أهذا ولدي ؟

قصة قصيرة

 

أهذا ولدي ؟

 

 

كانت حاملا به.. ابنها البكر.. والفرحة لا تسع قلبها.. وهي ترى  بطنها تنتفخ شيئا فشيئا.. وانها اصبحت ترتدي الملابس القضاضة مع انها لم تتجاوز الثانية والعشرين من العمر واخذت تجهز للمولود وتشتري كافة مستلزماته دون ان تنسى شيئا وكانت تقص على زوجها  الحبيب حكاية كل قطعة قد اشترتها وكان هو سعيدا لسعادتها وازفت ساعة ولادتها وكانت ليلة طويلة قاسية قد عانت سندس ما عانته وهي تضع مولودها وفرح الجميع لقدومه واستبشروا خيرا عسى ولعل  قدومه فيه السعد.

 

وتوالت الايام  وكرست سندس  وقتها لذلك الوليد رغم انها موظفة بدائرة اهلية فكانت تاخذه معها لانه يرضع من صدرها ومعاناتها  كبيرة في ذلك خاصة وان عملها يتطلب منها التفرغ التام.. الا  انهم في العمل  قد تساهلوا معها لمعرفة ظروفها وعدم وجود من تترك  رضيعها عنده. وكانت حريصة على توفير الحليب لطفلها فكانت لا تتمكن من ارضاعه في ساعات العمل وما ان تستلم راتبها حتى تشتري له كل ما علا  وغلى ثمنه من الملابس.. وتشتري له اللعب مع انه مايزال  صغيرا جدا عليها.. وما ان يمرض حتى تسهر  اياما وليالي للعناية به حتى  يتماثل للشفاء. وكلما  كبر وليدها كلما ازدادت متاعبها وعيناها لا تفارقه حتى وصل الى المرحلة الابتدائية ولم تسمح لاحد ان يكلمه او ينهره وكانت طلباته جميعها مستجابة وتعطيه من المصروف وكانه شابا كبيرا وليس طفلا دخل توا الابتدائية حتى ظنت معلمته انه يسرق من اهله عندما شاهدته يشتري من حانوت المدرسة الشيء الكثير ويوزعه على التلاميذ وارسلت طلبا الى  اهله  لمقابلتها بصفتها مرشدة  الصف  واكدت لها والدته انها تعطيه النقود حتى لا يكون بحاجة الى شيء ولا يستطيع شراءه واكدت لها مرشدة الصف ان مات فعله ليس في مصلحته  او مصلحتها وان هذا الامر سيعود عليه بالضرر مستقبلا.. وكثيرا ما كان والده يقول لزوجته ذلك ويطلب منها الكف عن العناية به اكثر مما يجب حتى يعتمد على نفسه وكانت سندس تتمنى ان ترى  ولدها ضابطا بالجيش او طبيبا ماهرا  الا ان الاقدار شاءت ان يكون هذا الولد غير راغب بالمدرسة تماما ولا يفقه شيئا مما تقوله المعلمة.. وترك الدراسة عند الصف الثاني بعد ان مرت ثلاث  سنوات  وهو مايزال  في نفس الصف وبالرغم من محاولات الاهل بوضع معلمة له  لتدريسه دروسا خصوصية الا ان الامر ايضا قد باء بالفشل وتوالت الايام والسنوات  والام مازالت على موالها معه والعناية به بشكل خاص رغم انها قد رزقت باطفال غيره.. فكانت ترى فيه ولدها البكر الذي  سيلم كبرتها وسيعتني  بها وباخوته  بعد زمن  اما  الوالد فكانت  له نظرة اخرى غير نظرة زوجته فانه يراه فتى ماكرا  لا يحب الا  نفسه انانيا  ذا كلام معسول دائما يفعل عكس  ما يقول لا تاخذ  منه صدقا ابدا.. وما ان اشتد ساعده حتى  بدأ يعمل هنا وهناك ولا ياخذ من اسبوعيته الا القليل ولكن على مدى الاسبوع يكون قد اخذ من والدته مازاد على اسبوعين وهكذا كان الامر معه وكثيرا ما كان يعتذر عن اعطاء اسبوعيته بحجة رغبته بشراء بعض الملابس.. او ليخرج مع اصدقائه وما ان اصبح عمره ستة عشر عاما حتى اتجه  الى اتجاه اخر فكان يشتري بطاقات شحن لموبايله ما قيمته اكثر من اسبوعيته ولاحظت والدته انه  يقضي الليل  ساهرا يتحدث  بالهاتف ولما كانت تساله يقول انه  يتحدث ويتسامر مع اصدقائه حتى انكشفت الحقيقة بانه  تعرف على بنت ويحادثها تلفونيا وبمرور الزمن هذه البنت تضاعفت اعدادها واصبحن بنات.. ورغم من محاولات الاهل ردعه الا انها باءت  بالفشل. واكتشفت  العائلة  بانه اخذ يسرق حاجياتها وما غلى ثمنه من اجل اشباع  رغباته ونزواته وعاقبه والده اشد العقاب على ذلك.. الا انه يكون مسالما فترة وبعدها يعود كما كان وكان والده يقول في سره ليسرق منا ولكن لا يسرق من الاخرين.

