والفرو الفاخر والبورسلين والشاي والاواني الفنية وغيرها في المقابل لا تستورد الصين الا ما ندر من السلع الغربية وحتى الثقافية منها بسبب الانغلاق وحالة مايسمى ( البارانويا ) وهو حالة اشبه بالحالة المرضية وتعني جنون العظمة او الاضطهاد فكان ميزان التجارة يميل بشكل كبير الى الصين مما جعلها تحصل على اطنان من الذهب والمعادن النفيسة الاخرى وقد بدأت اسبانيا عندما كانت هي الدولة الاستعمارية الاقوى في العالم تلك الحرب ولكن كانت تجارتها محدودة بسب رفض الامبراطور الصيني لذلك وعندما بدأت بريطانيا تظهر كقوة عظمى في العالم واخذت مكانة اسبانيا الاستعمارية استهوتها الفكرة فكانت الحربين التي سميت بحرب الافيون .. طلب الملك جورج الثالث من الامبراطور الصيني شيان لونج توسيع التبادل التجاري بين البلدين الا ان الامبراطور رد عليه ان امبراطورية الصين السماوية لاتحتاج الى البضائع الاجنبية وكان على التجار البريطانيين دفع مشترياتهم بالمعادن النفيسة لذا لجأت بريطانيا الى احدى شركاتها الكبرى (شركة الهند الشرقية البريطانية) والتي كانت تحتكر التجارة مع الصين الى زرع الافيون في المناطق الوسطى والشمالية من الهند وتصديره الى الصين كوسيلة لدفع قيمة وارداتها من الصين كانت الشحنة الاولى عام 1781 ولاقت رواجا كبيرا في المجتمع الصيني واخذ الشعب الصيني يدمن على الافييون ونجحت خطة بريطانيا في تسديد مشترياتها من الصين في الوقت الذي بدأت مشاكل الادمان تظهر على الشعب الصيني مما دفع الامبراطور يونج تشينغ في سنة 1829 الى اصدار مرسوم تحريم استيراد المخدرات غير ان شركة الهند الشرقية استمرت في تهريب الافيون وبوتائر متصاعدة من عام 1829 الذي كانت الكمية 608 كغم لتصل في عام 1892 الى 272 طنا وبدأت اثار التدمير على المجتمع الصيني ماديا واجتماعيا وصحيا اضطر معه الامبراطور الى اصدار مرسوم اخر يحضر فيه استيراد الافيون وارسل ممثله الشخصي الى مركز تجارة الافيون واجبر التجار الانكليز والامريكان على تسليم ما بحوزتهم من افيون والذي بلغ الف طن وقام بأحراقه عندها اعلنت بريطانيا الحرب على الصين لاجبارها على السماح بتلك التجارة القذرة وارسلت في عام 1840 سفنها وجنودها الى الصين لاجبارها على فتح ابوابها للتجارة بالقوة فكانت حرب الافيون الاولى 1840 – 1842 م استطاعت بريطانيا بعد مقاومة عنيفة من احتلال مدينة – دينغ هاي – في مقاطعة شين جيانغ واقترب الاسطول البريطاني من البوابة البحرية لبكين العاصمة واجبر الامبراطور الصيني على التفاوض مع بريطانيا وتوقيع اتفاقية نانجنج في اب 1842 واهم ما نصت عليه هذه الاتفاقية المذلة تنازل الصين عن جزيرة هونج كونج لبريطانيا واصبحت قاعدة عسكرية لها وتم فتح خمسة موانئ للتجارة البريطانية ودفع تعويضات نفقات الحرب وتحديد التعرفة الكمركية على البضائع البريطانية مما افقد الصين سيادتها على ارضها ونصت الاتفاقية على الدولة الاولى بالرعاية التجارية تبعتها اتفاقات مذلة للدول الغربية انذاك وقد اسهمت امريكيا بقوة لارتباط مصالحها مع الشركات البريطانية وطالبت الصين بمنحها نفس الامتيازات التي منحت لبريطانيا ووافقت الصين مرغمة كما شجع ذلك فرنسا وتبعتها بلجيكيا والسويد والدنيمارك ووافق الامبراطور على تطبيق المعاملة المتساوية امام الجميع … لم تحقق بريطانيا والدول الغربية ماكانوا ياملونه من هذه الاتفاقيات الجائرة فلم يرتفع حجم التجارة مع الصين كما كانوا يتوقعون كما ان الحظر على الافيون بقى مستمرا ورفض الامبراطور التعامل معهم مباشرة لذا قدموا مذكرة بمراجعة الاتفاقات القائمة التي رفضها الامبراطور لذ قررت بريطانيا وفرنسا استعمال القوة مرة اخرى ، قامت السلطات الصينية بتفتيش سفينة تحمل العلم البريطاني واعتقال بحاريها وانزال العلم وقتل احد المبشرين الفرنسيين فيها مما جعل ذلك ذريعة لشن حرب جديدة على الصين واستطاعت القوات البريطانية والفرنسية دخول ميناء جوانجشو والتوجه نحو ميناء تيان القريب من بكين مما اضطر الامبراطور القبول بمراجعة الاتفاقات السابقة وتوقيع اتفاقية جديدة ( تيان جين ) في عام 1858 بين الصين من جهة وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا من جهة ثانية والتي نصت على المزيد من الامتيازات منها فتح 5 موانئ جديدة للتجارة الدولية واعتبار الافيون من بين البضائع المسموح بها وحرية الملاحة على نهر يانج تسي كيانغ والسماح للمبشرين المسيحيين الدخول الى الصين ومر عام ولم تصدق الصين على الاتفاقية واستعملت بريطانيا وفرنسا القوة من جديد واستطاعت قواتها دخول تيانجن في عام 1860 ثم تقدمت نحو بكين ودخلوها في ت1 من العام نفسه وتوجهوا الى قصر الامبراطور الذي يعتبر من اعظم قصور العالم ويحتوي على اثار تارخية نفيسة واموال هائلة وقام الضباط الانكليز والفرنسيين بنهب محتوياته لمدة اربع ايام واضرموا النار فيه بعد ذلك اضطر الامبراطور الى الرضوخ ووقع اتفاقية – تيان جن – مع كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة ومنحت فيها امتيازات كبيرة نصت على فتح المزيد من الموانئ امام التجارة لتلك الدول وحق الاقامة لرعاياهم والتعامل المباشر مع الامبراطور وحرية انتقال المبشرين والتنازل عن مدينة كولون الصينية وكانت النتيجة ارتفاع عدد المدمنين من 2 مليون في عام 1850 ليصل الى 120 مليوناً عام 1878 ولم تنته حروب الافيون الا باتفاقية 8 مايس 1911 .
الخاتمة
(دع المارد الصيني ينام لانه حينما يستيقظ فسيهز العالم هزا – نابليون بونابرت).
وهاهي الصين استيقظت وهزت العالم هزا فبين الامس عندما شن الغرب حروب غير نظيفة وقذرة للاستيلاء على مقدرات الشعب الصيني وتدمير البنية الفوقية والتحتية استطاعت الصين وفي فترة قياسية ان تسحب البساط من تحت اقدام الغرب وامريكيا وتتفوق بصادراتها واجبرت الغرب على السعي لسد العجز في ميزانه التجاري مع الصين وقد صدقت الحكمة الصينية القديمة ( ان المسافة تقيس اصالة الحصان ، اما الزمن فيقيس اصالة الانسان).