ألزهايمر

31-1

زمان جديد

عبد الحق بن رحمون

كل‭ ‬شخص‭ ‬مصاب‭ ‬بـ‭ ‬ألزهايمر‭ ‬حتى‭ ‬تثبت‭ ‬إدانته،‭ ‬أو‭ ‬يقوم‭ ‬بتشخيص‭ ‬سنوي‭ ‬لذاكرته،‭ ‬فحفظ‭ ‬الذاكرة‭ ‬صعب‭ ‬للغاية‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تعترضها‭ ‬ثقوب‭ ‬وعوارض،‭ ‬ستبقى‭ ‬سليمة،‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬العمر،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬أهملناها‭ ‬سيكون‭ ‬مصيرها‭ ‬الجفاف‭ ‬كالتربة‭ ‬التي‭ ‬لايتم‭ ‬تقليبها‭ ‬وحرثها‭ ‬سنوياً‭. ‬ومرضى‭ ‬الزهايمر،‭ ‬مزاجهم‭ ‬متقلب‭ ‬وحاد،‭ ‬ويتصفون‭ ‬بسرعة‭ ‬العصبية‭ ‬والغضب‭. ‬ويشتكي‭ ‬منهم‭ ‬المحيطين‭ ‬بهم‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬مصداقية‭ ‬لهم‭ ‬وينسىوا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عدوانية‭ ‬اتجاه‭ ‬الآخرين‭ ‬ساعة‭ ‬تحولهم‭ ‬إلى‭ ‬وحش‭.‬

وكم‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬وحافظ‭  ‬للعلم،‭ ‬فقد‭ ‬ذاكرته،‭ ‬ونسي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدرسه‭ ‬أيام‭ ‬التحصيل،‭ ‬وهناك‭ ‬وظائف‭ ‬لاتحتاج‭ ‬لتكون‭ ‬حفاظة‭ ‬وعلامة،‭ ‬وصاحب‭ ‬نباهة‭ ‬وحدقة،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬حفظه‭ ‬فقط‭ ‬كلمة‭ ‬خفيفة‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ (‬نعم‭ ‬آسي‭) ‬وهي‭ ‬الرائجة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدوائر‭ ‬المخزنية‭.‬

مع‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة،‭ ‬صارت‭ ‬ذاكرة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬المشرقية‭ ‬والمغربية،‭ ‬معرضة‭ ‬بسرعة‭ ‬للإصابة‭ ‬بـ‭ ‬ألزهايمر،‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬منذ‭ ‬الشباب‭ ‬الباكر‭. ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتداول‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬يصيب‭ ‬الانسان‭ ‬عند‭ ‬بلوغه‭ ‬سن‭ ‬الشيخوخة‭. ‬فالعالم‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬يقع‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خسارات‭ ‬تلو‭ ‬خسارات‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬الأرواح،‭ ‬فقد‭ ‬صوابه‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬معمعان‭ ‬التقتيل،‭ ‬والترهيب،‭ ‬والترغيب‭. ‬وستأتي‭ ‬سنوات‭ ‬قادمة‭ ‬بسبب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬الآن،‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬الجماعية،‭ ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬الرهاب‭ ‬والخوف،‭ ‬وصور‭ ‬الفواجع،‭ ‬والدمار‭. ‬ونريد‭ ‬محوها‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع،‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬فظاعة‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬ويحدث،‭ ‬والسبب‭ ‬هي‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬المزيفة‭ ‬التي‭ ‬تشعل‭ ‬فتيل‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لاطائل‭ ‬منها‭.‬

الكثير‭ ‬منا‭ ‬بلا‭ ‬ذاكرة‭ ‬محفظة،‭ ‬مجمل‭ ‬ما‭ ‬يصلنا‭ ‬من‭ ‬فيديوهات‭ ‬وصور‭ ‬ورسائل‭ ‬رقمية،‭ ‬تتم‭ ‬قراءتها‭ ‬ومشاهدتها،‭ ‬ثم‭ ‬مسحها‭ ‬ببرودة‭ ‬دم،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحياتنا‭ ‬الشخصية‭ ‬والحميمية‭.‬

وأمام‭ ‬تضخم‭ ‬المشاكل،‭ ‬واستهلاك‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة،‭ ‬بشكل‭ ‬حد‭ ‬الإدمان،‭ ‬الناس‭ ‬فقدوا‭ ‬ذاكرتهم،‭ ‬وصاروا‭ ‬يضيعون‭ ‬أغراضهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكالب‭ ‬عليهم‭ ‬الكسل‭ ‬والخمول،‭ ‬وصار‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجونه‭ ‬يستنجدون‭ ‬بمحرك‭ ‬البحث‭ ‬العالمي،‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬الانترنت‭ ‬لإيجاد‭ ‬ضالتهم‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬غير‭ ‬صادقة‭.‬

