ألمانيا تودع الطاقة النووية نهائياً..لتتجنب مصير تشيرنوبيل وفوكوشيما

برلين‭- ‬الزمان‭ ‬

على‭ ‬وقع‭ ‬هواجس‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬يشبه‭ ‬الكوارث‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬قبلها‭  ‬،‭ ‬

تمضي‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬النووي‭ ‬رغم‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬إذ‭ ‬توقف‭ ‬السبت‭ ‬آخر‭ ‬ثلاثة‭ ‬مفاعلات،‭ ‬معولة‭ ‬على‭ ‬انجاح‭ ‬انتقالها‭ ‬البيئي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭.‬

على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬نيكار،‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬شتوتغارت‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬ألمانيا،‭ ‬سيصبح‭ ‬البخار‭ ‬الأبيض‭ ‬المنبعث‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬بادن‭ ‬فورتمبيرغ‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬قريباً‭ ‬مجرد‭ ‬ذكرى‭.‬

ويسري‭ ‬الامر‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬مجمعي‭ ‬‮«‬إيسار‭ ‬2‮»‬‭ ‬بمنطقة‭ ‬بافاريا‭ ‬شرق‭ ‬البلاد،‭ ‬وإيمسلاند‭ ‬شمالاً،‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬ألمانيا،‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬الهولندية‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬تعتمد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬تطوي‭ ‬ألمانيا،‭ ‬الرائدة‭ ‬اقتصادياً‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬نهائياً،‭ ‬رغم‭ ‬الجدل‭ ‬المتواصل‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭.‬

وتنفّذ‭ ‬ألمانيا‭ ‬قرار‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬المتخذ‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬والذي‭ ‬سرّعته‭ ‬أنغيلا‭ ‬ميركل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بعد‭ ‬كارثة‭ ‬فوكوشيما‭ ‬في‭ ‬اليابان‭.‬

وقالت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬حينها‭ ‬إن‭ ‬كارثة‭ ‬فوكوشيما‭ ‬أظهرت‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عالي‭ ‬التقنية‭ ‬مثل‭ ‬اليابان،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭%‬‮»‬‭.‬‭ ‬وأقنع‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تأججت‭ ‬فيه‭ ‬حركة‭ ‬قوية‭ ‬مناهضة‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬بفعل‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬مرتبط‭ ‬بالحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ثم‭ ‬إثر‭ ‬حوادث‭ ‬مثل‭ ‬تشيرنوبيل‭.‬

كان‭ ‬يمكن‭ ‬للغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬لإعادة‭ ‬نظر‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭: ‬فمع‭ ‬حرمان‭ ‬ألمانيا‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬بعدما‭ ‬قطعت‭ ‬موسكو‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬منه،‭ ‬وجدت‭ ‬برلين‭ ‬نفسها‭ ‬معرضة‭ ‬لأحلك‭ ‬السيناريوهات،‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬إغلاق‭ ‬مصانعها‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬التدفئة‭ ‬في‭ ‬عزّ‭ ‬الشتاء‭.‬

‮«‬العجلة‭ ‬بدأت‭ ‬بالدوران‮»‬‭ ‬

قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬الموعد‭ ‬المبدئي‭ ‬لإغلاق‭ ‬المفاعلات‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر،‭ ‬بدأت‭ ‬رياح‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬تتحول‭. ‬ويقول‭ ‬يوشين‭ ‬وينكلر،‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬نيكارفيستهايم،‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬محطة‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه‭ ‬ساعاتها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة،‭ ‬وموضوع‭ ‬المناخ‭ ‬المشتعل،‭ ‬علت‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أصوات‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتمديد‭ ‬عمل‭ ‬المحطات‮»‬‭.‬‮ ‬

وقررت‭ ‬حكومة‭ ‬أولاف‭ ‬شولتس‭ ‬التي‭ ‬ينضوي‭ ‬فيها‭ ‬حزب‭ ‬الخضر،‭ ‬الأكثر‭ ‬عداءً‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬أخيراً‭ ‬تمديد‭ ‬تشغيل‭ ‬المفاعلات‭ ‬لتأمين‭ ‬الإمدادات‭ ‬حتى‭ ‬15‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭.‬

