أين ذهبت أموال العراق (2)

أين ذهبت أموال العراق (2)
في قطاع البطاقة التموينية الأمر يحكي فساداً مريعاً، ومؤلماً لا يكشفه ما جرى من فضائح وزير التجارة السابق فقط، فما كشف في البرلمان هو جانب محدود جداً منها، فهناك ما هو أدهى وأمر!! فمجلس النواب أعطى لوزارة التجارة خلال هذه المدة ما يقرب من 19 مليار دولار على أساس أن يتمكن المواطن من استلام 12 مادة من مواد البطاقة التموينية في كل شهر، وهذه المواد هي: الطحين، الرز، الصابون، الشاي، العدس، الدهن، الزيت، السكر، الحليب، مسحوق الغسيل (تايد)، الفاصوليا، الحمص!!.
ولكن ياترى ماذا يستلم المواطن؟
وماذا استلم خلال هذه المدة؟
نعتقد إن المواطن حينما يقرأ ذلك سيضحك بتهكم وألم كبيرين، فهو يعرف إن الحصة التموينية لو وصلت، فهي في أحسن حالاتها لن تتجاوز 4 أو 5 مواد، هذا إن وصلت!! أما البقية فهي حديث خرافة يا أم عمرو!! والتي تصل فهي غالباً ما تكون من أسوأ النوعيات، وقصص الشاي الفاسد، والزيت المنتهي مدته، والحليب الإكسبايرد وأمثال ذلك الكثير من القصص الواقعية ألفتها غالبية البيوت واعتادت عليها!!
والأنكى والأدهى والأمر أن السيد المالكي يعلم إن وزارة التجارة في عام 2009 لم تموّل البطاقة التموينية من أموال مجلس النواب، وإنما موّلتها بأموال التجار العراقيين وغيرهم!!، وهي لحد الشهر العاشر من العام الماضي كانت مطلوبة ملياراً و300 مليون دولار لهؤلاء التجار بعد أن حبست أموالهم لمدة سنة كاملة وبعضهم أكثر من ذلك، ولك أن تعرف إن مجلس النواب ووزارة المالية سلمت وزارة التجارة هذه الأموال بشكل كامل، فأين ذهبت الأموال أيها السادة؟!
ولماذا كلما رفع أحد من النواب عقيرته على مثل هذه الأمور ارتفعت أصوات التخوين له وألصقت به صفات التآمر والعمالة؟ ولماذا دوماً هناك تهم جاهزة إعلامياً وسياسياً لكل من يتكلم عن أمور الفساد في الحكومة مع إنها أبين من الشمس؟! ولقد خصص البرلمان عبر السنوات الأربعة مبلغ (11،3) تريليون ديناراً لقطاع التربية، أي ما يقرب من (9،5) مليار دولار، ويفترض بمثل هذا المبلغ أن يكون كافياً ليغطي مساحة كبيرة من مدارسنا ومناهج التعليم لدينا ويتنعم أبناؤنا بمدارس فارهة ومقاعد مريحة وكتب ووسائل تعليمية جميلة الإخراج، عالية المضمون، ولكن ماذا حصل بالواقع؟
لو حذفنا المدارس التي بنتها مجالس المحافظات، ولو حذفنا أموال المساعدات الدولية لوزارة التربية، فإن من أهم وقائع التربية في عهد السيد خضير الخزاعي أنها لم تستطع أن تبني أكثر من 26 مدرسة فقط، نعم أصلحت بعض المدارس ورممت أخرى، ولكن كمدرسة صممت وبنيت وأثثت كاملة من الوزارة، فهذا مالم تفلح الوزارة بتحقيقه إلا بنحو ذلك العدد الضئيل، فها هو الواقع يكشف إن النسبة متدنية بشكل مريع جدا، وجميع العوائل تعرف إن إمكانات الرفاه البسيط في الغالبية العظمى من مدارس العراق لا وجود لها، ولو تحدثنا عن المرافق الصحية للطلاب وطبيعة الصفوف وإمكانات التدفئة والتبريد ومستوى المعلمين ومدى العناية بالطالب وهي أحاديث مهمة للغاية في كل قطاعات التربية في العالم.
