أول رئيس لجامعة بغداد

عبد الجبار عبد الله       (2)

أول رئيس لجامعة بغداد

نتيجة للتدخلات السياسية بشأن الجامعة بذل الدكتور عبد الجبار عبد الله جهوداً مخلصة لإبعاد الجامعة من المعترك السياسي وتدخل السلطة، وحاول أن يضفي الاستقرار على السياسة التعليمية .أقيل من منصبه واعتقل في عام 1963 بعد انقلاب شباط وأحيل على التقاعد عام 1964 ونتيجة للمضايقات واتهامه من قبل السلطة الحاكمة بانتمائه لحزب محظور آنذاك قرر المغادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بقي هناك يعاني الغربة ويعيش اشتياق لا يوصف بحسب المراسلات التي بينه وبين أصدقائه في العراق.

 ورغم صدور قرار عودة الكفاءات العلمية والذي شمل الدكتور عبد الجبار بموجبه لكن مرضاً عضالاً كان قد الم به خلال السنوات الأخيرة من غربته في أمريكا منعه من الرجوع إلى العراق. وبين أمل العودة والشفاء قطعت إذاعة بغداد بث برامجها ضحى اليوم العاشر من تموز 1969 لتذيع الخبر المؤسف وهو انتقال العالم العراقي الكبير الأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله إلى جوار ربه توفي يوم التاسع من تموز عام 1969 في الولايات المتحدة الأمريكية تم نقل جثمانه إلى العراق بطائرة خاصة وفي يوم 13 تموز جرى تشييع مهيب له شارك فيه وزير الصحة آنذاك ورئيس جامعة بغداد وعمداء الكليات وجمهور من المواطنين وبعدها تم نقل الجثمان إلى مثواه الأخير في مقبرة عائلته في أبي غريب بناءاً على وصيته. نعاه صديقه وقريبة الشاعر المعروف عبد الرزاق عبد الواحد بقصيدة نقتطف منها الأبيات الآتية: قالوا وأنت تموتُ .. كـانت مقلتاك تُرفـرفانِ كحمامتين غريقتينِ عن العمـارة تبحثــانِ ! وبقيتَ حتى أخرِ الأنفاسِ تلهج في حـــنانِ لو نسمةٌ هبت بقلعـةِ صالـحٍ لك بالأمــانِ ! لو نهرُها ناداك أخرَ مرةِ .. والشّــــاطئانِ لو طوقاكَ فنمت في حُضنيهما والفجـرُ دانٍ فترى إلى شمسِ العراقِ ومقلتاك تحــدرانِ مشوبة هي في المياهِ وأنتَ مشوبُ المحـاني! كانت له انجازات علمية في التأليف العلمي الأكاديمي فله عدة مؤلفات في هذا المجال لا مجال لذكرها إلى جانب عمله في لجان الترجمة التي شكلها المجمع العلمي العراقي عام 1948  وترجم العديد من الكتب والمؤلفات إلى اللغة العربية أما نشاطاته العلمية فهي في مشاركته وانتمائه إلى العديد من الجمعيات العلمية المحلية والعالمية لعل أهمها عضويته في (الجمعية الملكية البريطانية للأنواء) وعضويته الدائمة في (الجمعية الأكاديمية للعلوم في نيويورك) وعضويته في (جمعية الفيزياء الأميركية) وغيرها من الجمعيات. عمل الدكتور بجد ومثابرة من اجل امتلاك العراق لمصادر الطاقة الذرية للأغراض السلمية، حيث بدأ العراق بتشكيل أول لجنة علمية للاهتمام بشؤون الطاقة الذرية للأغراض السلمية عام 1957 كان الدكتور عبد الجبار من بين أعضاء هذه اللجنة، وبعد قيام ثورة 1958 تم إعادة تشكيل هذه اللجنة مجدداً فاختير مرة أخرى لعضويتها ليشغل منصب نائب رئيس اللجنة الجديدة. عمل الدكتور عبد الجبار بكل جد وإخلاص في خدمة العراق في هذا الميدان وقدم العديد من الإسهامات والبحوث والدراسات وترجم الكثير من المصادر فضلاً عن دوره في اختيار الموقع المناسب لبناء الفرن الذري للبحوث في بغداد. وراح يقدم العديد من الإسهامات المهمة كان من بينها البحوث والدراسات الخاصة والمتعلقة بالأنواء الجوية عام 1955 التي أثارت ضجة في الأوساط العلمية وقد تضمنت دراسة فيزياء الجو (حيث شكلت نظرياته بتأليف فرع جديد ومهم في الأنواء الجوية وهو فرع خاص بالأعاصير والزوابع). وبعد إحالته على التقاعد وسفره إلى الولايات المتحدة عام 1964 نشر عام 1966 بحوثا عن الأعاصير العملاقة ثم وضع نظرية في مجال الإعصار أكثر تطوراً وقد صور بواسطة الأقمار الصناعية فيما بعد وبسبب انتشاره العلمي وانجازاته الواسعة ادخل اسمه في موسوعة ( who is who science ) العالمية ودخول اسمه في تلك الموسوعة يعني انه أصبح احد العلماء المشاهير في العالم. بدأت انجازات العالم العراقي الفذ عبد الجبار عبد الله ذات الأثر العلمي الكبير مع حصوله على شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية عام 1946 كان اختصاصه العام في الأنواء الجوية أما اختصاصه الدقيق فهو في الأنواء الحركية وهو العلم الذي يهتم بدراسة وتفسير ما يجري من ظواهر جوهرية في الغلاف الجوي الأرضي من خلال تطبيق النظريات الفيزيائية عليها ونظراً لانجازاته العلمية المبهرة رشحته جامعة نيويورك كباحث مرموق لديهاوخلال السنوات ( 1952-1955) قام بالعديد من النشاطات العلمية في أمريكا وأوربا منها قيامة بإلقاء المحاضرات في جامعة أوهايو الأمريكية عام 1953 كما ألقى بحثاً خاصاً عن ظاهرة التورنادو سنة 1955في جمعية المترولوجيا الأمريكية وتمت استضافته من قبل الجمعية المذكورة بصفة (عالم ممتاز) لمدة ثمانية أسابيع عام 1961.

