السيول العابرة للحدود تتسبب بفيضانات وانهيار جسور وإنعاش الأهوار

بغداد -طهران – الزمان – (أ ف ب)
بعد أشهر من الجفاف الذي أنهك أراضي العراق وإيران، أغرقت موجة أمطار غزيرة المنطقتين، محولة الأنهار اليابسة إلى سيول جارفة أثارت مزيجاً من الأمل والمأساة.
وفي العراق، حيث انخفضت مستويات المياه في السدود إلى أدنى حد لها منذ عقود، أدت الأمطار المستمرة منذ يومين إلى تدفق فيضانات أودت بحياة عدة أشخاص وألحقت أضراراً ببنى تحتية حيوية، لكنها في الوقت نفسه أعادت بعض الحيوية إلى المخزون المائي المنهار، الذي كان يعاني من تراجع يصل إلى أقل من 7% من سعته الكاملة قبل أسابيع قليلة.
ومع ذلك، سرعان ما تحول الارتياح إلى قلق، إذ أظهرت السيول وجهها المدمر في مناطق عدة، حيث أعلن مسؤولون في إقليم كردستان عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، بما في ذلك امرأة ورجل مسن في بلدة جمجمال قرب السليمانية، وطفلة في محافظة كركوك جرفتها المياه قرب منزلها. وفي منطقة طوزخورماتو، انهار جزء من جسر رئيسي يربط كركوك ببغداد، مما أدى إلى تعطيل حركة المرور وإجبار السائقين على استخدام طرق بديلة، في تذكير قاسٍ بضعف الإعداد لمثل هذه الأحداث الناتجة عن غياب أنظمة صرف فعالة.
وفي الجنوب والوسط، امتدت آثار الفيضانات إلى مدن الحلة والنجف وكربلاء والديوانية، حيث غمرت المياه شوارع رئيسية وتسللت إلى منازل عشرات العائلات، مما أجبر السلطات على إجلاء سكان وتنظيم حملات إنقاذ طارئة.
ويُعزى هذا الغرق الواسع إلى نقص البنى التحتية للصرف الصحي، التي لم تُحدث منذ عقود، والمشاريع الفاسدة الجديدة، رغم تحذيرات متكررة من الخبراء حول تأثير التغير المناخي في زيادة شدة هذه الأمطار غير المنتظمة.
ورغم الخسائر البشرية والمادية، يرى مسؤولون في وزارة الموارد المائية العراقية في هذه الأمطار فرصة نادرة لإنعاش الاحتياطيات المائية، التي انخفضت إلى مستويات تاريخية منخفضة بلغت 8% فقط من السعة الكاملة في أكتوبر الماضي، وفقاً لتقارير مراقبة الأقمار الصناعية.
وقال علي راضي ثامر، مدير عام هيئة السدود والخزانات، إن السيول الناتجة عن الأمطار ستعزز الخزين المائي، الذي يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر من هطول مستمر ليصل إلى مستويات مقبولة، مع التركيز على توجيه المياه نحو السدود الرئيسية مثل الثرثار وهابانية.
أما في إيران، فقد هطلت الأمطار للمرة الأولى منذ أشهر في طهران، محملة معها شعوراً بالارتياح المؤقت في عاصمة تعاني من أشد خريف جفافاً منذ أكثر من نصف قرن، حيث انخفضت هطولات المطر بنسبة 85% عن المتوسط التاريخي. ووصلت مستويات السدود الرئيسية، مثل لطيان التي تغذي المدينة، إلى أقل من 10% من سعة استيعابها، مما أجبر السلطات على بدء عمليات بذر السحب لاستحضار المزيد من الأمطار، في محاولة يائسة لتجنب انهيار الإمدادات المائية لـ15 مليون نسمة.
وبالتوازي مع هذه التحديات، حذر الرئيس مسعود بزشكيان من أن إيران قد تضطر إلى نقل حكومتها خارج طهران بحلول نهاية الشهر إذا لم يأتِ هطول كافٍ، في إشارة إلى أزمة مائية وصلت إلى حد «الإفلاس المائي»، حيث يستهلك القطاع الزراعي 90% من الموارد دون كفاءة، مما يفاقم تأثير الجفاف الذي امتد لست سنوات متتالية.
وأدى هذا الجفاف إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في الصيف الماضي، وإغلاق مؤقت للمباني الحكومية، مع انتشار احتجاجات محلية ناتجة عن انقطاع المياه لساعات يومياً في بعض الأحياء.
وعرض الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق مساعدة إيران في مجال إدارة المياه، حيث كرر العرض مرات عدة رابطاً المساعدة التقنية المتقدمة في التحلية والحفاظ على الموارد بشرط تغيير النظام الحاكم.
ويأتي هذا العرض في ظل توترات مستمرة، بما في ذلك وقف إطلاق نار بعد صراع قصير في يونيو، لكنه يبرز التناقضات في المنطقة حيث يعاني الجيران من أزمات مائية مشتركة ناتجة عن التغير المناخي والسياسات غير الفعالة.
وبالإجمال، يُعد العراق وإيران من أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي في الشرق الأوسط، حيث انعكس الجفاف المتعاقب في انخفاض المتساقطات بنسبة تصل إلى 40% عن المتوسط، وارتفاع درجات الحرارة، مضافاً إلى عقود من الحروب والأزمات التي أضعفت البنى التحتية المائية.
وفي كلا البلدين، تعاني السياسات المائية من ضعف في التنفيذ، مع اعتماد مفرط على الزراعة غير الفعالة وغياب تنسيق إقليمي لإدارة الأنهار المشتركة مثل دجلة والفرات، مما يهدد بكوارث بيئية أكبر إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية.


















