أول رئيس لجامعة بغداد

عبد الجبار عبد الله                         (1)

أول رئيس لجامعة بغداد

يفتقد الرمز . هاتين الكلمتين ربما كانا لهما اثراً كبيراً عليه عندما بحثت عن شخصية لكي اتعرف عليها .السبب الذي جعلني ابحث لاتعرف عنها موقف حصل معي وهو ذات يوم عندما كنت اتمشى في اروقت جامعة بغداد وعند وصولي الى النادي الطلابي جذبتني لافته مكتوب عليها (الى متحف جامعة بغداد) اصبح لدي فضول بان اصل الى المتحف دخلت المتحف وانا متشوق لكي ارى مافيه فكان عبارة عن مجموعة صور لعمداء الكليات ورؤسائها السابقين وجوائز بسيطة حصلت عليها الجامعة لم يعجبني ماشاهدتها خرجت من المتحف .وفي ليلة نفس اليوم وقبل المنام جاء تسائل ببالي بسبب زيارتي الى المتحف هذا التسائل من هو اول رئيس لجامعة بغداد .حاولت ان احصل على معلومة دقيقة عن هذا الرئيس فكان مصدري كتاب بعنوان ( د.عبد الجبار عبد الله … سفير العراق العلمي) للدكتور ستار نوري العبودي التي يتكون من 200 صفحة سوف اتطرق على مايمكن ان يتحمل المقال من نبذة عن هذا العالم الفيزيائي . ولد العالم الفيزيائي والفلكي العراقي الراحل عبد الجبار عبد الله في قضاء قلعة صالح بمحافظة ميسان في الرابع من شهر أيار عام 1911، في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية (الصابئة)، والده الشيخ عبد الله الذي كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة في العراق والعالم أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة قلعة صالح التي تعد أول مدرسة ابتدائية تؤسس في (لواء) العمارة اضطر الانتظار سنة دراسية كاملة قبل أن تفتح أول مدرسة ثانوية في مدينة العمارة وبعد سنتين من دراسته المتوسطة فيها والتي اجتازها بنجاح _كانت الدراسة المتوسطة والإعدادية سنتين فقط لا ثلاث_ أكمل دراسته الإعدادية في (الثانوية المركزية) ببغداد عام 1930، وكان من الطلبة المتفوقين وأظهرت الدرجات التي كان يحصل عليها ميوله إلى المواد الدراسية العلمية إلى جانب ذلك اظهر عبد الجبار عبد الله ميلاً آخر للموروث الثقافي لديانته وحرصه على حفظ نصوص تعاليمها وتراتيلها منذ الصغر إلى جانب قراءاته للأدب العربي بصورة عامة والشعر بصورة خاصة وخصوصاً الجاهلي منه وكان شاعره المفضل بين الشعراء المعاصرين محمد مهدي الجواهري لذا لا نستغرب بان نجد في مكتبة هذا العالم الفيزيائي كتب متنوعة في الأدب العربي كذلك قرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب المصادر العلمية المختلفة ولاسيما تلك التي تتعلق باختصاصه العلمي. ولعل تفوقه في المرحلة الإعدادية ذلك كان سبباً وراء ترشيحه إلى بعثة دراسية خارج العراق وقد شملت هذه البعثة ستة وعشرين طالباً من بينهم عبد الجبار عبد الله إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1930. كان عبد الجبار نجماً علمياً عراقياً متميزاً بين جميع طلبتها، ليحصل بعد أربع سنوات حافلة بالتفوق على شهادة البكالوريوس بامتياز في العلوم الفيزيائية عام 1934، ليعود إلى العراق لممارسة حياته العلمية، وشهد عام 1930 تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج العراق ضمت عبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان إلى جانب عبد الجبار عبد الله وآخرين وكانت هذه الجمعية النواة الأولى لجمعية الرابطة الثقافية التي تشكلت في بغداد فيما بعد والتي لعبت دوراً ثقافياً وطنياً وديمقراطياً وقومياً خلال الأربعينيات من القرن الماضي وأصدرت مجلة (الرابطة) التي شغل فيها عبد الجبار عبد الله مسؤولية (سكرتير التحرير) منذ صدور عددها الأول عام 1944. ومن المفارقات أن يعود عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء حتى عام 1938، بعدها أنتقل إلى وظيفة جديدة في الأنواء الجوية بمطار البصرة حتى عام 1941 وقد عمل بدأب ونشاط حتى احتل موقع معاون مدير الأنواء الجوية في المطار المذكور وعلى الرغم من أن وظيفته في الأنواء الجوية بمطار البصرة أبعدته عن زملائه من رواد الثقافة والفكر السياسي الوطني فانحسرت نشاطاته الثقافية العامة إلا انه عاد مجدداً لنشر مقالاته العلمية في مجلة (التفيض) البغدادية. ويبدو انه اكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للأنواء الجوية، كما منحته إحدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الأنواء الجوية عن طريق المراسلة خلال تلك الفترة. وفي مرحلة مضطربة من تاريخ العراق في أثناء الحرب العالمية الثانية وضمن حملات التعبئة العسكرية