إستخدام اللغة لدى الشاعر عصام كاظم

إستخدام اللغة لدى الشاعر عصام كاظم خارطة للريح أم للألم؟ سمير الخليل اللغة هي أداة التوتر الشعري بل هي صوت الشاعر على الورق يستنطقها حين يحطم قوانينها ليبني قوانين تجربته بنسيج لغوي جديد من إبداعه وتفرده، فهي شعرياً ليست بأنظمة معيارية لنقل الأفكار إنما علاقات جديدة تتجاوز حدود اللغة النفعية بصورها وترميزاتها، مما يمنح الشاعر تميزاً وتفرداً عن مجايليه بمعنى آخر تحمل ((شحنة توترية تقوم على محورين هما: الذات الشاعرة المنفعلة ومحور الموضوع، والعلاقة القائمة بينهما إما أن تكون علاقة توافق وانسجام وإما أن تكون علاقة تنافر وخصام على محور هذه العلاقة وما يتفرع منها من شدّ وجذب تكمن مسافة التوتر النابعة من بنية النص الشعري وفي مختلف الرؤى والمواقف المتمثلة بعلاقة الشاعر بالعالم)) ورؤيته له، والشاعر عصام كاظم يمتلك استخداماً أمثل للغة بأكبر قدر ممكن من إمكانات اللغة الصوتية والتصويرية والبنائية فضلاً عن الإيحائية المتشظية إلى دلالات حافة تنقل إلينا خبرة جديدة في رؤية الواقع، وكانت لبنة البناء الشعري لدى الشاعر عصام كاظم جري في مجموعته الشعرية (خارطة الريح) الصادرة عن اتحاد أدباء ميسان سنة 2011 هي توظيف المفردة اللغوية بطريقة متفردة استطاع فيها أن يكثف طاقاتها العاطفية والشعرية بالنسق الجديد الذي منحه إياها ومن هنا استطاع أن يلبسها رداءً مغايراً عمّا هي عليه في صياغاته لجمله الشعرية. ونصوص عصام في مدونته هي نصوص مشحونة بمرارة الألم والمعاناة التي عاشها ويعيشها كل مواطن عراقي، وهو بذلك حاول أن يلقي الضوء على جملة من الأحداث المصاغة شعرياً والتي عصفت بالعراق وهدت كيانه بعد الاحتلال وفي وضعنا الراهن، فهو يرفع لافتة احتجاج مصبوغة بالألم ضد أصحاب النيات السيئة والمغرضين على الساحة السياسية بكل قباحاتهم ونزعاتهم الشريرة القميئة، فضلاً إدانته لكل ما من شأنه أن يحطم أمل الإنسان العراقي ويسلب أمنه وأمانه، وقد اعتمد الشاعر من أجل تحقيق ذلك فنياً توظيف اللغة في بنية شكلية لنصه الشعري تحمل المفارقة والإيحاء والانزياح التصويري، وبمعنى آخر لم يكن قد استعان باللفظة وما تنتجه من دلالات عند التوظيف الفني بل عمل على الإفادة من التشكيل البنيوي الذي تقوم عليه القصيدة نفسها، وفي ظني أنّ الشاعر كان موفقاً في ذلك التوظيف الذي ألزم به نفسه الزاماً واضحاً وفي الوقت نفسه لم يقحم الأمر اقحاماً بل كان مبدعاً في توظيفه. وما قلناه سابقاً يدفعنا إلى التعريج على دلالة عنوان المجموعة (خارطة الريح) بما تحتويه من شعرية مفارقة وبعد دلالي، ولعلّ نظرةً لفاحص متيقن يكشف أنّ نصوص المجموعة التي تحيا بين دفتيها ما هي إلاّ صدى للعنوان الرئيسي بعنواناتها الفرعية وشعريتها وقد حظت بأجمل توظيف وأدقه، وتضمنت أعمق المعاني لمشاعر جريحة وآلام مبرحة وحقوق مصادرة وحريات منتهكة. ولقد ذهب بعض الدارسين إلى أن العنوان قد يكون علامة لاصقة (Tap) يمكن استبداله بغيره لأنه مضاف على النص