أول عاصمة للمغرب أسسها الإدريسي الهارب من بغداد وكانت مقر عرب الأندلس المتقهقرين من إسبانيا
فاس تعايش فيها المسلمون واليهود ونهرها على قائمة التراث العالمي منذ 3 عقود
الرباط ــ فاس ــ الزمان
على سفح جبل زلاخ وعلى مشارف هضبة سايس الفسيحة في الشمال الشرقي للمغرب، تظهر العدوتان شطرا مدينة فاس ، تزينها الصوامع وقباب القصور وسطوح الأبراج العالية التي أقيمت خلال فترات تاريخية مختلفة حتى تحفظ أقدم مدينة في المغرب، وأول عاصمة سياسية في بلاد المغرب الأقصى وقطبه المعرفي والثقافي، فـلا يذكر المغرب إلا مقترناً بمدينة فاس ، بل إن المدينة أعارته اسمها وأضحى المغرب فاساً . فاس التي يقسمها نهر يحمل الاسم نفسه وصنَّفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو عام 1981 باعتبارها تراثاً إنسانياً، أسسها المولى إدريس الأول عام 789م والذي قدم من بغداد فاراً من العباسيين، وفيها بدأ في إقامة أول دولة موحدة في تاريخ المغرب الدولة الإدريسية والتي اتخذت من فاس عاصمة لها، لينتهي بذلك صراع بين القبائل الأمازيغية والدويلات التي كانت تظهر بين الحين والآخر على أرض المغرب. واستكمل بناءها ابنه المولى إدريس الثاني، وفي عهده عرفت ازدهاراً اقتصادياً وسياسياً كبيراً بسبب استقرار الدولة الجديدة وتوطين ركائزها. المدينة كانت حلقة وصل بين حضارات وشعوب التقت في حاضرة فاس لأول مرة، فأهل المغرب الأمازيغ سيتعايشون فيها مع المسلمين العرب القادمين من بلاد الشام والعراق ومن مصر والقيروان، ليقيموا أولى عدوتي فاس عدوة القيروان . مع بداية تداعي الحكم الإسلامي في الأندلس استقبلت العدوة الثانية لفاس أهل الأندلس مع بداية سقوط إمارات ملوك الطوائف، وأطلق عليها عدوة الأندلسيين ، كما اشتهرت فاس بملامح يهودية، أبدع فيها اليهود المغاربة في صناعات وحرف لا تزال مصدر شهرة للمدينة. وأصبحت بذلك المدينة مثلاً حياً على قصة تعايش فريدة بين مكونات حضارية شتى، أمازيغية وعربية وأندلسية ويهودية، جميعها تشكل الخارطة الثقافية للمغرب في مختلف الحقب التاريخية اللاحقة. المدينة المطوقة بثلاثة عشر باباً، أشهرها يعود لزمن الدولة الإدريسية كباب الفتوح وباب الجيزة وباب الصمارين، وتعد ثالث أقدم عاصمة في شمال إفريقيا بعد القاهرة في مصر والقيروان بتونس، لكن الوضع السياسي والعسكري في المنطقة برمتها كان محكوماً بالسيطرة على فاس وعلى مداخلها، فأغلب الإمبراطوريات التي تعاقبت على الشمال الإفريقي المرابطين، الموحدين، المرينين كانت بداية حكمها تنطلق بتسلم مفاتيح المدينة وبسط اليد على أبوابها. وفي مدينة فاس استقر أشهر الفلاسفة والعلماء الذين عرفهم الغرب الإسلامي، وفي مدارسها العتيقة التي تستوطن كل حي وزقاق تلقوا تعليمهم، فبجوار أزقة العطارين تطالع الزائر أبواب مدرسة العطارين وفي نهاية حي الشماعين تستقر في زاوية ضيقة مدرسة الشماعين. إلى جانب مدارس شهيرة أخرى كان يتوافد عليها طلاب العلم من الشرق الإسلامي وغربه، كجامعة القرويين والمدرسة البوعنانية وغيرهما من المكتبات القديمة التي تؤثث أحياء فاس العتيقة، المدينة نفسها تضم قبور شعراء وأدباء وملوك من زمن