
إدارة عموم الزير.. خاطرة لمجلس النواب الجديد – قصي يحيى عبد المجيد
هذه قصة قصيرة للكاتب المصري الدكتور حسين مؤنس عرقت في السبعينات وعرضت على شكل تمثيلية في تلفزيون بغداد لمرة واحدة وأختفت , وقد سألت فناننا الكبير المرحوم سليم البصري عن مصير هذه التمثيلية وواحدة أخرى لا أذكر أسمها فأخبرني أنها فقدت أو قد مسحت من الأرشيف.
الزير في اللهجة العراقية هو الحب ( بكسر ألحاء ) وهو يعني الوعاء الطيني الفخاري الكبير الذي يحفظ فيه ماء الشرب وعادة مايكون نظيفا جدا ويغطى بغطاء خشبي لكي يمنع الأوساخ من السقوط فيه , وفي أعتقادي كان هذا العمل من أنجح الأعمال التلفزيونية التي قدمت في ذلك ألوقت.
تبدأ القصة بتصوير أحد الولاة الطيبين وهو يسير مع حاشيته على ضفاف دجلة يشبه الى حدما شارع أبو نؤاس الحالي ومعظم هؤلاء الحاشية من المنتفعين والأنتهازيين ويستقبل الوالي من الأهالي أستقبالا حسنا وهو يتحدث اليهم بود وأحترام , ويسألهم أن كان ينقصهم أي شئ , أخبره أحدهم بأن المواطن يجد صعوبة في الحصول على ماء الشرب خصوصا في الصيف فعليه أن ينزل الى الشاطئ ويجلب الماء ويصفيه من الشوائب ويحاول تبريده ليكون صالحا للشرب , فاذا تكرم الوالي وأمر بتبرع لشراء زير كبير ليشرب من الأهالي ويعين من يديمه ويراقبه وينظفه وبذلك يكسب الوالي أجرا كبيرا.
لم يتردد الوالي وأخرج من جيبه عشرة دنانير لشراء الزير وعمل سقيفة تحميه من حر الشمس , تلقف أحد الحاشية المبلغ لينفذ المشروع ويشرف عليه بنفسه وذهب الوالي الى بيته فرحا بهذا المنجز , وبعد بضع سنين تذكر الوالي الموضوع وقرر الذهاب الى موقع سقيفة الزير ليرى ما آلت اليه الأمور ولم يجد السقيفة ووجد مكانها بناية ضخمة مكتوباً عليها بخط عريض ( أدارة عموم الزير وبلغة العصر الحالي المديرية العامة للزير ) , تفاجأ الوالي ولم يكن يتوقع أن هذا المشروع الخيري يكبر بهذا الشكل , وتسآءل عن كيفية تم تغطية هذا التوسع ودخل الى داخل المبنى وفوجئ بموظفي الأستعلامات الذين وقفوا له أحتراما ووقف له مجموعة من الموظفبن والمنتسبين فرحين بهذا المنجز العظيم وتجول الوالي في غرف المبنى الفخم ثم أراد أن يتفقد الزير الذي تبرع به من ماله ولم يجد شيئا وسأل فأخبر بأن الزير قد أرسل للصيانة قبل سنتين. خرج المسكين غاضبا وعلم بعض الساكنين قرب المبنى بوصول الوالي وسألهم فقيل له أنه بعد فترة من المشروع قرر القائمون تقاضي رسوم على الخدمات وبعد التوسع زيدت الرسوم بأضعاف مضاعفة بحيث قرر الناس ترك الزير والتوجه بأنفسهم الى شاطئ النهر كما كان سابقا , فوجئوا بعدها بفرض رسوم وضريبة على كل من ينزل الى الشاطئ للأستسقاء لغرض تمويل مصاريف أدارة عموم الزير لم يعرف الوالي ماذا يفعل تجاه هذا الفساد وانتهت القصة. وكان هذا أول خطوة في تعظيم الموارد الذي لم نكن نعرفه سابقا حيث كانت الدولة تغطي مصاريف الخدمة العامة مجانا.
كم كنت اتمنى لو أن الوالي أتخذ خطوات جادة لآصلاح هذا الفساد وخلق أستثمارا منتجا لتوسيع هذا المشروع وزيادة أعداد الزير وطرد الطفيلين والمنتفعين وايجاد مشاريع لهم بعيدا عن مشروع الزير وأعادة المجانية للجماهير العطشى.
تذكرت هذه القصة عندما أشتدت بدعة تعظيم الموارد وتعظيمها هو فرض ضرائب وغرامات على مشاريع بسيطة بل متهالكة بسبب الظروف الحالية , بل أن الغاء الضرائب قد يحدث نموا كبيرا في الأقتصاد الوطني ( كما فعلت الكثير من الدول ) حيث ستزيد السيولة وتزداد القوة الشرائية للمواطن والكثير من الأمور التي لا أود الخوض بها فهي من أختصاص الأقتصاديين ولكن سنتكلم عن شريحة واحدة نعتقد أنها من أهم الشرائح التي قد تصل أيراداتها الى مبالغ ضخمه جدا وتشغيل الألوف من الشباب العاطل ذوي الخبرة في اللغات ,الحاسوب والعلاقات العامة وغيرها .أننا نتكلم عن قطاع السياحة حيث أنه من الناحية النظرية ممكن أستقدام 30 مليون سائح سنويا بعد أستكمال بعض البنى التحتية كفنادق الأربعة والخمس نجوم ووسائط نقل حديثة وصيانة بعض المواقع الأثرية والدينية واقامة أماكن سكن فندقية قرب هذه المواقع , ولكن مكاتب السفر والسياحة ترى نفسها مكتوفة الأيدي بسبب عدم قدرتها على التحرك لكثرة النفقات والضرائب وزيادة بدلات الأيجار بصورة رهيبة , فاضافة الى ضريبة الدخل والتي لاتراعي نفقات المكتب هناك غرامات وأجور سنوية من الهيئة العامة للسياحة ومسجل الشركات وأمانة بغداد التي تسد مدخل المكتب بكتلة كونكريتية في حالة عدم أستطاعة الشركة التسديد بسبب تقلص الطلب , ودخلت على خط الضغط على المكاتب غرفة تجارة بغداد ونقابة المحامين وقد يدخل قريبا غيرهم لتدمير هذه المهنة التي نريد لها أن تكون رافدا أقتصاديا للبلد.
مقترحنا بسيط جدا وممكن تنفيذه بسهولة بعد أصدار قانون بهذا الخصوص وهو فرض ضريبة واحدة قدرها عشرة دولارات لكل مسافر مغادر من المطارات العراقية يخصص نصف هذا المبلغ للضريبة العامة ودولار واحد للهيأة العامة للسياحة ومثله لمسجل الشركات ودولارين لأمانة بغداد أو مايماثلها في المحافظات ودولار يوزع بين نقابة المحامين والغرف التجارية وغيرها.لنتصور أننا حققنا الهدف بزيارة ثلاثين مليون سائح فأن الهيئة العامة للضرائب ستحصل على 150 مليون دولار سنويا وهكذا بالنسبة للبقية بنسب مختلفة.أن اصدار مثل هذا القانون سيسهل جمع وتوزيع الأموال ولا يحتاج الى جيش من الموظفين والمدققين وآلاف الاضبارات
التي تتكدس في رفوف الدوائر المعنية .
الخلاصة تعضيم الموارد لا يأتي الا بالغاء الغرامات والضرائب، هذا فيما يخص شركات السفر والسياحة.

