إلا إننا متأكدون من إن الغالبية العظمى من عوائلنا سيعدون هذا حديثا مترفا، بل ربما بعضهم سيستغرب أن يكون في المدرسة مرافق صحية أو ستائر أو وسائل تدفئة وتبريد مهما كانت بسيطة، لأنهم اعتادوا على أن تكون المدرسة بلا مرافق صحية لأولادهم، ولو كان ثمة شيء من هذا القبيل، فهي بلا ماء وبلا كهرباء، ولا يسألن أحداً عن التبريد والتدفئة لفلذات الأكباد وهم يرتادون مدارسهم، فهذه من الأسئلة العبثية التي لا جدوى من طرحها، رغم إنها من حقهم البسيط والبسيط جداً على الحكومة، وها هي عقدة العوائل اليوم مع أولادها فهي إما أن يكون لديها مال لكي تؤمن المدرسين الخصوصيين بأسعارهم الباهظة، وإما أن تضطر لكي يكون تعليم أولادها بمستوى هابط جدا هذا، وإن وزارة التربية لم تضع إزاء تلك الظواهر، كعدم مبالاة المعلمين بحجة هبوط المستوى التعليمي العام، ولم يبذلوا جهداً كافياً بغية الرجوع إليهم في الدروس الخصوصية، كما لم تول الوزارة اهتماما حقيقيا بتطوير الكفاءات التربوية، فظلت مستويات الكثير من المعلمين منغلقة بحدود المناهج التي يتولون تعليمها بل وأقل من ذلك…
وما زالت أجور المعلمين غير مجزية بما يليق مع رسالتهم الكبيرة، والأنكى من كل ذلك الإجراءات الجائرة التي اتخذتها وزارة التربية تجاه المعلمين الذين تم تنسيبهم لمناطق بعيدة عن سكناهم، فهؤلاء حرمتهم الوزارة من مخصصات النقل ولم توفر لهم وسائل نقل وتجبرهم على تحمّل هذه المصاريف، وقد يصل في بعض الأحيان معدل ما يصرفه المعلمون على ذلك ما يوازي رواتبهم، وفي كل الأحوال يأكل من رواتبهم مقداراً كبيراً ويظل هؤلاء المساكين يعانون بقية أيام الشهر. أما حديث المناهج التدريسية، فحدث ولا حرج فما زالت لا تدرس بشكل علمي، وبصورة متكاملة..
وقد تجد في بعض المحافظات لا تتورع من توزيع بعض نسخ الكتاب في طبعات سابقة ما زالت تحمل صور الطاغية صدام، وأفكاره المبثوثة هنا أو هناك، فدروس التاريخ والتربية الإسلامية لم تنقّ من الخطاء التاريخية، ولم يحذف منها ما يذكي الروح الطائفية فمواضيع كالصلاة وكيفية الوضوء ما زالت هي هي لم يُراع فيها خصوصيات كثيرة.. وبقي منحازاً لفئة دون الأخرى.
والعجيب إن هذه الأسئلة كل ما طرحت على السيد الوزير يرفع عقيرته بشعار أمامك: أعطني مالاً أعطك مدارساً!! ولكن الشيء الوحيد الذي أتقنه السيد الوزير وهو الذي يحسن إلقاء المحاضرات التي تدعو للكفاءة والمواطنة أنه ملأ الوزارة بمدراء عامين من حزبه تحديداً، وهو أكفأ الوزراء قاطبة في هذا المجال، وغالبية التوظيفات كانت مشروطة برضى الحزب، وإلا فعليك الانتظار في الصف ليأتي دورك الذي لن يأتي إطلاقا ما لم يتحرك المال الذي في جيب المواطن لكي ينفق على الموظف الفاسد، وهذا لمسؤوله الفاسد لكي يتم ترويج معاملة ما!!ذ أما قطاع التعليم العالي، فلقد خصص له مبلغ (5،4) تريليون ديناراً، أي ما يقرب من (4،6) مليار دولاراً، وما عدا بعض الإعانات التي تلقتها الجامعات من بعض مجالس المحافظات في الدورات السابقة، إلا إننا لا نجد تغيراً ملموساً وجاداً، ولا زال الواقع يتردى في قطاع التعليم بشكل مؤلم جداً، فالعراق مهد الحضارات، يعاني غالبية طلابه من عدم وجود أماكن دراسية لهم، ولو وجدوها وتخلصوا من الواقع الطائفي الذي هيمن على الوزارة وشعبها، فلن يجدوا أماكن لهم في الأقسام الداخلية في الجامعات، ولو وجدوها فإنهم سيحظون بأردأ الخدمات وبعـضها لا يليق بمستوى طالب في أفقر البلدان، فما بالك ببلد غني كالعراق؟!
أما الحديث عن القطاع الأمني، فلو تجاوزنا مسألة الخرق الدستوري الهائل الذي ارتكبته الحكومة بإرجاعها للقيادات البعثية والأجهزة القمعية السابقة لتتحمل مسؤولية الأمن وهو محرم دستوراً وقانوناً، ومع ثنائنا على أجواء التحسن الأمني والتي ما كانت لتكون لولا تعاون القوى السياسية والمواطنين مع الأجهزة الأمنية، فلنا أن نتحدث عن الفساد المالي والإداري الذي اشتملت عليه هذه الوزارات، ولو قدر للمواطن أن يلاحظ فضيحة أجهزة كشف المتفجرات التي موّلت من دماء المواطنين لكي تحفظ هذه الدماء وتصونها، لا لكي تكون صماء خرساء أمام مجازر الأربعاء والأحد والثلاثاء والاثنين الدامية!! فإن ما لم يره المواطن ويعلم به العديد من المسؤولين مقرف جداً، ومن الحق أن يوضع أمام المواطنين صوراً بسيطة عما يجري وعليه أن يتساءل عن السبب، فلقد تم اكتشاف فضيحة أن وكيل وزير الداخلية كانت شهادته مزورة، وقد كان وقد رفّعت درجة الوكيل عدنان الأسدي إلى درجة فريق! والسيد الأسدي يتحمل مسؤولية المال والإدارة في الوزارة، نقول: بعد اكتشاف هذه الفضيحة وبغية التستر عليها، قدّم الوكيل استقالته في مطلع الشهر الثاني من هذا العام، ولكن لماذا تم إحراق مكتبه في الوزارة في نفس الوقت؟ على ماذا كان يتستر من أحرق هذا المكتب؟
امنيه السامرائي – بغداد
AZPPPL

مشاركة