ومع‭ ‬الاستهلاك‭ ‬اليومي،‭ ‬لكل‭ ‬الأفلام‭ ‬التركية‭ ‬المدبلجة‭ ‬بطريقة‭ ‬رديئة،‭ ‬التي‭ ‬تَمتدُ‭ ‬سلسلتها‭ ‬لسنوات،‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نتذكر‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬الماضية‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬أو‭ ‬الاحتفاظ‭  ‬ببعضها‭ ‬مقيدا‭ ‬في‭ ‬المذكرات‭ ‬الشخصية،‭ ‬للعودة‭ ‬إليه‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬والضرورة‭. ‬وأيضا‭ ‬فالفضائيات‭ ‬والقنوات‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بالعالم‭ ‬ضيعت‭ ‬علينا‭ ‬فرصة‭ ‬أن‭ ‬نختار‭ ‬أشياءً‭ ‬جميلة‭ ‬تليق‭ ‬بنا،‭ ‬ونُكون‭ ‬منها‭ ‬ذوقا‭ ‬يليق‭ ‬بمستوانا‭ ‬النفسي‭ ‬والعقلي‭.‬

من‭ ‬أسباب‭ ‬ألزهايمر‭ ‬وبداية‭ ‬الخرف،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تناول‭ ‬أدوية‭ ‬ومخدرات‭ ‬زيادة‭ ‬عن‭ ‬اللزوم،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬العامل‭ ‬النفسي‭ ‬والصراع‭ ‬اليومي‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬دواليب‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬سبب،‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬المحيط‭ ‬الأسري،‭ ‬لو‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬شخصنا،‭ ‬سألناه‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬دقيقة‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬سنجده‭ ‬أن‭ ‬نسيها‭ ‬بسرعة،‭ ‬وهذا‭ ‬الفقدان‭ ‬الطفيف‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬سببه‭ ‬الثقة‭ ‬الزائدة‭ ‬عن‭ ‬حدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلكتروني؛‭ ‬وننسى‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬معرضة‭ ‬لعطب‭ ‬سريع‭ ‬في‭ ‬ذاكرتها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬جودتها‭ ‬وقيمتها‭ ‬المادية‭.‬

ألم‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬يوميا‭ ‬تظهر‭ ‬حالات‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬لأشخاص‭ ‬يفقدون‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬بسرعة‭ ‬غريبة‭ ‬وغير‭ ‬منطقية،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬ينسى‭ ‬سيارته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬ركنها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬معين،‭ ‬ويعتقد‭ ‬أنها‭ ‬سرقت‭ ‬منه،‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬الشرطة‭ ‬للتبليغ‭. ‬ومن‭ ‬أعراض‭ ‬ألزهايمر‭ ‬أيضا‭ ‬أنك‭ ‬تجد‭ ‬شخصا‭ ‬يعيد‭ ‬نفس‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت،‭ ‬ويستخدم‭ ‬تضخيم‭ ‬الأناة،‭ ‬ويحكي‭ ‬لك‭ ‬أشياءً‭ ‬غير‭ ‬منطقية،‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬دائما‭ ‬هو‭ ‬البطل‭ ‬‮«‬السبدرمان‮»‬‭  ‬ومحور‭ ‬الدائرة‭. ‬وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬السبدرمان‮»‬‭ ‬هناك‭ ‬زوج‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬الليل،‭ ‬وانتبهت‭ ‬إليه‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تنتظره‭ ‬أنه‭ ‬يلبس‭ ‬ثبانا‭ ‬فوق‭ ‬سرواله،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬علقت‭ ‬عليه‭ ‬قائلة‭ (‬تْبَارْك‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬السبدرمان‭) ‬لأن‭ ‬المسكين‭ ‬كان‭ ‬يقضي‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬عشيقته،‭ ‬ولما‭ ‬أراد‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬ارتدى‭ ‬ملابسه‭ ‬بسرعة‭. ‬وكان‭ ‬ماكان‭.‬

ويبقى‭ ‬ألزهايمر‭ ‬وأعراضه،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينسى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬مختلفة‭ ‬محفظته‭ ‬وأغراضه‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬لايتذكرها،‭ ‬أو‭ ‬يضع‭ ‬كتبه‭ ‬وملابسه‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭ ‬أو‭ ‬ينسى‭ ‬قن‭ ‬بطاقته‭ ‬البنكية‭ ‬ويضطر‭ ‬استرداده‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬البنكية‭ ‬التي‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ .‬

مشاركة