أوراق أمريكية 1
المأزق الداخلي والهروب إلى الخارج
زياد حافظـ
محصّلة أداء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد سبعة أشهر من بداية ولايته الثانية تدّل على مأزق سياسي يهدّد أجندته السياسية فيما تبقّى من هذه الولاية. فالرئيس الأمريكي يواجه فضائح من صنع ادارته تعرّضه لسيل من الانتقاداتيصعب عليه الردّ عليها سواء كانت من حزبه الديمقراطي ومن خصمه الحزب الجمهوري. فهناك فضيحة ملاحقة دوائر تحصيل الضرائب على الرموز المحافظة المناوئة للرئيس أوباما وحزبه يطغى عليها طابع الكيدية وينزع عن الرئيس صفة النزاهة والترفّع عن الممارسات الكيدية. أما الفضيحة الثانية وهي أخطر من الأولى فهي التناقض والكذب الذي يلاحق الرئيس الأمريكي في قضية الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي. فمن جهة قلّل الرئيس من دلالات الهجوم ووصفها بعمل غير مسؤول عن مجموعات هامشية غاضبة بسببالفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام بينما أفادت كافة تقارير الخارجية الأمريكية ودوائر الاستخبارات بعد التحقيق في ملابسات الهجوم أنه قد أُعدّ بعناية ومن قبل جهات محسوبة على القاعدة. الفضيحة الثالثة هي التنصّت على وكالات الأخبار الأمريكية والدولية. الفضيحة الرابعة التي فجرّها عميل وكالة الأمن الوطني سنودن بالتنصّت على المواطنين الأمريكيين وحتى الحلفاء في أوربا وآسيا ما زالت تهزّ الادارة ومؤسسات الأمن والاستخبارات الأمريكية.
صحيح أن هذه الفضائح أقّل تفجيرا من الفضائح التي أطاحت بريشارد نيكسون في ولايته الثانية فضيحة واترغيت والتي كادت تطيح برونالد ريغان فضيحة الكونترا أو الفضيحة الأخلاقية التي كادت تطيح ببيل كلنتون. لكن بالمقابل استطاع كل من نيكسون وريغان وكلينتون حماية ارثهم السياسي بانجازات دخلت التاريخ الأمريكي. فالرئيس نيكسون استطاع أن يفتح الصين للمصالح الأمريكية وأنقذ الكيان الصهيوني من الكارثة العسكرية في حرب تشرين 1973، بينما استطاع الرئيس ريغان ابرام معاهدة نزع السلاح الباليستي في أوروبا وحقق اللحظة التاريخية في دعوته لغورباشيف لهدم جدار برلين اضافة لدوره الريادي في الحرب الباردة. أما الرئيس كلنتون فكاد ينجز اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني ناهيك عن تركه الحكم بعد تحقيق أكبر فائض في الموازنة الداخلية التي بدّدها بعد بضعة أشهر خلفه الرئيس جورج بوش الابن. فماذا يمكن أن يبقى للرئيس اوباما للحفاظ على ارث سياسي ما والاّ لأصبحت ولايته الثانية ولاية رئيس أعرج
لا يستطيع الرئيس أوباما أن ينجز أي شيء على الصعيد الداخلي مع الكونغرس الحالي. ما زالت الأكثرية الجمهورية داخل مجلس الممثلين تعارض أي مبادرة للرئيس أوباما. المهم عندهم افشال الرئيس الأمريكي مهما كلّف الأمر وان كانت على حساب المصلحة الوطنية.وتأتي الفضائح المذكورة لتغذّي حقد خصومه في الكونغرس لابطال مشاريعه التشريعية على الصعيد الداخلي. فماذا يمكن أن يفعله ليجعل من ارثه السياسي يتجاوز أنه أول رئيس منحدر من أصول افريقية كاسرا بذلك السقف الزجاجي للترقية السياسية والاجتماعية للأمريكيين السود؟
يعتقد عدد من المعلقّين الأمريكيين كباتريك بيوكانان على سبيل المثال أن ليس من وسيلة للرئيس الأمريكي لانقاذ ارثه السياسية الاّ عبر تحقيق أنجاز كبير على الصعيد الخارجي. في هذا السياق احتمالان فقط لا غير الأول انجاز على صعيد الصراع الفلسطيني الصهيوني والثاني على صعيد الصراع مع الجمهورية الاسلامية في ايران. أما فيما يتعلّق بتحقيق معاهدة سلام نهائية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني فكافة المؤشرات تدّل على استحالة تحقيقها بسبب التعنّت الاسرائيلي بالنسبة للقدس وايقاف بناء المستوطنات والرجوع الى حدود 1967. فنتانياهو لا يستطيع ولا يريد ذلك ومطلبه بالاعتراف بيهودية الكيان على كافة الأراضي الفلسطينية تجهض أية محاولة للوصول الى حلّ نهائي.
يبقى الملف الايراني حيث ترى الادارة الأمريكية فرص معقولةلتحقيق اتفاق أو تفاهم مع الجمهورية الاسلامية. فالادارة تعتبر أنه يوجد مناخ سياسي في ايران يريد التقارب مع الولايات المتحدة. والدليل على ذلك حسب وجهة نظر الادارة انتخاب صالحي الى سدّة الرئاسة. كما أن الأخير تعهّد بمعالجة العقوبات المفروضة على الجمهورية وضرورة السعي الى الغائها أو التخفيف منها.
فهذا المناخ الجديد في ايرانيمكّنالتقارب بين الطرفين ويؤرق في نفس الوقت دول مجلس التعاون في الخليج. فالتقارب الأمريكي الايراني المرتقب يقلق مستقبل هذه الدول التي تخشى قياداتها تخلّي الولايات المتحدة عنها كما تخلّت عن حلفاء كزين العابدين بن على وحسنى مبارك وعلي صالح. من هنا يمكن فهم دوافع زيارة بندر بن سلطان الى موسكو لتكون المملكة مشاركة بالحل الذي سينتج عن التفاهم الروسي الأمريكي المرتقب وليست خارجه فتدفع الأثمان الباهظة بمفردها.
لكن بغض النظر عن كل ذلك فان قدرة الرئيس أوباما على تحقيق تقارب ملموس مع ايران رهن حرية تحرّكه في الداخل. فهناك مجموعة من القوى الضاغطة التي يموّلها المجمع العسكري الصناعي والأمنيوالتي لا ترى أي مصلحة في ذلك التقارب خاصة مع تعثّر المفاوضات مع الحكومة الأفغانية حول امكانية ابقاء قوة عسكرية في البلاد غير خاضعة للسلطات الأفغانية. فالخروج المرتقب من أفغانستان يضعف الموقف الأمريكي في المفاوضات مع الجمهورية الاسلامية. كما أنه لا يغيب عن البال الضغوط التي يمارسها اللوبي الصهيوني على الكونغرس الأمريكي لمنع أي تقارب مع الجمهورية الاسلامية. اضافة الى ذلك التراجع الملموس للحضور الأمريكي على الصعيد العالمي يفقد من حماسة خصوم الولايات المتحدة على انجاز أي تقارب أو تفاهم طالما كان ذلك التراجع مستمرا. فلماذا التفاهم اليوم اذا كان من الممكن التفاهم غدا وبشروط أفضل بسبب تراجع الولايات المتحدة؟ في النهاية فان الرئيس أوباما يعيش مأزقا داخلي لا يمكن أن يخفف من وطأته الاّ الانجاز على الصعيد الخارجي وحتى ذلك الأمر يصبح مشكوكا به يوما بعد يوم.
أمين عام المنتدى القومي العربي
AZP07