توقيع
فاتح عبد السلام
قبل سنوات عدة ، ظهر برنامج في احدى القنوات البريطانية ، تحدث عن نظرة الناس للسترات الصفراء التي يرتديها بعض الناس في الشوارع أو الاماكن العامة. وخلص البرنامج الى انّ الناس يسلمون بشكل تلقائي لحقيقة انّ الذين يرتدون السترات الصفراء يؤدون خدمة عامة وهم محل احترام عال ويكونون غالباً فوق الشبهات. واجرى فريق البرنامج اختباراً بسيطاً لكنه في غاية الاهمية، حين جعل احد اعضائه الممثلين يرتدي سترة صفراء ويذهب الى مكان غير مرخص به إلاّ للعاملين في منطقة في مطار هيثرو بالغ الأهمية، ومرّ ذلك الرجل بشكل عادي عبر الحاجز من دون أن يعترضه أحد، ربّما لأنّ العاملين هناك لم يتوقعوا ، وهو يرتدي السترة الصفراء ، أن يكون شخصاً غير مرخص له بالمرور.
السترات الصفراء فيها رمزية كبيرة مستمدة من المكانة العالية لخدمة المجتمع والعمل العام ، من هنا استغل المحتجون الفرنسيون هذه الرمزية وارتدوا تلك السترات ونزلوا للشوارع مطالبين بحقوق العدالة الاجتماعية وخفض الضرائب، قبل ان تنحرف بعض الاحتجاجات الى تدمير وحرق المحال التجارية في قبل العاصمة حيث ملتقى السياح الاجانب .حتى ان وزير المالية الفرنسي عبر عن حزنه لكمية الدمار في الامكنة التجارية الفاخرة وعدّها كارثة اقتصادية ، وهو مصطلح له دلالاته الدقيقة حين يصدر عن وزير مالية لديه التقديرات الصحيحة .
المثير هو انّ وزيراً فرنسياً ، طالب الرئيس الامريكي ترامب بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الفرنسية ، في تصريح بدا أبعد من الرد على تغريدة لترامب رأوا فيها الهاباً للتيار الشعبوي في بلادهم والدول الاوروبية المجاورة التي بدأت تتلقى عدوى السترات الصفراء تدريجياً .
ثمة سوابق كثيرة من الاحتكاكات بين واشنطن وباريس تمتد الى فترة الموقف الفرنسي المعارض للحرب الامريكية لاحتلال العراق العام 2003، حيث عمد بعض الامريكان الى الاستهزاء والتهكم على الفرنسيين لدرجة منع بعض المطاعم تقديم البطاطس المقلية على الطريقة الفرنسية.
لكن في النهاية لا يمكن قراءة المشهد الفرنسي من خلال التدخل الامريكي واليد السرية لواشنطن من وراء ستار وبحار ، ذلك انّ التيارات العنيفة في اوروبا تنمو بسرعة واليمين المتطرف بات قوياً في عموم القارة ، وهذا أمر له كلفته الجانبية في جميع الدول .