نبض القلم
أمنية رمضانية – مقالات – طالب سعدون
وهو يتابع ما يظهر أمامه على الشاشة بتعجب، تمنى أن يكون هناك إتفاق يصل الى ما يشبه (وثيقة عهد) عفوية بين القنوات الفضائية في هذه الظروف الصعبة حصرا، بان لا يُعطى المسؤول فرصة للظهور في برامج شهررمضان الكريم المنوعة ..فمن غير المقنع أن يتسابق البعض في كسب ود المسؤول في هذا الشهر الكريم ، ويظهر وكأنه بشكل أخر، خلاف ما إعتادت عليه بعضها في الشهور الاخرى من نقد متواصل لأدائه ، وشكوى من (فشل ذريع) في توفير حاجات المواطن المختلفة، وأتهامه بالعزلة، وعدم التواصل مع المواطن، وقد احاط نفسه بسياج عال من الأمن والحماية، وأسلاك عازلة، والواح كونكريتية فاصلة ..
سألته لماذا تتمنى ذلك … أليس من حق المسؤول ذلك .؟ .. ولماذا هذا التعجــــب .. ؟..
رد بتساؤل هو ايضا : هل هناك شخصية أخرى للمسؤول كانت غائبة عن البعض، واُكتشفت الان في شهر رمضان المبارك ؟..
قلت له .. كيف .. ؟!
قال : .. ها هو المسؤول أمامي على الشاشة في شهر رمضان .. أراه (مواطنا بسيطا)، ترك السياسة وهمومها، والمسؤولية وبريقها .. وأنه يأكل مما يأكل المواطنون ، ويعاني مما يعاني الاخرون، ويمشي وسط الناس بدون حماية، وبملابس عادية، ويتبضع من الاسواق كأي رب أسرة أخر، معتمدا على نفسه في توفير ما تحتاجه، ويظهر في زحامها يحمل بيده حاجاته التي إشتراها على (قدر حاله وراتبه)، بدون مبالغة وإسراف .. فلماذا نتهمه بأنه معزول ، وتحيط به الحماية في كل جانب، اينما حل أو رحل ..؟
وواصل حديثة قائلا : ربما نراه في قادم الايام من هذا الشهر الكريم، يظهر في احدى الفضائيات، وهو واقف على باب المولدة الاهلية ليدفع قيمة الامبيرات، ويبث شكواه لمن معه من المواطنين، لانها تستنزف جزءا من راتبه (المتواضع) ولذلك (قننها) على قدر الحاجة، بحيث إذا أضاف مصباحا واحدا تنقطع الكهرباء عن بيته، لانها تصبح أكثر من عدد الامبيرات التي دفع ثمنها!!..
وفي نهاية البرنامج يظهر المسؤول، وكأنه قد اُفتري عليه في الشهور السابقة، ونال من النقد ما لا يستحقه .. ويقتضي العدل والانصاف في هذا الشهر الفضيل أن يأخذ حقه واستحقاقه من البرامج الرمضانية، ونختار له ما نشاء من اسماء البرامج التي تناسبه في هذا الشهر المبارك …
ولكنه تساءل أيضا :
هل سنراه بعد شهر رمضان المبارك، كما رأيناه في هذا البرنامج، أو ذاك من تلك البرامج، خارج أسوار العزلة (الحمائية)، وبتلك البساطة في بيته، ووسط شعبه في الاسواق والشوارع يتجول بينهم بعفوية، بلا حمايات تكلف الدولة مبالغ كبيرة، وهو يتابع أحوال المواطن مباشرة، بدون وسيط، كأن يكون من خلال المكتب أو الهاتف، ويوفر له كل ما يحتاجه من أمن وخدمات، وكهرباء مستمرة على مدار الساعة، وماء (لا ينقطع ساعات ويأتي ساعات) ويهيء فرص عمل لكل عاطل، ويتخلص من المولدات الاهلية وهمومها واستنزافها الكبير لميزانيته بعد أن عاش معاناتها سنوات طويلة ؟ ..
قال .. نتمنى … وذكرني بمقولة للكاتب الامريكي الاقتصادي بيتر دراكر واضع مصطلح (الموظف المفكر) (أن المنصب لا يعطي إمتيازا أو يمنح قوة، وانما يفرض مسؤولية) ..
ودعته، وتركته منهمكا يتابع الشاشة، على أمل أن ينتهي رمضان شهر العطاء بالخير والبركة .. وقد تحققت كل تلك الامنيات، ولا نسمع شكوى مرة أخرى من أي شيء عانى منه المواطن في ما مضى ..
وتلك هي قيمة المنصب، وواجب المسؤول ..
واعان الله كل مخلص غيور على عبء المنصب، وثقل المسؤولية .
{ { { {
كلام مفيد :
(لم نأت الى هذا العالم من أجل انفسنا، بل كل منا هنا من أجل الأخر) .. جيف وارنر