ذكرياتي 58
أول لقاء لي مع تركي الدخيل – نصوص – عبدالرزاق عبد الواحد
كنت مدعواً إلى الإمارات من قبل بعض الإخوة العراقيين من الأنبار وعلم صاحب المقابلات الشهير تركي الدخيل بوجودي في الإمارات فاتصل بي في الفندق الذي كنت أقيم فيه طالباً أن يعقد لقاء معي فوافقت .
هنا عليَّ أن أعترف بأنَّ أكثر من شخص واحد حذروّني من تركي الدخيل .. قالوا : إحذر هذا الرجل ، فهو سيستفزك لأنه يبدأ جميع مقابلاته هكذا .
قلت : أنا ليس عندي ما يستفزّني عليه. وحضرت إلى المقابلة، وكانت زوجتي أمّ خالد معي ، جلست خارج الستديو كان تركي ـ في بدايته فقط ـ مستفزاً كما وصفوه !
قال : أنت مدحت صدام حسين .. كان هذا أول شيء قاله!..
قلت : أنا لم أمدح صدام ! .. قال : ماذا ؟؟ .. وكّل هذه القصائد التي ملأت دواوين عدة ماذا تسّميها ؟؟.. قلت : هذه قصائد عشق وليست قصائد مديح .. أنا أعشق هذا الرجل. أعترف هنا أن تركي أخذتْ منه المبادأة ، وسأعتذر إليه وأنا أفعل : كان يعتمد على هذا الإستفزاز ، ولكن السّحر أنقلب على الساحر ! ..
ربما أعجب ّ هذا الإنسان الجريء من جرأتي ! .. ربّما أُجبَ من صدقي وصراحتي .. ولكنّ المقابلة جرت بنا بعد ذلك بأصدق مايكون ، وبأعمق مايكون !!
أذكر أني حين تحدثت عن الحكمة في شعري قلت له :
إذا أردت الحديث عن الحكمة في الشعر العربي كلّه ، فَضَعْ امامك
ثلاثة شعراء : المعري \ والمتنبي \ وعبد الرزاق عبد الواحد (*)
وألغى ِ جميع الشعراء الأخرين ! .
(*) أردت أن أحصي أبيات الحكمة في شعري فوصلت إلى قرابة 570 بيتاً وتعبت.. قلت سيأتي من يكتب رسالة عن الحكمة في شعري ويحصيها كلّها !.
…………………………………
رسالة الى تركي الدخيل
ياتركي الرجل العزيز .. ربما كنت لا أتذكر جميع تفاصيل مقابلتنا ولكنك ـ بالتأكيد ـ تتذكر معظمها.اذكر عندما قرأت لك قصيدة (إهداء) وعلّقَتْ زوجتي على أحد أبياتها ، صرت تعلق أنت عليه نفس تعليقها وسأذكرك بالقصيدة :
حكيت لك هذه الحكاية :
في يوم صيفي َّ قائظ من أيام تموز بغداد ، قرعِتْ عليه بابُ مكتبه ..
رفعَ عينيه فرآها واقفةً على الباب وفي يدها آخر ديوانٍ من دواوينه ، وكان قد صدر قبل أيام .
كانت مشخلعةً بشكل لايوصف .. كان نصف جسمها عارياً .. تماماً كما ورد في القصيدة . قال : تفضلي ، فدخلت وهي تتمايل بغنج والديوان في يدها .. وبلهجة عراقيه مفرطة في الدَّلَع والدّلال قالت :
أستاذ .. إنته ماأهديتني هذا الديوان .. آنه اشتريته بفلوسي )! ..( كَلتلهه ) آنه وين شايفج وأهديلجياه ؟؟….كَالت : المهم آنه جايبته حتى تكتبلي عليه إهداء … فأمعنت فيها النظر وكَلتلهه : أكتبلج عليه غزل . كَالت : ياريت ! . كَلتلهه آنه اليوم حتى سكرتيرتي مجازة .. هذي غرفة الخدمات .. إذا سمحتي تضيفّين نفسج وتضيّفينّي ويّاج تسّويلنه اثنيّنه كَهوة مابين ما آنه أكتبلج الإهداء ). فوافقتْ ، وكان قصيدة عنوانها (إهداء) نشرت في الديوان اللاحق .
إهــــــــــــداء
لأجملِ ما بوجهِ الناسِ أجمَعهِم من المُقَلِ
إلى الأشهى من العَسَلِ !
إلى شفَتين جلَّ اللهُ صاغهُما على مَهَلِ
وقال خُلقتُما لأثنين للهَمَساتِ والقُبلِ
لِشعرِ جِدّ مُنسدِلِ
لفتانةٍ كأنَّ الليل مرَّ بها على عجَلِ
فقطّرَ فوقَ وَجنتيِها رحيقَ ظلامِهِ الثَّملِ !
وفوقَ ذراعِها الخَضِلِ !
ونتَّ على ترائبِها وحولَ مكامنِ الحَجَلِ
قطراتٍ منَ البَلَلِ
فصارَ الجسمُ أجمعُهُ قناديلاً من الجَذَلِ
مسوّرةٌ بألفِ وَلي !
إلى من أنطقَتْ خَجَلي إلى الكسلى بلا كَسَلِ ! إلى جسمٍ كغُصنِ البان لم يقصُرْ ، ولم يَطلِ
فُتِنتُ به من القَدَمين للتّاجَينِ .. للكُفَلِ
إلى مَن لا أسمّيها لكي لا تتّقي غَزلي !
ويجعلُنا بَهارُ الهند نعشقُها من الأَزَلِ
إلى شوقٍ بلا أمَلِ
سوى أنّي أظلُ أذوبُ في صمتٍ ، وفي وَجلِ
عسى أن تفهمي يا أنتِ كم عانى ، ولم يَزَلِ
خُطاه جميعُها ارتبكتْ وكلُّ دروبهِ اشتبكتْ
فلو حاولتِ أن تَصِلي !
…………………..
قالت : أستاذ أكتب الإهداء على الديوان .. قلت لها : (لا أقرالجيا.. إذا رضيتي عليه أكتبه).
وقرأته فطارت به فرحاً . (كَالت أكتبه أستاذ). كتبته أخذت الديوان
وقالت : (آنه بعد أوصل يَّمك ؟! شيوصلّني) ؟!
هنا أعود إلى منتصف القصيدة .. عندما قلت إلى من أنطقت خجلي ..
علقَّت أم خالد : (خجول خطّيه) !!
وظلّ تركي الدخيل كلّما أعدتُ عليه هذه القصيدة ووصلت إلى هذا البيت يقول بسخريه عذبةٍ محبوبةٍ حدَّ اللعنة : خجول !!
ياتركي :: أقسم أنّه كان أعمق لقاء ، وأكثر لقاء مفعمٍ بالحيوية أجريته في حياتي .. ولكنك لم تكرّره للأسف !.. على انك بعده انزرعت في قلبي، وأخذتَ تورق فيه حتى غدوتَ دوحةً مليئةً بالمحبة والإعجاب !!
الأن ياتركي الدخيل …
هل أطمح أن نلتقي مرّةُ أخرى في خضمّ الأحداث الجسيمة التي تحدث للأمة بأسرها ؟ .. ألا تستحق أن نقول عنها شيئاً الآن ؟!).
أخوك
عبد الرزاق عبد الواحد
عمان
في 8\ 11\2014
الساعة الثالثه فجرا


















