أمريكا تترقّب خطوات السوداني – مجيد الكفائي

أمريكا تترقّب خطوات السوداني – مجيد الكفائي

تعيش بغداد مرحلة حساسة بعد ضربات السليمانية التي أعادت خلط الأوراق على المستويين الأمني والسياسي، ووضعت حكومة محمد شياع السوداني أمام اختبار صعب قد يحدد مسار الدولة في الأشهر المقبلة. ورغم محاولات التهدئة التي اتخذتها الحكومة،  إلا أن طبيعة الضربات وما رافقها من توتر داخل الإقليم أثارت مخاوف متجددة بشأن قدرة الدولة على فرض سلطتها ومنع تفاقم التصعيد. في هذا السياق، تبرز واشنطن كطرف يراقب المشهد العراقي بدقة، ليس فقط بسبب مصالحها الاستراتيجية، بل لأن أي اضطراب جديد قد يفتح المجال لقوى أخرى لزيادة نفوذها . وهذا ما يجعل الأميركيين يعتبرون المرحلة  الحالية «فرصة أخيرة» للسوداني لإثبات أن بغداد ما تزال قادرة على إدارة التوازنات الداخلية والإقليمية دون الانزلاق نحو

 مواجهة مفتوحة أو تراجع في هيبة الدولة.

ورغم أن واشنطن لا تعلن موقفها بصراحة، إلا أن رسائلها غير المباشرة توحي بأنها تنتظر خطوات حقيقية تمنع تكرار سيناريوهات الانفلات الأمني السابقة.

أمام السوداني اليوم مجموعة من الخيارات الدقيقة، تبدأ من إعادة ضبط الوضع الأمني في محيط السليمانية، وتثبيت التنسيق بين القوات الاتحادية وقوات الإقليم، مرورًا بمعالجة الانقسامات السياسية داخل كردستان التي غالبًا ما تتحول إلى نقاط ضعف تستغلها أطراف إقليمية ودولية، وصولًا إلى بناء موقف عراقي متماسك أمام الضغوط الخارجية.

 ويبدو أن نجاحه لا يتوقف   على القرارات الأمنية وحدها، بل على قدرته على تحويل هذه الأزمة إلى نقطة انطلاق لحوار سياسي أوسع يعالج جذور الخلاف بين بغداد والإقليم، ويعيد رسم قواعد العمل المشترك وفق رؤية واضحة لا تسمح بحدوث فراغات أمنية جديدة.

في الوقت ذاته، يدرك السوداني أن الانحياز الكامل لأي طرف خارجي  — سواء واشنطن أو غيرها — قد يضعف موقعه الداخلي ويعمّق الانقسام . ولذلك فإن التوازن الدقيق بين الانفتاح على الأميركيين، وطمأنة القوى المحلية، والحفاظ على علاقات مستقرة مع الأطراف الإقليمية، سيكون العامل الأكثر تحديدًا لمسار

المرحلة المقبلة.   اما الإخفاق في إدارة هذه التوازنات فقد يفتح الباب أمام موجة جديدة من التوتر يصعب احتواؤها لاحقًا.إن ما تواجهه بغداد اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل لحظة مفصلية قد تحدد شكل الدولة العراقية لسنوات. وإذا استطاعت الحكومة استثمار اللحظة الراهنة بذكاء، فقد تكون بداية مسار أكثر استقرارًا. أما إذا ضاعت هذه الفرصة، فربما يجد العراق نفسه أمام دورة جديدة من التحديات التي تتجاوز حدود السليمانية لتطال المشهد السياسي برمّته.

مشاركة