قصة قصيرة (2)
أنا لست لك
نظر في عينيها، ثم نظر الى الطاولة وقد اسند راحته على حاجبيه واخذ يحدق في طرف غطاء الطاولة وقرأ عبارة ( كن سعيداً مع من تحب).
تنهد فقال:
– الا تجدين في عيني ما يوحي لك اني أحبك؟
– بلى ، ولكن ليطمئن قلبي، لأنه علينا ان نستعد للأحتمال الآخر !!
– وما هو الاحتمال الآخر؟!!.
– لا تقلق إنها نقرة على نافذة الذاكرة !
– لكي يطمئن قلبكِ، خذي سكينه واقلعي قلبي لتنظرين ما فيه ستجدين ليس هذا هو مظهره الحقيقي، وعندئذ ستجدين الحقيقة التي يطمئن لها قلبكِ، أنتِ هدية كريمة من القدر، أنت مبعث حياتي وقوة لوجودي ستمنحينني أجنحة أحلق بها في أجواء السعادة، لان وجودكِ معي شيءٌ يحدث الآن بل يتعداه إلى مدى بقائي في الحياة!!
قالت:
سأرشف معك رحيق الحياة،وأفوز بك لان الاستعداد للفوز أولى مُتع الفائز، الان بدأت حالة الجنون العشقي ؟!!
صمتت برهةٌ وقالت:
– هل تحبني كما أحبك؟
– نعم أنا الان كطفل تاه عن امه ويروي قصته لكل من يستمع إليه فيبكيه، قصة حبي معكِ هي من الأكثر القصص إستحالة تجملني بالفرح والصبر الجميل ،اذ يجعلني فرحي أحبكِ أكثر فأكثر. أزف الوقت تركا المقهى رجع الى بيته بعد أن أوصلها دارها. أنهيا الدراسة الجامعية، إنتقل بعائلته الى العاصمة، مدينة دراسته أشغل وظيفة تتلائم وتحصيله الدراسي، وكذلك هي. كان يلتقيها بين الحين والآخر في الدائرة التي تعمل فيها أو خارج أوقات الدوام الرسمي، استمرا فترة من الزمن على هذا المنوال لكنها في الاونة الاخيرة صارت ترفض أن يلتقيها في مقر عملها. انتابته حالة من القلق والحزن العميقين لابد من ان يكون هناك امر ما، وراء هذا القصد، ذات يوم عندما زارها قالت له .
– ستقتصر علاقتنا على الاتصال والرسائل فقط، علينا ان لا نحرس الحقيقة باغتيال الحق!.
نزلت دموعها التي كانت تحتفظ بها، لعل غيومها كانت تبحث عن ذريعة كي تهطل،أما هو فصار مشلول الارادة والتفكير اهتز كيانه الداخلي، أصيب بحداد نفسي لكونه استنفذ أحلامه باكراً ودون تحقيق وفقد شهية هذه الحياة الافتراضية، أراد ان يتكلم وضعت يدها على فمه وقالت:
– لا تسالني أسئلة توقظ المواجع هذا هو قدرنا.!!ٍ
تركته أمام مكتب الاستعلامات نادى عليها:
– ليس أنت التي تقررين، بل يجب أن يكون هناك حوار هاديء وشفاف لمعرفة الحقيقة.
لم يتلقَ أي جواب خرج من الدائرة يترنح، كالماشي في نومه لا يفهم هذا الذي حدث، هذا الاهتياج الذي اشتعل كالحريق في جوفه، في دمه ، صار يرتعش، لا يدري ماذا يفعل واين يتجه ردد مع نفسه(من أي كوكب جاءتني والتقت بي فصار نجاحي بها مفضي الى الكآبة، وصرت مثل الذي يطلب منه ان يحفر قبره بيده، ثم يتمدد به لينهال عليه التراب). راوده شك بل نوع من القلق المر، الذي يجعله يتوجس أمراً ما، كانت له رغبة في البكاء، حدثت له من هذا اللقاء هزة عنيفة قلبت موازينه رأساً على عقب، جُرح قلبه جرحاً عميقاً، طفق يبكي دون ان يستطيع حبس دموعه، كان بحاجة الى تفسير للذي حصل، طغى عليه الحزن الشديد، تبلد بشعور مشوباً بحزن لأعلة له، لم يبق ثمة شيء يشوقة او يجذبه للحياة، كانت حياته ساكنة، حتى جاءت والقت حجراً في بركة أيامه الراكدة، عذبه الانتظار وهذه نتيجة انتظاره لا شيء، حيث كان يدور في خلده ان انتظار الموعد اهم من الموعد نفسه، ربما هي الأن حشرته في ركن الحقيقة، عندما التقاها للمرة الاولى ، صار في دوار عشقي، كأنما اعصار حب يأخذه ريشة في مهب هذه المرأة، اما الان يشله التوتر.