التي أقدمت عليها الحكومة آنذاك، ينخرط عبد الله في خدمة الاحتياط كضابط في الجيش (ملازم ثان) يعود بعدها إلى مطار البصرة حتى عام 1941 ومن ثم ينتقل إلى بغداد للتدريس في الإعدادية المركزية لغاية أيلول 1943. وسنحت الفرصة له مجدداً عام 1944 في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية (الفيزياء) من اكبر المعاهد العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك وهو معهد (جامعة) (M.I.T)  وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946 ويذكر انه خلال دراسته الدكتوراه في معهد(M.I.T) استطاع إضافة الفيزياء الرياضية في دراسة الموجات الجوية وبحث من خلالها كيفية توليد الطاقة نتيجة السرع الجماعية وقد طبق نموذجه على أسلوب تكون الأعاصير في المناطق الاستوائية. وأن كل من يريد أن يدرس أو يبحث في علم الأنواء الجوية الديناميكي في الوقت الحاضر عليه أن يبدأ بحل المعادلات الرياضية التي وضعها الدكتور عبد الجبار عبد الله مما يشير إلى مكانته وشهرته العالمية. عاد إلى العراق لتدريس اختصاصه في الإعدادية المركزية ودار المعلمين الابتدائية إلى نهاية عام 1946 حيث انتقل للعمل بصفة أستاذ مساعد في دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) وبقي فيها بعض الشهور وعاد بعدها إلى أمريكا لكون معهد(M.I.T) تعاقد معه عند تخرجه منه للعمل كمدرس فيه وعند انتهاء فترة العقد عاد مرة أخرى إلى العراق بعد أن أنجز عدداً من البحوث كانت مثار إعجاب العديد من العلماء والأساتذة هناك. عمل تدريسياً في قسم الفيزياء في دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) في جامعة بغداد ثم رئيساً لقسم الفيزياء في عام 1949 ولغاية تولية منصب رئاسة جامعة بغداد عام 1959. عمل عالمنا الفذ في العديد من اللجان العلمية في الخمسينيات، كعضويته في اللجنة الوطنية لليونسكو عام 1955، وعضويته لـ(لمجلس التأسيسي لجامعة بغداد). إن مجمل نشاطاته وتعددها أكسبته شهرة عالمية في مجال اختصاصه كعالم فيزياء، شغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها، وكان وجوده في المجلس فاعلاً ونشيطاً وحينها كان الدكتور (متي عقراوي) أول رئيس للجامعة الذي أحيل على التقاعد عقب ثورة تموز 1958 فتم تعيين الدكتور عبد الجبار عبد الله كأول رئيس للجامعة في العهد الجمهوري وثاني رئيس لها منذ تأسيسها عام 1956، بعد منافسة بين عدة شخصيات علمية ومن المفيد الإشارة هنا إلى إن قانون الجامعة الجديد آنذاك كان يعطي الحق لمجلس الوزراء البت في اختيار المرشح المنتخب من قبل أساتذة الجامعة. ونتيجة الخلاف داخل المجلس على الأسماء المرشحة أجريت دراسة وتقييم للمرشحين فوجدوا أن أفضل المرشحين علماً وإنتاجاً فكرياً هو الدكتور عبد الجبار عبد الله وخلال الاجتماع أبدى رئيس مجلس السيادة تحفظاً غير منطقي على ترشيح الدكتور عبد الجبار يقوم على أساس اجتماعي كون العراق بلداً إسلامياً ولابد أن يكون رئيس أول جامعة مسلماً وكان هذا الرأي موضع سخرية من قبل وزير الداخلية العميد الركن (أحمد محمد يحيى) ولذلك ردَّ عليه قائلاً: (نريد إماماً للجامعة لا إماماً لجامع لإمامة الصلاة). وكان لهذا الخلاف اثر في عقد اجتماع آخر لمجلس الوزراء الذي لم يستطع حسم الأمر وبعد اطلاع رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم آنذاك على بعض التقارير واستماعه لأراء المجتمعين ردَّ قائلاً: (الثورة جاءت لإنصاف الناس لا تفرق بين مذهب ومذهب ودين وأخر بل جاءت لوضع كل إنسان عراقي مهما أختلف دينه وقوميته وشكله في المحل المناسب وان الثورة ستزيل من أمامها كل من يقف في طريقها لتحقيق هذه الغاية) لذا رفع التحفظ عن شخص الدكتور من قبل رئيس مجلس السيادة فتولى هذا العالم المبدع منصب رئيس الجامعة. ويرى العديد من المختصين أن سمعة عبد الجبار عبد الله العلمية العالمية، وكفاءته العلمية، وصفاته الأخلاقية، واستقلالية تفكيره، ومنهجيته الصارمة والدقيقة كانت كلها عوامل أهلته لان يحتل هذا الموقع بجدارة وإخلاص وخلال توليه هذه المسؤولية قدم الكثير من أجل بناء وتطوير هذا الصرح العلمي، على الرغم من قصر الفترة التي تسنم فيها رئاسة الجامعة كما أن لعدم استقرار الظروف السياسية في مرحلة ما بعد عام 1958، ونتيجة للتدخلات السياسية بشأن الجامعة بذل الدكتور عبد الجبار عبد الله جهوداً مخلصة لإبعاد الجامعة من المعترك السياسي وتدخل السلطة، وحاول أن يضفي الاستقرار على السياسة التعليمية.

امجد جواد كاظم – بغداد

مشاركة