 

وبدأ  الابن يطالب والدته بتزويجه  من تلك الانسانة التي يحبها وكانت  توعده خيرا اذا استقام واذا عمل بجد وتراه ملتزما فعندها تراه يسير بخط مستقيم لا شائبة فيه.. حتى ترك العمل يوما بعد خلاف مع صاحب معرض الاثاث الذي يعمل عنده.. ومن جانب اخر كان مخلصا  بعمله والجميع يرغب في ان يعمل عندهم وكانوا يعيبون عليه خصلة واحدة انه كثير الملاطفة  مع الاخرين.. واخيرا قررت العائلة تزويجه عسى ولعل هذه الزوجة تصلح حاله او يكون لديه شعورا بالمسؤولية.

 

ورغم انه عاطل منذ سنتين فطلب منه والده ان يبحث عن عمل والا كيف سيخطب له وماذا سيقول عن عمله فعندها عمل في اليوم التالي بينما كان يقول اني ابحث دون طائل فلا يوجد اعمال وارادت العائلة تزويجه من فتاة كان هو اساسا  راغبا بالزواج منها.. الا انه قد تعرف على ابنة الجيران  بينما كانوا الاهل معارضين هذه الفكرة واخيرا بعد تدخل الاقارب وتحت الحاح منه تم له ذلك وتمت مراسيم الزواج بسرعة  مما كلف ذلك الوالد والوالدة الكثير من الديون والاقساط .. وكانت غرفته في الطابق العلوي من البيت فتركتهم الوالدة لاسبوع  على انهما مازالا في شهر العسل.. فيرفضان النزول لتناول الفطور او الغذاء  وحتى العشاء فكانت هي او هو ياخذون الطعام الى غرفتهما وكانهما في فندق.. وانتهت ايام الزواج وطلبت منه والدته ان يذهب للبحث عن عمل حتى يتمكنوا من تسديد ما  عليهم من ديون  الا انه لم يفعل بشكل صادق ما ان يخرج من البيت حتى يعود ادراجه على  انه لم يحصل على عمل فياخذ زوجته ويصعد بها الى غرفته ولما طالبته والدته ان تشارك زوجته باعمال  البيت رفض بشدة وبشكل قاطع على انها  لا تعرف ان تفعل شيئاً ووافقته والدته على ذلك وطلبت منه ان تنزل حتى نقوم بتعليمها وارشادها  وامام اصرار اهله رضخ اخيرا الا ان زوجته كانت اكثر منه دهاءا فلم  تنجز عملا بالصورة المطلوبة حتى يقولوا  لها كفى لا نريد اعمالك ومرت سنة على زواجه وهو بلا عمل وفكر والده ان يغادر  البيت مع زوجته وانه  سوف يزوده بكل ادوات المنزل التي يحتاج لها وفعلا تم ذلك واصبح لولدهم بيتا مستقلا فسرعان ما ذهب واشتغل سائقا في سيارة اجرة اما زوجته فكانت ام بيت كاملة وخبيرة بكل شيء وتنفست العائلة الصعداء بانهم اكملوا رسالتهم مع واحد من اولادهم.. وكانت الزوجة حاملا وما ان مر شهران  حتى عادا ثانية الى العائلة بعد ان توفي صاحب الدار المستاجرة وتريد عائلته ان تبيع العقار باعتباره للورثة.. وما ان قالوا له ذلك حتى جاء بمشتري ليشتري البيت بكل محتوياته ولما ساله الوالد عن اغراضه قال انها عند اهل زوجته فاطمئن الوالد وترك العمل بالسيارة وعاد عاطلا من جديد وزوجته على وشك