وصل الى بيته، دخل غرفته، استلقى على سريره ، سكون تام، فكر طويلاً، ما الامر ؟، لما ذا لم يقطف هذه الزهرة النارية؟ ، قبل ان تحترق يده، هل ان عقلها قال لها لا تذهبي لهذا الرجل بقلبك كله، هذه الاسئلة وغيرها جعلته يغادر السرير ويسير في الغرفة التي تسطع فيها اشعة الشمس من النافذة لكي يجد مخرجاً للذي هو فيه.
وردت منها رسالة لجهازه الخلوي مفادها((لا تتصل راسلني فقط)) راسلها:
– لم يعد بوسعي إلا أن اجد تفسيراً واحداً لما يحصل، أجهل ما حدث بيننا، ولو انه ليس لي الحق في ان احكم عليك، الا ان المشهد يزداد قسوة على نفسي، ولا يدور في خلدي من الظنون بأن اضمر لك الشر، لكن اذا تصارحنا، لابد ان نتوصل إلى حقيقة الامور، انتِ الأن جعلتي سعادتي سريعة العطب، والنجاح الذي تحقق بوجودك افضى الى الكآبه ، وانا الان من اولئك الذين يشتهيهم الموت رغم اني اشتهيه، اقسم عليك بالشوق الذي يهزني اليكِ ان تتخلي عن كبريائك وتقولي الحقيقة، والا تخفين غموضك كما تخفين سرك، أريد ان اسمع منك ما لا تجرأين على قوله، لا تجعليني اكره الحياة واحاربها بدلاً من أن أحارب اعداءها.
ارسل رسالته، دون ان يتلقى الرد، مضت فترة ليست بالقصيرة وهو ينتظر الرد، كان يوم ربيعي جميل وهو جالس في مسائه في نفس المقهى على نفس الطاولة التي يجلسان عليها، وردت رسالة منها الى جهازه مفادها :
– ((سأرسل لك بعد قليل رسالة في غاية الاهمية ارجو الانتظار)).
فأوجس خيفة في نفسه، وبينما هو على هذا الحال حتى وردت الرسالة، مسك جهازه بيد ترتعش وراحت دقات قلبه تتسارع، ولا يستطيع لوم نفسه لفرط توتره، رغم ان هذا التوتر كان في محله، اخذ يحملق بكلمات الرسالة ((احبكَ، لكني أرثي لحالك، لقد خدعتك، رغم ما سيعتريك من اضطهاد نفسي وتعذيب، لكن آليت على نفسي أن أقول لك الحقيقة التي تريدها، والتي هي جريمة وخطيئة في آنٍ معاً بحقك، رغم السمو الذي نحب أن ترفع إليه عاطفة الخديعة، أنا تزوجت في السنة الثانية من دراستنا في الكلية، ولم أبوح لك بسري، لأن الأسرار هي ما تساعدنا على الاستمرار فيما نحن فيه، وكم نحسد من لا سر له، ولأني كنت سعيدة من أجلك، لأن حبك هو الأول في حياتي، فلا جرأة لي ولا شجاعة أن أقول لك في بداية الأمر، رغم أن الجرأة غير الشجاعة، لكي نستمر في علاقتنا الجميلة على الرغم من الآلام النفسية التي أعانيها، كوني لا أطيق فراقك، وتردت صحتي على نحو خطير، حتى كدت أصاب بالجنون، لولا عناية الله ووجودك معي، وحرصت على السكوت حين لا يكون بد من الكلام، أنا الآن أعيش مع زوجي تحت سقف واحد، لا تأخذني على ما أنا عليه، اتضح كل شيء الآن، همي أن أفرغ من هذا الأمر، جئت أخبرك أني راحلة، ولست لك، لكني أبقى أحبك، وشغفي بك لا يجعلني أنساك)).
انطلقت منه تنهيدة، جاوبتها صرخة وحشية، تشنج لها وجهه، خارت قواه من فرط ما حبس ألمه، وما هي إلا ثواني حتى سقط مغشياً عليه وهو يردد ((أنا لستُ لكَ)).
هز الطبيب رأسه وفي وجهه علائم الحيرة فقال:
– انه ميت!!
رحيم حمد علي- العمارة