أمسية صالون زهرة زيراوي ببوسيجور الدار البيضاء

أمسية صالون زهرة زيراوي ببوسيجور الدار البيضاء
تكريم رواد الأدب وقراءات شعرية وروائية على أنغام الفلوت
فيصل عبد الحسن
كان للخريف في مدينة الدار البيضاء هذه السنة تباشير الحياة والولادة الجديدة على وقع أنغام الفلوت، وكلمات قصائد الشعراء، وألوان اللوحات البراقة، ودبيب قطرات الندى على زجاج النوافذ، وحفيف أوراق الشجر والريح تحملها إلى زوايا الأرصفة، وتجمعها عند عتبات عمارات حي الراحة بوسيجور بناحية المعاريف بكازابلانكا.
كان هذا إيذاناً لبدء فعاليات وأنشطة صالون الأديبة زهرة زيراوي، الذي أبتدأ أمسياته الثقافية بشراكة مع جمعية ملتقى الفن لهذه السنة بأمسية ثقافية حملت رقم ثمانين من أنشطة الصالون الثقافي.
ذكرتنا الأمسية التي دارت قبل أيام قليلة بما شهده هذا الصالون في التسعينات من القرن الماضي، من جمع لرموز الأدب والفن والفكر من المغرب والوطن العربي في كرنفالات فنية وثقافية، حضرتها شخصيات معرفية كبيرة، كالفيلسوف الكبير محمد عزيز لحبابي، الشاعر حسن نجمي، سعيد الكفراوي، الشاعر حمد أسماعيل، الشاعروديع الأسفي، ليلى العثمان، وغيرهم.
ودأب أيضاً على حضورالأمسيات أدباء وفنانون شباب تبؤاوا في الوقت الحاضر مراكز الصدارة في المشهد الثقافي والإعلامي في المغرب والعديد من الدول العربية .
منابع النور والخير
الفقرة الأولى في الأمسية كانتقراءة نقدية لأعمال الرواد المكرمين د. الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، والقاص والروائي د. علي القاسمي والقاص والروائي فيصل عبدالحسن، د. مصطفى صدوقي قدمها الناقد د. الحسن الغستول، وتحدث فيها عن ضرورة إظهار مميزات الأدب الخالد والصادق والعلاقة التي تربط بين القارىء والمقروء معتبراً العلاقة بالعلاقة الروحية العميقة.
وتطرق إلى عمق الرسائل الصوفية في أدب المكرمين، وما تشيعه نصوصهم من معاني الحب للخير، والسلام بين الناس.
فمنابع النور والخير التي خلقها الله تعالى لعباده كثيرة، فالشمس خلقها الله تعالي لتكون منبع دفء للجميع، وجعل ما ينزل من السماء من مطر منبع خير لأرزاقهم ولأرواء ظمأهم، وخلق الله تعالى بعض الناس ليكونوا منابع خير وبركة للإنسانية، بدفاعهم عن قضايا الإنسان، والوقوف معه في أفراحه وأحزانه.
وتفريج همه وكدره، وقد جعل من هؤلاء وهم عصبة قليلة، ولكن دورها مهم في أشاعة الخير والأمل والجمال في النفوس.
قدم الأمسية الشاعر حسن عبيدو، الذي أذهل المستمعين بألقاء مقطع من إحدى قصائده من خلال ما قدمه من تطويع لحركات جسده، والأنطباعات الحادة التي رسمها على وجهه، وهو يردد قصيدته، وقد مثل كل كلمة قالها في قصيدته تمثيلاً رقيقاً وعميقاً في الآن ذاته هو ذا العجز يلفني ويذبحني ويسلمني الى التيه » وما في المدى من يلقي عصاه ليقسم هذا العجز حتى امر ويمر معي بعض امتنان » مثل هذا الطوق بقدر ما يزين صدرك بقدر ما يخنقك حد خروج العيون من صخر صلد يتفجر ويلقي للصحاري تحايا الروح » ذبحتني ريحانة به…ذا واوغلت في القتل ودفنت وراكمت التراب تماما كما المزارع يغرق احلامه ويواريها التراب غير طامع في شيء حتى يرى السنبلات السبع والبقرات يفيض ضرعها بالسر ويزيد .
ما لم يُرَ بالعين
وتحدث بعد ذلك الناقد د. الغشتول عن تجربة الشاعر د. أحمد بلحاج آية وارهام، في محاولة للأهتداء إلى مسالك النبض الشعري لدى هذا الشاعر من خلال ديوانه طائر من أرض السمسمة وأعماله الشعرية الأخرى.
فتناول الجانب الصوفي والبلاغي في قصائد هذا الشاعر، وأبتدأ الناقد ببيت شعري من ديوان الشاعر وارهام يقول فيه أنت تهدي إلى الدليل » وأنا دليل الدليل .
