أمريكا من دولة عظمى إلى ناشط سياسي – منى صفوان

أمريكا من دولة عظمى إلى ناشط سياسي – منى صفوان

اتفقت السعودية في وقت سابق مع روسيا والصين لتعزيز القدرات العسكرية، وبرامج الطاقة النووية، وحصص النفط، والتبادل التجاري، والتعاون الاقتصادي  بما يعني المضي قدماً نحو شراكة استراتيجية، لذا فالزيارة الامريكية للشرق الاوسط، جاءت متأخرة كثيراً.

وكأن الولايات المتحدة انتظرت ان تبدأ روسيا حربها، لتعود لمنطقة ضعف فيها تأثيرها ،فالحرب الروسية هي نتيجة ضعف التأثير الأمريكي في المنطقة ، فهذه حقبة تأكيد النفوذ الروسي – الصيني في العالم ولاسيما “الشرق الأوسط “

فروسيا الجديدة اليوم دولة صاعدة، بينما أمريكا دولة آفلة، وهو اليوم بتاثير ناشط سياسي متقاعد، تُستقبل مواقفها ورئيسها ببهوت، في وقت طورت فيه المنطقة العربية- الخليجية من ذكاء المصالح السياسي، ولم تعد تحتفظ بإرث تحالفها وصداقتها القديمة ، على حساب رصيدها الاقتصادي، لذا توقع تحالفات غير مألوفة في الشرق الأوسط

شيرين أبو عقلة مقابل خاشقجي

 تراجع بايدن عن موقفه باثارة ملف مقتل خاشقجي ، بل اغلق الملف بشكل رسمي، واعتزل التلويح بالحادثة، التي كان يبتز بها ولي العهد.

 لكن ولي العهد انتقم منه باثارة قضية مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، اثناء تغطيتها الصحفية، وهو ليس ابتزازًا سعوديًا بقدر ماهو سخرية لاذعة.

فهذا الموضوع الذي تعمد بايدين ان لا يثيره في إسرائيل ، لكنه هذه المرة لم يبث الطمأنية في نفس الحليف الإسرائيلي بان أمريكا القوية تقف لجواره.

أولًا لانها لم تعد بذات القوة في الشرق الأوسط ، ثانيًا لانها اخفت بوقف التمدد والتهديد الإيراني ، وهو ما يشغل إسرائيل حاليًا ، فإيران لم تعد هدفًا عسكريًا لامريكا بعد مغادرة ترامب.

الاستقبال البارد في منطقة ساخنه

بات واضحًا ان أمريكا خسرت حليفها القديم “المملكة السعودية” وواضح من برودة الاستقبال لرئيس اكبر دولة، انها خسرت موقعها حتى كضيف مرحب به!

فقط تورطت أمريكا بالتصعيد من قبل إدارة بايدين ضد ولي العهد السعودي وهو الحاكم الفعلي للمملكة، والتهديد بفتح ملفات كثيرة ضده منها ،ملف حرب اليمن وقضية خاشقجي

لكن الذي نسف العلاقة كان انهاء التحالف العسكري بينهما، في وقت تتعرض فيه السعودية لتهديد إيراني في المنطقة، فقرار إدارة بايدن وقف الدعم اللوجستي لحرب اليمن ،التي تخوضها السعودية

الخليج الاولى

مما يعني حرفيًا بلغة عسكرية، انهاء التحالف الأمريكي – السعودي، بعد ثلاثة عقود من التحالف العسكري منذ بدء حرب الخليج الأولى ، الذي توج باحتلال العراق.

لقد خذلت أمريكا حليفتها، في وقت حرج للغاية، فإيران حاليًا في ذروة قوتها وتقدمها في المنطقة، فايران فعليًا تخنق السعودية من جهاتها الأربع، شمالًا من العراق، وجنوبًا من اليمن، وغربًا من الشام، وشرقًا من جيرانها في الخليج  قطر والامارات.

ايران مدت سيطرتها العسكرية تجاه اليمن والعراق ولبنان، ولكنها مدت أيضاً تحالفاتها نحو الخليج والجوار السعودي ” قطر والامارات ” وحتى سلطنة عمان.

فلم يكن للمملكة السعودية حلفاء أقوياء في مواجهة المد الإيراني الا أمريكا ، ومن هنا يأتي خطورة وحرج توقيت الانسحاب الأمريكي من الدعم للقوات السعودية في حربها الأهم في اليمن.

فأهمية حرب اليمن، انها تشكل مربط الفرس لشكل المنطقة، والاخفاق  بتحجيم النفوذ الإيراني هناك، يعني تهديد الامن القومي السعودي.

لقد استطاعت ايران جعل السعودية وحيدة في حربها، فنجحت بتحييد الامارات شريكتها في التحالف، فبتهديد الامارات الواضح ومنعها من الانضمام لاي تحالف شرق اوسطي ضد ايران، وبهذا لم يعد للسعودية حلفاء ضد ايران الا إسرائيل ، وهذا ما تستغله أمريكا.