بعبثية، ولكني أذهب إلى غير ذلك في عنوان هذه المجموعة إذ ارتبط العنوان ارتباطاً متلاحماً بالنصوص الشعريه تحته، وهو بنية افتقار تعتني بما يتصل بها وتؤلف بنسيجها المتلاحم دلالات متشظية وتأويلات غاية في التأثير والأهمية والجمال، بل قد يحدد العنوان أيضاً الثيمة العامة للمدونة الشعرية ويوجّه القراءة والتأويل وجهة مبنية على علامات نصية ومفاتيح لشفرات النص. وفي العنوان مزاوجة ثنائية بين متضايفين بينهما مفارقة جلية حين جعل للريح خارطة غير أنه في المتن كشف عن الأسرار والخفايا التي حاول السياسيون والنفعيون والمدّعون الوطنية الاختباء خلفها بل كشف زيفهم وتعريتهم وهم في لذة الممارسات الدنيئة التي يقومون بها في المتاجرة بالدم العراقي والصراع المصلحي والتناحر السياسي الذي يذهب ضحيته الأبرياء. ومن ذلك يمكننا القول إنّ مجموعة (خارطة الريح) حاولت التحليق في ما وراء اللغة من توظيف الألفاظ والتقنيات التشكيلية وتلاعبت بالشكل تلاعباً منسجماً مع الثيمة الرئيسية للمجموعة ومتلاحماً مع البعد الدلالي للعنوان، وكل ذلك نابع من خلق مزاج انفعالي يستثير المتلقي ويستفز فيه جمالية التلقي والتأثير. ولا شك أن (عصام كاظم) يمثل مرحلة تاريخية معينة تميزت بالاستلاب والحروب والظلم والتوحش السياسي أثرت في نصوصه وفي مخزونه المعرفي فشكلت اللغة لديه بفعل التأثير والاستجابة معجماً شعرياً، ومنذ البدء يطل علينا الشاعر وهو يفتح خارطة للريح ليرينا مشاهد عمّا عليه الواقع من فوضى وتشظ ولا معقول ورياح الألم تأخذ به إلى القول: أولئك أصحاب الأصوات العالية يلعنون بأصابعهم خرس العزلة لن أمارس الغواية مع الأدغال أثمون يشخرون في بروج من المصابيح الذهبية ويشربون لمعان الدم إنهم فوضيون على مرّ المروج يخطفون القناطر من الماء ويرمون العلب الفارغة كبقايا البشر فالمكاشفة المؤلمة هنا والمفارقات الشعرية والصياغات التشكيلية تدفعك إلى الانبهار بهذا النسيج اللغوي والجمل الشعرية التي تفتق طاقات الكلمات فأصحاب الأصوات العالية كناية لا تحتاج إلى كد ذهن تأخذ بأيدينا إلى الساسة المنتفعين غير المخلصين الذين يقولون ولا يفعلون غير الآثام، فهم يعملون على العبث بمقدرات البلاد والعباد، واسم الإشارة (أولئك) يحدد ويشير إلى مجموعة معروفة دون سواها بأصواتها العالية التي تعلو فوق القانون والناس بالسحت والسلاح والفوبيا السياسية. أما جملة (يلعنون بأصابعهم) فتحيل إلى علامة سيميائية مقترنة بالعنف الرمزي بل القتل لمن يقف ضد تلك الأصابع بل بإشارة من أصبع يمكن أن يغيب المواطن بلا عودة، وإذا كانت الأسطر الشعرية هي خطوط الخارطة ونقاط أهميتها فإن معانيها ودلالاتها هي الريح المتحركة المتذبذبة والتي عصفت وتعصف بالعراق وأهله، فالسطر الخامس (لن أمارس الغواية ….) يتضمن فكرة مستقلة أو حركة ريح هبت إلى نقلة دلالية فيها عودة للذات والنص مسترسل في الحديث عن (أولئك) ومن ثم جاء السطر اللاحق (آثمون) بمفردة واحدة وبتعددية دلالية صادمة ومؤلمة، فغواية المتكلم