الأندلس، كالشاعر الأندلسي مالك بن المرحل والأديب والشاعر الأندلسي ابن خفاجة والوزير الغرناطي لسان الدين الخطيب وغيرهم. على صعيد آخر تعد الحرف اليدوية هي بطاقة تعريف كل مدينة مغربية تشتهر بها، ترسم لها هويتها الخاصة، وتتضافر هذه الهويات لترسم الهوية المغربية التراثية المميزة، وشبح اندثارها يؤرق أصحابها أكثر مما يؤرقهم قلة عائدها المادي في ظل الأزمات الاقتصادية والأوضاع المحيطة. والصناعات الحرفية التقليدية، كدباغة الجلود، والمشغولات الفضية، والخزف، تتوزع في دكاكين صغيرة توجد بالمدن العتيقة، أقام فيها أصحابها ورشاً لعدد لهذه الصناعات التي يشتهر بها المغرب، فكما أنها مصدر دخل رئيسي لعدد من الأسر، فهي كذلك قوام اقتصاد عدد من المدن المغربية التي يعتمد دخلها بشكل كلي على السياحة وعلى إقبال السياح الأجانب على ما ينتجه أهلها. في أحد الدكاكين في زقاق عتيق بالعاصمة الرباط، ينحني على وهو يطرز بعناية قطعة جلدية، يشذب قطعا أخرى بسرعة ومهارة، يتأمل ألوان رسومه المرسومة على الجلد، ويبدو مطمئنا لنتيجة يوم طويل من العمل في الورشة، يبدأ في الصباح الباكر ولا ينتهي إلا في وقت متأخر. وطول اليوم ليس لأن درجة الإقبال على المنتجات عالية، بل لأن الحرفة صعبة وتتطلب مراسا وصبرا ، بحسب ما يقول سعيد 31 سنة ، العامل في أحد محال صناعة الجلد بالرباط لـ الأناضول . وترسم كل صناعة تقليدية لكل مدينة مغربية تتميز بها هوية خاصة، تعد بمثابة بطاقة تعريف لها، تثري الصورة والذاكرة التراثية المغربية، فأهل فاس، شمال غرب البلاد، مثلا مشهورون بالدباغة، وأهل آسفي، وسط، بصناعة الخزف، و أهل مراكش، جنوب، بصياغة الفضة. وفي إحدى الورش، يقف المعلم علي 70 سنة بتجاعيده البارزة والسواد الذي يصبغ أسفل عينيه، ممسكا بمقص يقطع به قطع الجلد، ترتعش يداه، وتفسد القطعة، ويكرر المحاولة مرة ثانية. ويقول لـ الأناضول منذ أكثر من 40 عاما وأنا أعمل في هذا الدكان، علمت عدد من الحرفيين أصول المهنة، ولكن للأسف الرعيل الأول من الحرفيين هم ذوو الخبرة والاتقان.. وعدد من الحرف التقليدية مهددة بالانقراض حال غيابهم . ويعمل مع المعلم علي في الورشة حفيداه اللذان اختارا أن يمتهنا ذات الحرفة، ويقول إنه على الرغم من الدخل الضعيف لهذه المهنة ولكنه شجعهما على تعلم أصولها حتى لا يضيع تراثها العريق ويندثر معه جزء من تاريخ المغرب. وكان وزير الصناعة التقليدية، عبد الصمد قيوح، قام بزيارة أواخر السنة الماضية مع رجال أعمال مغاربة لعدد من دول الخليج العربي بهدف الترويج للصناعات التقليدية المغربية والبحث عن سوق جديدة بعد أن انعكست الأزمة الاقتصادية في أوربا على حجم إقبال السائحين الأوربيين على هذه الصناعات. وتقول الحكومة المغربية إنها تعمل على إنعاش قطاع الصناعة التقليدية الذي يشغل حسب آخر إحصاءات رسمية ما يقدر بـ 1.2 مليون صانع، ووضعت الدولة استراتيجية في أفق سنة 2015، تهدف إلى دعم العاملين بالقطاع ومساعدتهم على التعريف بمنتوجاتهم وتسويقها، إلى جانب دعم خلق مقاولات صغيرة أو متوسطة، في خطوة لتنظيم العاملين وخلق تنافسية أكبر للمنتوج التقليدي المغربي في الخارج.
