أطباء العهد الماضي.. التقاعد والإنجازات – ماهر نصرت
…. أن أكثر أطباء العهد الماضي تحديداً قد عاصروا زمن كان التطور الطبي فيه يحبو ويسير ببطء شديد والمعلومات المتوفرة لديهم عن أسرار جسم الإنسان ناقصة وغير مكتملة .. لذا نجد إن علاجهم كان يصيب ويخيب في أكثر الحالات لأنه مبني على أساس الخبرة المحدودة والدراسة الجامعية الناقصة التي كان يعاني منها الصنف الطبي في حينها لعدم الوضوح والضبابية التي كانت تحيط بأسباب الكثير من الأمراض المستعصية ومسبباتها في دول العالم ، أن بعض هولاء الأطباء الذين مازالوا قائمون في عياداتهم الطبية قد أصبحوا كبار السن وعاجزين أو عاجزون عن مواكبة التطور العلمي الحديث الذي يحتاج إلى الفكر الناصح والجسد النشيط والمتابعة المستمرة والسفر الدائم لحضور المؤتمرات المختصة والبحث عن أسباب ومسببات أمراض العصر المعقدة التي ظهرت بسبب الحروب أو تعقيد الصناعات وتأثيرها المدمر على صحة الإنسان ، فقد ابتعدوا لظروفهم القاهرة عن التطور العلمي كما ذكرت وأصبحوا أطباء متخلفين أمام الانقلاب التكنولوجي المعاصر الذي دخل العالم وجاء بمعلومات ومصطلحات جديدة لايستطيع التحليق في أجوائها الا الذين درسوا في الجامعات العالمية الحديثة واطلعوا على أحدث الأمراض والأجهزة المعقدة المستخدمة هناك وما توصل اليه علم التشريح والعلاجات المستحدثة التي دخلت تحت مسميات جديدة ومتراكبة لم يسمع بها الأطباء القدماء جزاهم الله خيرا .
في الحقيقة اني لاانتقص من انجازاتهم المشرفة في حينها فقد كانت مجتمعاتنا تعتمد اعتماداً كلياً على تشخيصهم وعلاجهم آنذاك ولكني أرى أن تقاعدهم عن العمل اليوم هو اسلم طريق لحفظ تألقهم الماضي حالهم حال لاعب كرة القدم الذي يبدع في شبابه ويعتزل بعد ان يكبر ويشيخ ….. بدل من أن يستمروا في مهنهم ويذهبوا في تشخيص أمراض الناس بشكلٍ غير دقيق بسبب إتباعهم طرق كلاسيكية غير متكاملة العدة الحديثة والفكر المؤهل احياناً فقد اتضح ان تشخيصهم ينقصه الكثير من العمق العلمي المعاصر وما توصل اليه الزمن من أسرار التركيب الفسيولوجي التي تعنى بالوظائف الفيزيائية والكيميائية التي تتطور داخل أعضاء الكائن الحي ، فليس بمقدور الناس أن يرموا أموالهم عبثاً من وراء مراجعة عيادات أطباء خرجوا لنا من اكادميات العهد البعيد ولم يلحقوا الركب لتطوير أنفسهم بسبب السن والشيخوخة والعجز الجسدي وخاصة عند محاولاتهم في معالجة الناس محدودي الموارد من العمال الكبسة الذين يحصلون على قوتهم يوماً بيوم …يتميز الجيل الحالي من خريجي كليات الصيدلة كمثال على ماجئت به في سطوري المنصرفة يتميز بالكفاءة المهنية العالية وخاصة من الذين عاصروا الحداثة وعملوا مبكراً أي بعد تخرجهم مباشرة كوسطاء لبيع الأدوية بين الشركات المنتجة والصيدليات التجارية العالمية فقد كان لديهم اتصال لاينقطع مع الأطباء المتقوقعين في عياداتهم المزدحمة بالمراجعين على الدوام فهولاء الأطباء لايمتلكون الوقت الكافي للاطلاع على جديد الأعداد التي لاحصر لها من الأدوية الحديثة التي تطلقها الشركات الى الاسواق بعد أن دخلت بمسميات تجارية مختلفة لم يسمعوا بها من قبل ، ان هولاء الصيادلة المثابرين دأبوا على أن يقوموا بتوضيح مركبات أدويتهم الحديثة واخر ما توصلت اليه التكنلوجيا الصناعية بهذا الشأن لعدد غير قليل من الأطباء الرابضين في عياداتهم ليل نهار المنغلقين على معلوماتهم القديمة التي راحوا يعيدون ويصقلون فيها مع المرضى المغلوب على امرهم .. فصار أولئك الصيادلة من مستحدثي الخدمة يحملون معلومات لاحصر لها عن أسرار الأدوية ومركباتها العميقة والحالات المرضية التي تستوجب استعمالاتها بالدقة المتناهية ، وهناك حالات مرضية شفيت مع نصائح ووصفات هذا النوع من الصيادلة بعد ان فشل في علاجها الكثير من الأطباء أصحاب الحقبة الماضية من التشخيص الدقيق في تحديد الحالات المرضية وخاصة الحديثة منها . …. هذا نداء موجه الى الأطباء وأصحاب الصيدليات والمختبرات التجارية الذي يميل البعض منهم في تجارته الطبية والدوائية الى الجشع وعدم رحمة المرضى وعدم مراعاة فقر وعوز الكثير منهم ، نرجو ان تعيدوا النظر بأسعاركم المتوحشة وان تخدموا أهل بلدكم بإنسانية ورحمة وعودوا الى شعار ( الرحمة في الطب ) الذي كان مرفوعاً ومتبعاً في العهد الماضي وندعوا أولئك الاستغلاليين منهم أن يتوقفوا عن امتصاص أموال الناس ويعملوا على تخفيض الأسعار التي راحت تتصاعد باضطراد حتى وصلت الى حد اللهيب الحارق . وسلامتكم من الآه .