ويوضح‭ ‬وينكلر‭ ‬‮«‬ربما‭ ‬كان‭ ‬ليتجدد‭ ‬النقاش‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬شهدنا‭ ‬شتاء‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حصل‭ ‬انقطاع‭ ‬في‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬ونقص‭ ‬في‭ ‬الغاز‭. ‬لكن‭ ‬الشتاء‭ ‬الذي‭ ‬مرّ‭ ‬علينا‭ ‬لم‭ ‬تتخلله‭ ‬مشكلات‭ ‬كثيرة‮»‬،‭ ‬بفضل‭ ‬الاستيراد‭ ‬الهائل‭ ‬للغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬المسال‭.‬

بالنسبة‭ ‬لرئيس‭ ‬بلدية‭ ‬البلدة‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬4000‭ ‬نسمة،‭ ‬يعمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬‮«‬العجلة‭ ‬بدأت‭ ‬بالدوران‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬‮«‬للرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‮»‬‭.‬

قد‭ ‬أغلقت‭ ‬ألمانيا‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬مفاعلا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬ووفرت‭ ‬المحطات‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة‭ ‬6‭%‬‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬المنتجة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬بعدما‭ ‬أمّنت‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬30‭,‬8‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬كميات‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬عام‭ ‬1997‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬بلغت‭ ‬حصة‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬التوليد‭ ‬46‭%‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬مقارنة‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬25‭%‬‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭.‬

‭- ‬5‭ ‬توربينات‭ ‬رياح‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ -‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬وتيرة‭ ‬التقدم‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬لا‭ ‬ترضي‭ ‬الحكومة‭ ‬ولا‭ ‬الناشطين‭ ‬البيئيين،‭ ‬ولن‭ ‬تحقق‭ ‬ألمانيا‭ ‬أهدافها‭ ‬المناخية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جهود‭ ‬إضافية‭ ‬قوية‭.‬

هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬‮«‬طموحة‭ ‬أصلاً‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬نحرم‭ ‬فيها‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬تقني،‭ ‬نجعل‭ ‬الأمور‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‮»‬،‭ ‬وفق‭ ‬يورغ‭ ‬زاكمان،‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬بروغل‭ ‬للبحوث‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭.‬

المعادلة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هدف‭ ‬إغلاق‭ ‬جميع‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بالفحم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2038،‭ ‬مع‭ ‬إغلاق‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬منها‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬الفحم‭ ‬يمثل‭ ‬ثلث‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بزيادة‭ ‬قدرها‭ ‬8‭% ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬لتعويض‭ ‬غياب‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭.‬

وأكد‭ ‬أولاف‭ ‬شولتس‭ ‬ضرورة‭ ‬تركيب‭ ‬ألمانيا‭ ‬‮«‬4‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬توربينات‭ ‬رياح‭ ‬كل‭ ‬يوم‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة‭ ‬لتغطية‭ ‬احتياجاتها‭. ‬وتُعدّ‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬مرتفعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بنصب‭ ‬551‭ ‬توربينة‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬سلسلة‭ ‬تخفيفات‭ ‬في‭ ‬القيود‭ ‬التنظيمية‭ ‬اعتُمدت‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أن‭ ‬تتيح‭ ‬تسريع‭ ‬الوتيرة‭. ‬و»تستغرق‭ ‬عملية‭ ‬التخطيط‭ ‬والموافقة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬طاقة‭ ‬الرياح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬المتوسط‮»‬،‭ ‬بحسب‭ ‬اتحاد‭ ‬القطاع‭ (‬BWE‭) ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬تسريع‭ ‬الوتيرة‭ ‬بعام‭ ‬أو‭ ‬عامين‭ ‬يشكل‭ ‬‮«‬تقدماً‭ ‬كبيراً‮»‬‭ ‬بالفعل‭.‬

مشاركة