زيادة أعداد السياح
وفي زاوية معزولة، وعلى ضوء شحيح، يواصل المعلم عبد الصمد عمله لوقت متأخر من الليل.
ويقول لـ الأناضول إن الصناعة التقليدية بالنسبة إليه، ليست فقط مصدرا للرزق يصارع من أجله إلى ساعات الصبح الأولى، ولكن هواية يمارسها بكل حب وتفان، فحين ينتهي من تزيين قطع الجلد على ما يقول لا يقدر الثمن الذي سيبيعها به في الغد، بل يغمر قلبه فرحة عارمة.
وزار المغرب 10 ملايين سائح في أول 11 شهر من العام الماضي، وفق وزارة السياحة المغربية.
وقالت الوزارة في بيان صحفي صدر الاثنين إن عدد السياح الذين توافدوا على المغرب حتى نهاية تشرين الثاني الماضي وصل إلى 10 ملايين سائح مقابل 9.43 مليون سائح في عام 2011 . وأضافت الوزارة إن هذه النتيجة الإيجابية تحققت للزيادة التي سجلت في عدد السياح المتوافدين على أبرز المدن السياحية في البلاد، وفي مقدمتها مراكش وسط المغرب وأكادير جنوب المغرب . وأوضح البيان أن الحكومة المغربية خصصت في العام الماضي ما يتجاوز نحو 14 مليار درهم، ما يعادل مليار و647 مليون دولار لتنفيذ مشاريع لتقوية البنية التحتية الفندقية في أبرز المناطق السياحية بالبلاد. ويأتي الكشف عن هذه الأرقام بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان وزارة السياحة المغربية، مساء الجمعة الماضي، عن تسجيل ارتفاع بنسبة 20 في حركة إشغالات فنادق المغرب في نوفمبر تشرين الثاني الماضي . ومن جانبه كشف لحسن حداد، وزير السياحة المغربي، مساء أمس، عن إعداد وزارته خطة للنهوض بالسياحة المغربية في المناطق التي يجتاز فيها هذا القطاع مرحلة صعبة، مثل مدينتي ورزازات وزاكورة جنوب البلاد ، غير أنه لم يكشف عن تفاصيل هذه الخطة، مرجحا أن يتم الكشف عن كامل معطياتها قريبا. وأضاف حداد أن الخطة تنبني بالأساس ترويج المنتج السياحي لهذه المناطق، والعمل على تكثيف الرحلات الجوية المتوجهة إليها أسبوعيا لتمكينها من جذب أكبر عدد ممكن من السياح في العام الجاري. وكانت الفنادق المغربية اشتكت في اول 10 شهور من العام الماضي من تراجع حركة الإشغالات، وطالبت شركات سياحية وزارة السياحة المغربية باتخاذ إجراءات عاجلة لإنعاش القطاع. وأطلق المغرب، قبل عامين، خطة للنهوض بالقطاع السياحي تراهن على جذب 20 مليون سائح بحلول عام 2020.
وتتضمن الخطة، دعم البنية التحتية السياحية بإنشاء محطات سياحية كبرى في عدة مدن، تم افتتاح اثنين منها حتى الان، إحداهما بالسعيدية شمال المغرب ، والثانية بالجديدة وسط المغرب ، وينتظر أن تفتتح قريبا محطة ثالثة بأكادير جنوب البلاد ، إضافة إلى ترويج المنتج السياحي المغربي بالخارج.
AZP07