أيها الولد الرسالة الثانية والثلاثون – مقالات – ناجي التكريتي
ربما تفكر انك لو تبقى حياً، ولم يكن هناك موت ينتظرك ولا فناء، كان ذلك خيراً لك خيراً على الدوام.
ايها الولد– لو شغلت نفسك بالقضايا الحياتية فذلك اجدى لك وأنفع مما تفكر فيه، سواء آكنت واعياً، ام حين تتراّى لك بعض الاخيلة، في لحظات احلام اليقظة، او ربما في لحظات الاستغراق في اديم السرحان.
ايها الولد– ان فكرة الخلود قد ناقشها جدك الكبير كلكامش، ثم كف عنها عن رضا وقناعة، او ربما حدث له ذلك بفعل التأمل والتفكير، في سبر غور ما هو موجود.
ايها الولد– ربما انك تذكر، انني حدثتك في رسالة سابقة، عن كونك انساناً تقف في نقطة ارتكاز يطلق عليها لحظة الحاضر، تكون وسطاً بين ماض ومستقبل.
الححت عليك- بحسب ما أذكر- ان تعمل لحاضرك، بكل ما اوتيت من نشاط وقوة، على ان تستلهم وتعتبر باحداث الماضي، وفي اللحظة ذاتها تستشرف رؤى المستقبل.
ايها الولدلامجال للتحدث عن استحالة الخلود للكائن الحي في هذه الرسالة الصغيرة، فحسبك ان تعمل باخلاص رجل فاضل في المجتمع، وغايتك ان تحقق الخير للجميع من دون استثناء.
اعلم ايها الولد، ان سعادتك لا تتحقق بالتفكير في البقاء وغير ذلك من الافكار الماورائية، التي طالما تراود كثيراً من الناس، خلال ساعات الوعي، او ربما في لحظات يسيطر اللاعي على الانسان، فيغرق في هذه مثل الافكار، او ربما تستغرقه بعض الخيالات.
كن انساناً مثتجاً يعود نفعه للآخرين، وابتعد عن الحاق الاذى باي انسان تكون انساناً طبيعياً متوازناً، قد تحقق السعادة، وقد ترفرف فوق جبينك معالم الحكمة، ومن اوتي الحكمة، فقد فاز فوزاً عظيماً.
لعل اجمل ما في حياتك، حين تشعر بالرضا عن النفس، وتنام نوماً رائقاً، من غير ان تكدرك كوابيس النوم على فعل شرير قد اقترفته خلال ساعات النهار.
لعل اسعد لحظات حياتك، حين تكون مطمئن البال، لانك قد تحررت من مطالب الجسد الثقيلة، واجتهدت كلك وفق ما يهديك اليه عقلك.
ايها الولد، لا تواصل النظر في المرآة لترى جمال صورتك، ولا تأخذك الخيلاء لرشاقة جسمك، اولا يأخذك البطر حين جنيت مالاً وفيراً.
اعلم انك بالنفس انسان، وكل ما ذكرت من ظواهر مادية، فهي زائلة ذات يوم، ولم يبق منك الا جوهرك الذي يتمثل بالعقل، الذي استطاع ان يخلصك من ادران النفس وأثقال الجسد.