النصي عبث لا يليق بمنعه من اللعب المنافق مع أدغال السياسة ووحشية حيواناتها فإذا به يسعى إلى المجهولية وضبابية انتمائهم بقوله (آثمون) وهم أصحاب الصوت العالي واليد الطولي. ومع ذلك فهم (يشخرون في بروج من المصابيح الذهبية) لما يتسمون به من انتهازية وراحة بال من دون وخز لضمير أو تفكير بما عملوا، والشخير علامة على النوم العميق وراحة البال وقد تعني نوماً مرضياً بحاجة إلى علاج. ومن الطبيعي أن نلحظ في معجم ألفاظ عصام كاظم حضور الألفاظ السياسية وألفاظ العنف والقتل والألم وذلك ينسجم مع حقبة شهدت الصراعات والتناحر السياسي والنزاعات المذهبية والطائفية والفكرية مما مزق البلد إلى أشلاء، فالأسلحة والحروب والأوسمة والمخالب والكمائن والثكنات والبنادق والاعتصام والحرية … الخ. مما يشيع في مدونته: سأدعو خارطة الدمع من جديد فالحرية لم تستكمل بعد والفاجعة ستودع الوصل وهذه الأقدام التي تتسول وحشة الميدان لن تحسن الراحة أبداً وفي نصّه ((عندما نتبوأ خارطة الريح) نلحظ أنّ الألفاظ تتخذ الأسلوب الممنهج في بناء الجمل ويقوم التوظيف على شكل تصاعدي في تصوير الجانب الخفي من الصراع والوقوف على ظلم الواقع وآلامه وهويتها وفي قاع المتاهة، إذ لا بدّ من التغيير وقد يتعلق متكلم النص برمز منقذ يكون فيه الأمل في الخلاص مما نحن فيه بعد أن اطبقت على قلوب الناس الرياح السوداء: في ظلمة الجدران اتسعت حروبنا ولكي نشير بأصابعنا علينا أن نشرب العاصفة ونتبوأ خارطة الريح عندما ننتظر محرابك دعنا ننزف صمت هديرنا ونملأ الأشواط التي تغوص في الأدغال عطراً جديداً فمنذ سؤال محمد عبده الذي رسم مفارقة الإسلام والغرب وحتى الوقت الحاضر كان موقع النظر لهذه المفارقة يكرس حضور أنماط التراث وأنساقه حتى عندما يكون ذلك الموقع مهيأ لإحداث قطيعة أو انعطافة معرفية كما هو في حالات عدد المثقفين العرب مثل: أدونيس، محمد عابد الجابري، محمد اركون.. وغيرهم، فقد قدموا قراءات تأويلية شكلت محاولات جادة لإثبات الحداثي في التراثي/ الجابري، والإبداعي في الإتباعي/ ادونيس, والإنساني في العربي/ اركون.. فالجابري يدافع عن المركزية التراثية العربية في سياق عرضه لمناهج مؤرخي الفكر الأوربي ومناهج المستشرقين وخاصة المنهج التاريخي والمنهج الفيلولوجي لان هذه المناهج أقصت ما هو خارجها ولم تنظر الى الثقافة العربية بوصفها جزءاً من كيان ثقافي عام، بل بوصفها امتداداً مشوهاً للفلسفة اليونانية.. كما نجد إن كتابات أدورد سعيد وحتى الكتابات الأخيرة التي ظهرت لعبد الله ابراهيم في (المركزية الغربية), وعبد الله الغذامي في (النقد الثقافي), توجه نقداً شديداً لأنظمة تمركز الغرب بوصفه أسمى أشكال الوعي وأكثرها تنوعاً وخصوبة، فيما يتخبط العالم في تعارضات وانقسامات ,حسب المفاهيم الجدلية التي استثمرت منذ هيغل وحتى فوكوياما، ليبلغ الغرب مرحلة الفترة الشاملة ونهاية التاريخ، أما العالم الذي هو مجرد مقولات في فلسفة هيغل، فما زال يخوض تناقضاته. فكيف إذن يمكننا تفسير ظاهرة رفض الاعتراف بالتباين والاختلاف والتنوع علماً بأن نظريات الثقافة لما بعد الحداثة تضع ذلك شرطاً في تحديد مفهوم الثقافة..؟ الإجابة تقع في حضور نسقية الموروث في الشخصية العربية وفي القصص والخرافات والحكايات الشعبية العربية أمثلة كثيرة تدل على إن النسق الاستبدادي يتمثل ككائن متخف داخل الشخصية العربية، حتى الشخصية البسيطة أنى كان موقعها، من ذلك قصة المغفل مع هارون الرشيد في ألف ليلة وليلة التي روت كيف تنازل الرشيد عن الملك لهذا الرجل وراح يتفرج على استبداده وبطشه بمن تسببوا في نكده وقهره وهناك قصص تضج بدلالات رمزية على كيفية تساكن المستبد في المقهور والظالم في العادل والغاشم في الناعم الرقيق. وهناك عدد من المفكرين الذين شغلتهم ظاهرة غياب الوعي باكتشاف الذات العربية عبر الاختلاف لا عبر التطابق معها فنسق الاستبداد المنحدر من حضور التراث في الثقافة العربية لا ينعكس في نصوص أو تجارب محددة، وإنما ينعكس في ممارسات وسلوكيات ومواقف قائمة على تراكمات تحولت مع الزمن الى تحيزات نمطية جاهزة لا واعية انطلاقاً من الحقيقة التي يلح عليها الجابري بأن التراث (كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي, سواء ماضينا أو ماضي غيرنا سواء القريب منه أو البعيد)، فعبارة حاضر فينا أو معنا تعني الحضور الواعي واللاواعي بدون شك، ومن هنا, من مثل هذا المنطلق في اللاوعي لم يستقم الاعتراف بالتنوع والاختلاف في سياق ما سمي بـ(المشروع القومي العربي). وبامكاننا أن نفهم ظواهر نسقية كثيرة في الثقافة العربية من ذلك مثلاً سرعة انتكاس مشاريع الوحدة ومشاريع العمل الثقافي المشترك, وسرعة احتضان المشاريع الإقليمية التي تنتهي بنفس سرعة احتضانها، ذلك إن مجمل هذه المشاريع وغيرها متعاضدة مع نسق الاستبداد، فكل جماعة منتمية لمكان ومرتحلة فيه لا تنفك تصنع لها رمزاً جبروتياً يمثل أمامها وبشكل عياني ما يكون عليه جبروتها الخاص بها والمتخفي المتحصن بأوهامها، ومثلما كان عدم الاعتراف بالتنوع الثقافي والتعددية سلوكاً نسقياً فأن التشدد في الولاء للوحدة والانسجام صنيع لذات النسق، ولذا حفلت الثقافة العربية بمتشددين أصوليين لمبدأ الوحدة التي لا تعترف بالتنوع، ولمبدأ الوحدة داخل الطائفة والمذهب، ومثل هذا الولاء في الحالات جميعها لا يتبرأ من نسقية الاستبداد. فبدون الكشف عن القوى المهيمنة للنسق الاستبدادي في ثقافتنا، يغدو السياق الثقافي مكتظاً بحلقات متكررة، ودورات حتمية تتكرر فيها البدايات والنهايات بشكل متقطع يجعلنا مرشحين دوماً للوقوف في آخر الصف، بل انه يسبغ علينا شعوراً بالتراجع، وإننا نتحرك بالاتجاه المعاكس. قلنا إنّ عصام في رسم تشكيلة نصّه يستخدم تقنية الصور في كل سطر وقد تكون متنافرة في بعض الأحيان غير أنها تصب في إطار الصورة الكبرى أو الكلية لنصّه وتخدم دلالاتها المفتوحة على الهم العراقي وألم المبدع، ولتوضيح ذلك بإمكاننا أن نتناول أي نص من نصوص المدونة الشعرية ولتكن قصيدة (غواية) وألقينا عليها نظرة فاحصة