الولادة وتكفلت العائلة بولادتها  ورزق بطفلا  جميلا ومن هنا قد تغيرت الامور فاخذ يعمل بكل طاقاته  ويقول عليه تامين احتياجات زوجته وولده واصبح يخرج من الصباح الباكر حتى ساعات متاخرة من الليل يعمل ولكن دون ان يسهم في مصروفات البيت او الايجار  رغم ان والده قد تجاوز السن التقاعدية بكثير ومازال يعمل من اجل تامين لقمة العيش لهم وبالكاد يستطيع ان يتدبر امره وغالبا ما يستدين لدفع بدل الايجار وطالما  طرق بابهم من يطالب باسترداد دينه الا ان ابنهم يرى كل ذلك وكان الامر لا يعنيه ولا يخصه بينما زوجته تلعب  بالدنانير لعبا  وتبذر تبذيرا فانها تغير لون شعرها مرتين اسبوعيا في بعض الاحيان او تشتري  اشياء كثيرة من الكرستال وبعد ايام تعود لتبيعها مجددا وكثيرا ما كانوا يشترون الفواكه والحلويات بشكل شره  سرعان ما يذهب الى الازبال  بعد ان  يتعفن لكثرته ولم يحاولوا يوما شراء ما يكفيهم فقط، حتى وقع حادث لوالده اقعده عن العمل لمدة ثلاثة اشهر فكانت معاناتهم كبيرة مع المعيشة وبدل الايجار وقدم الكثير من الاهل والاقارب والاصدقاء هدايا  نقدية وعينية على  سلامة الوالد.. قد استطاع الوالد من ذلك ان يعبر بالعائلة لمدة شهر تقريبا الا ان ولده البكر والذي كان يقول لوالدته: ان الف زوجة فداء لك ولما حقت الحقيقة قال لوالديه: ان زوجتي  تاج على راسكم ورغم الظروف الصعبة التي  تمر بها العائلة لم يكلف خاطره يوما وان حمل بيده  كيسا من الصمون ورغم كل ذلك يطالب والدته  بالطعام  في كل وجبة ولما كانت نهاية الشهر التالي كانت الام حائرة بالايجار فاضطرت  بان تطلب من زوجته باعتبارها  هي صاحبة الامر والنهي (125) الف دينار على ان تعيدها عندما يتيسر الحال الا ان الولد العاق بعد ايام وقف وهو يصيح باعلى صوته : هسة اريد افلوسي واخذ يضرب الحائط واخرى يرفس ما موجود من اثاث قبالته وكل المحاولات بائت بالفشل في اقناعه بان يسدد له المبلغ بعد يومين او ثلاثة فتناول سكينا يهدد بها والدته واخيرا قرر ان ياخذ الثلاجة بدلا من المبلغ وكل هذا وهو يشتم ويكفر بكل المقدسات.. واخيرا تكرمت السيدة زوجته باقناعه الى اليوم الثاني لتسديد  المبلغ واخيرا قال: انطوني افلوسي واني باجر ارحل عنكم اليوم التالي ووسط دموع الام تم استدانة المبلغ من الجيران وتم اعطاءه المبلغ.. وطلب منهم الاب المغادرة لا في اليوم التالي كما هو  فعل معهم وانما اعطاهم مهلة ثلاثة ايام لتدبير امورهم.

 

وظلت سندس تلك الوالدة التي افنت وحرمت نفسها من كل متطلبات الحياة لترعى هذا الابن وراحت تردد مع نفسها صدك هذا هو ابني وضحك الوالد وقال لها نعم هذا هو ابنك العاق.

 

محمد عباس  اللامي – بغداد

 

مشاركة