ان الاتفاق السعودي- الإسرائيلي ضد ايران، هو نقطة الالتقاء الوحيدة بين البلدين، وهو النقطة التي تحاول أمريكا النفاذ منها لاعادة اصلاح العلاقة، لضمان بقاء السعودية ومن خلفها المنطقة معها ضد روسيا.

فامريكا لا ترى في زيارتها للسعودية الا روسيا، والسعودية لا ترى الا ايران، ولكن إصرار أمريكا بايدين على المضي قدمًا بالاتفاق مع ايران، يجعل وجهتي النظر الأمريكية – السعودية ابعد من أي وقت.

فكما لا تركز أمريكا في أي تحالف على ايران ، كذلك السعودية ، التي لن تلغي علاقتها الاستراتجية بالصين وروسيا، للبقاء في المحور الأمريكي، خاصة ان أمريكا لم تعد حليفتها في حربها ضد ايران، فلماذا تبقي على مستوى علاقة جيد مع بلد له لا اهداف مشتركة بينهما.

المفارقة ان مصلحة السعودية الاقتصادية والعسكرية اليوم مع حلفاء ايران ” روسيا والصين” ، وهذا من ناحية سياسية بحته قد يشكل مدخل الاتفاق السعودي- الإيراني المقبل “فمازالت بغداد عاصمة نقطة الاتقاء والتفاوض بين ضفتي الخليج السعودية -الإيرانية”

لذا فالتحالف العسكري السعودي- الإسرائيلي برعاية أمريكية ، حتى وان أُعلن ، لن يكون هو خطة السعودية الوحيدة، لانه  لن يشكل عامل ردع لإيران اولاً ، فهي فعليًا في صراع عسكري وامني مع إسرائيل ، ولا جديد يمكن ان يردع ايران .

وثانيًا: هذا التحالف المزعوم، لن يشجع السعودية وجوارها وكل المنطقة على خوض حرب مباشرة مع ايران ، فالحرب المباشرة ليست مطروحة، إضافة ان كل الدول العربية المدعوة لقمة جدة سواء الخليجية كقطر والامارات ، او المحورية في الصراع العربي – الإسرائيلي كمصر، ستقف على الحياد ان حدثت حرب إسرائيلية- إيرانية

ان التهليل والتهديد بتحالف شرق اوسطي، يبقى مجرد ابتزاز ” اعلامي” وسياسي، الغرض منه الحصول على تنازلات اكثر من ايران، التي تجلس معها كل دولة على حده، لعقد صفقات واتفاقيات امنية.

اعلان العداء

فالامارات شريك السعودية الاستراتيجي في المنطقة ، لا تجرؤ على اعلان العداء لإيران، او الدخول في تحالف ضدها مع إسرائيل ، والبيان الامارتي قبل أسابيع من انعقاد قمة جدة كان واضحًا  ” لسنا طرفًا في أي تحالف عسكري إقليمي أو تعاون يستهدف أي دولة بعينها” واستقبت القمة بساعات، بإعلان رغبتها لتطوير العلاقات مع ايران بتعيين سفير!

لذا فحضور الدول العربية للقمة، ليس الا حضوراً شكليًا فقط، يقوي موقف السعودية بإنها مازالت هي كبيرة الخليج والمنطقة، وان من يريد إقامة أي تحالفات عربية، عليه ان يدخل من باب السعودية .

هذا بخصوص زيارة بايدن للرياض، الرسائل، والتوقعات، فماذا عن توجه بوتين لإيران!

بلاشك انها رسالة واحدة وواضحة ، ان محور روسيا الشرقي قائم ويمتد، واصبح مستبعداً ان يبقى العرب وسط هذا الصراع على الحياد، فهم قلب الصراع.

لذا فانضمام تركيا لقمة روسيا وايران، وبقاء الصين الغائب الحاضر، لايعني ان القمة ضد الجوار الخليجي او العرب بشكل عام، بل يعني ان أمريكا حتى بعودتها للسعودية لم تعد تستطيع اخراج روسيا من الشرق الأوسط .

ان زيارة بايدن لجدة على عكس المرجو منها، ستعلن عن قوة ونفوذ روسيا والصين في المنطقة ، لانها ستنتهي دون تحالف او تغير سياسيات الدول المشاركة فيها

بل يمكن توقع زيارة بوتين للمنطقة ، والاهم من ذلك ان الدول العربية المشاركة في القمة الامريكية لاسيما السعودية ، ستمضي قدمًا في شراكتها الاستراتيجية بروسيا والصين

اما فيما يخص الحليف الإيراني ، فكل الدول ذهبت وذاهبة لاتفـــــــاق ثنائي مع ايران، وخاصة الســـــــعودية ، وهذا لن يعني فقـــــــط خسارة أمريكا للشرق الأوسط ، بل سيعني ان الحليف الإسرائيلي سيكون وحيدًا في مواجهة ايران، وهذا يمهد لتوقع اتفاق إيراني – إسرائيلي مستقبلًا لا سيما مع زيادة النفوذ الصيني- الروسي

مشاركة