سنجد أن هناك تبايناً في عدد الوحدات الإيقاعية ولكنّ ذلك التباين فيه انسجام وتناغم وتوحد نفسي، فالسطر الأول يتضمن كلمة واحدة، يتبعه السطر الثاني بثلاث كلمات ثم السطر الخامس بكلمة واحدة ثم السادس بأربع كلمات تعقبها ثلاث فواحدة وهذا أمر قائم في كثير من نصوص (شعر التفعيلة) ولكن استخدامه في قصيدة نثر أمر يحمل دلالة ما وإيقاعاً متجانساً انطلاقاً من الصور التي تضمنها كل سطر، ونلحظ أن كل سطر تضمن صورة واحدة مفردة ولكنها تصب في الصورة الكلية للنص فضلاً عن دلالة متكاملة، فالصورة تبدأ بسيطة صغيرة تتلوها صورة أخرى أكبر فأكبر ثم لا تلبث أن تضمحّل وكأنها تتلاشى مثل ريح تهب وتهدأ ثم تعاود الهبوب مرّة أخرى ولعلّ هذا ما حدا بالشاعر أن يسمي مجموعته (خارطة الريح) !! وعندما تستمر الريح في هبوبها ترسم على الربوع والقلوب والرمال خطوطاً نكاد نحس بنتوءاتها وهي تحدد مسارها معلنة عن وجودها وهي في الوقت ذاته توخز مشاعرنا عندما توحي بأنها ستمحو آثار الديار والأحبة وتطمر ما تخلفه السنون من ذكريات، وفي تماهي الشاعر مع هذه الدلالة يقول: خلقت ألاّ أكون أميراً لزمن ما وحلفت ألاّ أشرب كأس الفوز لأنّ الهزيمة سمة وراثية وكمتفرج على مباراة الإدمان هاهي طاولتي تنتحر… تذكرت الشعراء الذين شربوا أيامها فهو لا يطمح أن يصبح أميراً ليكون في موقعه يفصله عن الناس والحياة فيصاب بالقحط الروحي مع غنى الموقع في الوجاهة والمنافع الجمّة بل لا يطمح أن يستلم عرشاً لملك لأنّ عرش الشعر أكبر وأنبل وأجمل فكل شيء مصيره الذبول والأفول وكل نصر مغرض وراءه انهزام وكل ذكرى سوف تمحى وتزول إلاّ خلود الشعر والإبداع. أمّا نصّه ((عندما نتبوأ خارطة الريح)) فقد تميز ببنية الاستهلال التي كانت مرسومة على شكل دائرة هي كل موحد لا حدود لها من المعاني والدلالات المتماسكة المتجانسة المتماهية في خطوطها الدائرية، حتى أنك لا تستطيع حذف أي سطر من دون أن تختل الدلالة ويتقوض البناء فهي دائرة مكتملة: ليكن شاهداً على عرشك … إلى ، وبكى في هذا الاستهلال نكون أمام موقف متراص وبناء منسجم لا يمكن أن نحذف منه ولو مفردة واحدة ما لم يتخلخل بناء السطر الشعري. وإذا انتقلنا إلى توظيف الطبيعة في هذه المجموعة فسنجد ألفاظاً تتكرر مثل (عاصفة، موجه، بحر، هدير، أدغال، شجر، ضباب، مروج، ماء، سماء، برد، ورد، خريف، شمس، …. الخ) وفي تردد مثل تلك الألفاظ لا يعني الكثير فهي مفردات متداولة غير أن عصاماً يفتق فيها طاقات دلالية عبر توظيفها فإذا بالطبيعة غير الطبيعة التي نعرفها بتلك الألفاظ يقول: من ينقذ الصباح؟ من يحرث الأشجار التي تيبست؟ من ينعش أمنيات امرأة من سومر ؟ نلحظ أن ألفاظ الطبيعة تغطيها غلالة من الحزن الشفيف والألم المحزن حتى أنّ الطبيعة صارت تشيع الحسرة بدلاً من أن تشيع البهجة ولابدّ في الختام أن نقول إنّ عصام كاظم صوت واعد في الساحة الشعرية العراقية والعربية لأنه لا يكرر نفسه ولا يجتر تجاربه ونراه في تجدد دائم بعد أن بنى نفسه بصمت قديس وتواضع جمّ.