نبض القلم
إسألها .. الجواب عندها – مقالات – طالب سعدون
شهد تاريخ العلاقات بين الدول عمليات تجسس كثيرة وكبيرة، وخاصة عند إستعار الحروب بينها، أو في حالة التنافس على مراكز النفوذ والسيطرة باشكالها المتنوعة، كما حصل بين امريكا والاتحاد السوفيتي على سبيل المثال، في الحرب الباردة، وبعدها ..
وفي الصراع العربي الاسرائيلي، يظل إسم ( رأفت الهجان ) وإسمه الحقيقي في مصر رفعت الجمال، وفي اسرائيل ( جاك بيتون ) واحدا من ابرز رموز الجاسوسية، بعد أن قام باشهر عملية تجسس داخل اسرائيل لمدة عشرين عاما، أقام خلالها علاقات مع قياداتها مثل غولدا مائير وموشي دايان، وأمد بلاده بمعلومات في غاية الاهمية عن قدرات العدو وتحركاته حطم بها إسطورة تفوق جهاز مخابراتها، مثلما تحطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر في حرب اكتوبر 1973…
ليس موضوعنا ( الهجان )، وإن أشرت اليه بتوضيح بسيط ، لكي نعرف أين كان موقعه من مواقف بعض العرب اليوم، ممن إرتضى أن يكون عونا للاجنبي ضد إخيه العربي، أو يقف متفرجا يراقب الخطر عن بعد، وكأن النار التي شبت في دار أخيه بعيدة عنه، أو لن تصله في يوم ما إذا إستمر الوضع على ما هو عليه من تراجع ..؟
وأين الارض العربية اليوم من ذلك، وهي ترى حالها، وهي مهددة في عقر دارها، وتدور المعارك الضارية على أرضها، و أصبحت مخترقة ليس من الاجنبي فقط، وانما تعاني من تجسس أبنائها بعضهم على بعض، وتغليب المصلحة الذاتية الضيقة، وتراجع المصالح العليا المشتركة .. ..
وإذا كان هناك عذر ومبرر لهذا النوع من العمل في الحروب، لان كل طرف يريد أن ينتصر بدون خسائر، أو تكون خسائره قليلة، قياسا الى خسائر خصمه، لكن ما يدعو الى الغرابة هو أن يكون التجسس من دولة على أخرى حليفة لها ، أي بين الحلفاء أنفسهم، رغم أنهم ( يتخذون مواقف متشابهة أو متقاربة في القضايا الاستراتيجية في العالم .. فتلك حالة ربما يصعب فهمها أو تصورها ..) ..
وأمريكا مثال على ذلك، والشواهد كثيرة ..
وهذه الاعمال إذا كانت مرفوضة من الاخرين، لكنها في نظر أمريكا طبيعية ، لأنها تنطلق من حالة غرور بالانفراد، وتصور خاطيء بأن العالم كله أصبح مجال نفوذها، وضمن مهمات شبكاتها التجسسية، في (حرب ناعمة ) لم تستثن الحليف والبعيد، والعدو والصديق..
ولكن ما يثير الغرابة أو يدعو الى العجب، هو ردود الافعال على ما يحصل، فهي لا تتعدى كلمات الغضب والرفض وعدم قبول هذا العمل والاستنكاروالاستدعاء، وما الى ذلك من إجراءات لن تردع امريكا عن تكرارها، بدليل أن ما تردد بالامس في التقارير عن تجسس أمريكا على فرنسا وتنصتها على أخر ثلاثة رؤوساء فيها، قد جاء بعد تجسسها على المانيا وتنصتها على هاتف المستشارة انجيلا ميركل، وقبلها على اندونيسيا وماليزيا، وعلى البرازيل والمكسيك وهما صديقتان لامريكا .. فلم يعد هناك ما يجري في الخفاء، دون أن تسلط عليه الاضواء …
تساءل أحدهم بتعجب ..إذا كانت امريكا تتعامل مع الدول الكبرى بهذه الطريقة، فكيف يكون تعاملها مع الدول العربية، ومكاتب أصحاب القرار فيها، بعد أن أصبحت الارض العربية مخترقة بشكل علني ..؟..
أجابه : الأمر بسيط، ولا يحتاج الى تحليل أو دليل ..فكل شيء عنها، واضح ومعروف لديها فلماذا تتجسس عليها ..؟!
إنها حرب لكن من نوع أخر سماها البعض بالناعمة، تشنها الولايات المتحدة، وتتحدى بها العالم، دون ردود أفعال تناسبها، بهدف الاحياء اليه بإحكام قبضتها، وتأكيد نفوذها عليه، ومعرفتها بما يجري فيه، دون مراعاة للسيادة، او الخصوصية، بما في ذلك خصوصيات الخط الاول في سلم المسؤولية ..
سألني والدهشة تبدو عليه، والرغبة في جواب لسؤال يلح عليه … اذا كانت لامريكا القدرة على أن تخترق الدول الكبرى وتتجسس عليها، وتصل الى هاتف الشخص الاول في دولة ما، فلماذا لم تستطع الى الان بتلك القدرات الهائلة محاصرة الارهاب والقضاء عليه ، وتخليص العالم من شروره، وكي يعم السلام والاستقرار في العالم، بدل ان يتنقل براحة من دولة الى اخرى، وكأن العالم اصبح ملك يديه، وضمن دائرة نفوذه …؟
قلت له .. إسألها .. فالجواب عندها … !!
{ { { {
كلام مفيد :
الشخص الصالح لا يحتاج القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية، أما الشخص الفاسد فسيجد دائما طريقة ما للالتفاف على القوانين .. ( افلاطون )…