فقال عنه ليس بين الخبرين أو بالأحرى بين المقامين اللذين يحيل عليهما هذا الكلام الشعري، على مدى الامتلاء في الوجود أو التوغل في رمزية المحو أي أشعار بالقطع والفصل.
مادام الطريق يدل فيهما على السالكين، وما دام كل في طريقه يملك الأصرار والعزم على بلوغ منتهى النور والضياء.
ولئن نُزل الإخبار الأول منزل شرط لفعل يكرم الراحل بلذة هي له رضا وإسعاد، فإن الإخبار الثاني ينتزع المتكلم فيه الحق لنفسه ليكون المسؤول الأول عن الظفر بما يرضيه هو تحديداً.
ويستجيب لموازين روحه الأصيلة ويستنتج د. الغشتول نوعية القصيدة لدى د. وارهام لأجل ذلك، لا تعيش القصيدة عند الشاعر حسب هذا الحق الذي أختير، إلا وهي في حراك دائب وسفر مستمر.
فليس غريباً أن تأبى الحروف السالكة الكشف عن سر خطوها فتمنع صاحب الفضول غير الأدبي من البوح بحقيقة حكيها، فلا يخالها إلا مبهمة، بل يحرم من نعمة ألتباساتها المدهشة .
ولو أنه نحافي أفق غموضها وأستجلى أسرارها لعرف كيف أنتهى الشعر بصاحبه في فلكها إلى أستئناف ما لم يُرَ بالعين أويسمع بالأذن أو يدرك بالملامس، ويفهم عن طريق العوارض، لاتنتهي القصيدة متلاشية مفرغة بل تنتهي مشتعلة متوهجة .
أخلع نعليك
كان لعزف الفنان التشيلي سنيتو كوانزاليس على آلة الفلوت، الذي كان يصاحب الفقرات الأدبية يثير جواً من الرومانسية والفرح، والفنان كوانزاليس من الفنانين الذين يستضيفهم الصالون لأول مرة في أمسياته، مما أعطى الأمسية طابعها الإنساني والفني الراقي.
وبين فقرات الأمسية تعالى صوت الشعر فقرأ الشاعر محمد علي الرباوي مقاطع من إحدى قصائده قال فيها البَحْر وَلَدي.. يا وَلَدي.. أُوصيكَ إذا أَنْتَ وَقَفْتَ أمامَ البَحْرِ الهادِئِ فاخْلَعْ نَعْلَيَكَ انْشُرْ خَدَّيْكَ على الشاطِئِ، صَلِّ صَلاةَ البَحرِ الجِنُّ الساكِنُ فيكَ يَخافُ الموْجاتِ السَّبْعَ اشْرَبْ مِنْ هَذي المَوْجاتِ بِهذا البَحْرِ فَبَحْرُ رِباطِ الفَتْحِ هُوَ البَحْرُ ولا بَحْرٌ سَيُبَلِّلُ قَلْبَكَ إياهُ.
وأكمل من مقطع آخر قارئاُ مأساة بوجميع من قصيدته سلطان باليما وبوجميع وسبع موجات
تَلَقَّى جُثَّتَهُ شَيْخٌ آبَ وما غابَ، الشيْخُ بأكدالِ غِباطِ الفَتْحِ يدورُ بِجُثَّةِ بوجميعَ وبوجميعُ بِدُوَّارِ الدومِ يدورُ بِهذي الصينِيَّةِ يسْقي الناسَ.. أخَذْنا الكأْسَ، شَرِبْنا… كانَ دَماً.. نَحْنُ.. شَرِبْناهُ. أهِ شَرِبْناهُ
وقرأ الشاعر د. الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، من إحدى قصائده لما إلى ميقات ذاك الوهج الأسمى وصل » أخبر عن جرح السواد » وحين في خباء ذاك الوهج الأبهى نزل» أخبر عن غسل الفؤاد» وحين في سرير ذاك الوهج الأزكى اشتعل» نسي شهوة المراد » وصار من غواية المشاهدة » يخبو » ويستسلم للجواد .
وقرأ أيضاً قد كنت أخدم لحظي » والأن أخدم لحظك» لا تمييز ولا تنبيه» ولا تمويه ولا تشبيه» ما ثم إلا التيه» كفك مهربي» بطشك مشربي» بسطك متربي » قبضك محربي» ركز مقالتك » وسمع أعضائي .
قصيدة مهداة
وقرأت الشاعرة بشرى برجال مقطعاً من قصيدة أحبيني بحذر نظر إلي ليس كعهدي به» ضباب كثيف» سيف يلمع خارج غمده» وعتاب يحوم بيننا » وتوجسنا يعزف عالياً » ولهف وشوق ومطر» سألني فجأة أتحبينني ؟ » طبعاً سيدي طبعاً » وكيف لا تحب السماء القمر » أتعلمين أنني احبك ؟ »ذاك رجائي وذاك المنى» والوتر والعود والشجن » أحبيني أذن على مهلك وحذر» قيديني طوراً» ودعيني طوراً اطير في السدم » كما أشتهي» دعيني أغامر بحبك وأقامر» دعيني أحايل القدر» دعيني أحيا » أغوص في هذا المحيا الجميل .