وألقى جملة من المحاضرات الأخرى في جامعات نييويورك وكمبرج. حيث استطاع هذا العالم قبل سواه من العلماء إيجاد طريقة رياضية تمكن الأرصاد الجوي من أن يتنبأ بهبوب هذه العواصف وطريقة سيرها وسرعة حركتها واتجاهاتها قبل وقت من وصولها مما أتاح المجال للإنذار المبكر لتجنب الكثير من الكوارث التي قد تحصل. إن سعة مداركه الثقافية، وموهبته النادرة، وذكاءه الحاد، عمقت وعيه وأهلته لأن يتبوأ بجدارة منزلة العلماء، باعتراف العالم أجمع بعبقريته المتميزة. أشرف على العديد من الدراسات الأكاديمية العليا في أمريكا وغيرها من البلدان حتى آخر أيام حياته ودخل اسمه في أكبر المعاجم العلمية في العالم واحتل مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم.

كان عبد الجبار عبد الله بمثابة سفير علمي متجول للعراق بين الجامعات الأميركية والأوربية ولم ينقطع عن متابعة أبحاثه أو الإشراف العلمي وحضور المؤتمرات العالمية، واستطاع خلال سبعة عشر عاما بعد تخرجه من الدكتوراه 1946 حتى العام 1963 نشر(26) بحثاً علمياً باللغة الانكليزية نشرت كلها في المجلات العالمية الكبرى فضلاً عن دراساته باللغة العربية في المجلات العراقية والمصرية وكانت حصيلته العلمية من البحوث لغاية وفاته قد بلغت ثلاثة وثلاثين بحثاً عدا أطروحته في الدكتوراه كان العالم عبد الجبار عبد الله يجيد إضافة إلى اللغتين العربية والآرامية اللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية. قلده الرئيس الأمريكي (هاري ترومان) وسام (مفتاح العلم) لجهوده العلمية المتميزة وهذا الوسام كان يمنح إلى كبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلمية. وفي الختام أعتقد جازماً بأننا في محافظة بغداد لم نعط لهذا العالم حقه فلم نجد أسمة على شارع أو مدرسة أو قاعة دراسية ولم تتخذ الحكومات المحلية المتعاقبة في بغداد ما من شأنه إبراز دور هذا العبقري العملاق في ميدان العلم والمعرفة وهنا أدعو السادة المسؤولين وذوي الاهتمام بهذا الشأن من أكاديميين ومثقفين وملاكات علمية على المستويات كافة في محافظة بغداد لتشييد نصب تذكاري(تمثال) للدكتور عبد الجبار عبد الله في مركز المحافظة أو داخل مبنى جامعة بغداد وإقامة صورة جدارية كبيرة له في بوابة جامعة بغداد.

امجد جواد كاظم – بغداد