وقرأ الشاعر أيوب مليجي من ديوانه لن أطيع الشمس مقطعاً من إحدى قصائده المهداة إلى الأديبة والفنانة زهرة زيرواي أنمت ما كان باقياً من الليل» أيتها المتوجة ؟؟» معذرة سيدتي » هذا الأحتراق بجانب القلب» يسافر إلى دواخلي » بلا جواز » سيدتي » لا تنتفضي هكذا خجلاً » فأنا المسافر في حوار العشق » أهدي لصبح أيامك » ابتسامة حب » تورق في خد امرأة » اعترافات ليوم آخر » أيتها »الفرح المتوهج » امنحيني » أصابعك » لأشكل » من جديد » أبجديات للعشق»يا هداي» أيتها المضمومة»الراقصة» هذي أيامي » أزرعها خطوات باسمة» ذات ليل» خلف الريح» لتعيدي» إلي» ما كتبته» وأعيد إليك اعترافاتك» المتأخرة.
وتناول الناقد إبراهيم غراف المكرم الثاني د. علي القاسمي من خلال تحليل روايته مرافىء الحب السبعة بنيوياً، فتناول عتبات الرواية كرسومات الغلاف وخطوطه، وأسم الروائي، وأهداء العمل.
كما تناول علاقات البطل د. سليم الهاشمي، أستاذ الكيمياء العراقي الذي عمل في جامعة الرباط في الثمانينات من القرن الماضي بالمدن، والنساء خلال فترة التسعينات من القرن الماضي.
وقد فسر بحميمية الكثير مما غمض على القارىْ من الدوافع النفسية لذات البطل الغريب المأزوم، والمنفي من وطنه، فقد ترك العراق بسبب تزايد الأنقلابات العسكرية في البلاد وساد فيها قانون العنف.
وبالرغم من الإشارات الضمنية من خلال النص الروائي لحياة كاتبها د. علي القاسمي نفسه، وما عاشه من فترات غربة في بلدان كأمريكا والمغرب والسعودية، إلا أن النص الروائي يبقى نصاً خيالياً يستفيد من حياة الكاتب، كما يستفيد من حياة من عاش معهم الكاتب أو يكتب ما وقع لهم من مفارقات في هذه الحياة.
أوان الرحيل
وقرأت الشاعرة كريمة دلياس مقاطع من قصيدتها عصفور المرايا عصفور المرايا»أخفق بجناحيك » حنايا الروح»أصدح بغنائك السرمدي» وتسلق معارج النور» يأتيك الصدى»بوح المرايا » صهيل الروح » صوت المدى» مرتعشة»على صفحات الماء» وهذا الرّبب المنسل» من سنى الوجد» يفتّـق وصال الشوق»لاحتضان الطين»
عبق يوقد» في فلك السؤال» عشب الذاكرة » زنبقة الروح » أيقونة المحال» كيمياء المعنى .
وقرأ الشاعرمحمدالعياشي من قصيدته وصال الأغاني بين أحياء نيسان
تفتّـحـت الأزهــار وافـتـرّت الـربــى»وغنّتْ على بسْط الريـاض طيورهـا»وهشّت عتاق النحل والدبْر وارتوتْ» تجـدّ إلــى رشــف الثـغـور ثغـورهـا»تـصـيـخ إلـــى رنّـاتـهــا وهـزيـجـهـا .
وقرأ الروائيرشيد جلولي مقطعاً من روايته الخوف، التي عكست ما نحياه الآن من اغتراب فكري وفنتازيا، من خلال تحول بطله عيسى بن السي عبد الله إلى كلب وسكنه المقبرة بعد أنتهاء الحرب مباشرة، ولكن عن أي حرب تحدث الروائي رشيد جلولي ؟ أنه يتحدث في روايته الأولى الخوف عن حروبنا وعوامل الأختلاف والضغينة، التي أستشرت بين دولنا وطوائفنا وقبائلنا وبيوتنا.
لقد أدهشت أجواء الرواية الفنتازية الحاضرين، ولكن أي مقطع من رواية لا يكفي للحكم على رواية كاملة تتألف من أكثر من مئتي صفحة.
وممن حضر الأمسية من الفنانين المعروفين في الوسط الصحافي المغربي الفنان سي محمد شفيق من جريدة المساء المغربية، والدكتور صالح بلعيد من الجزائر، وفي نهاية الأمسية عزف التشيلي سنيتو كوانزاليس على الفلوت أنغاماً شجية ذكرت غرباء الديار أن الحفلة أنتهت، وآن أوان رحيلهم.
AZP09