حيدر عبد الرضا
البصرة
كثيرا ما نسمع و نشاهد ثمة مقولات أصبحت الأن أكثر تداولا و رسوخا في بنية ألسنة ألفاظ الكتاب و الأدباء في الوقت الحاضر ، و أتذكر منها على سبيل الأستشهاد ما قاله عني الأخ ( غزاي درع الطائي ) في مقال كانت قد نشرته له صحيفة الزمان حينذاك ( من يراقب المشهد الأدبي العراقي اليوم سيلاحظ بجلاء أنسحاب العدد من النقاد الكبار و اللامعين عن الساحة النقدية العراقية و قد ساعد هذا الأنسحاب الذي أتمنى مخلصا أن لا يطول كثيرا على بروز طبقة من النقاد الجدد الضعيفي المواهب ) أتمنى من القارىء العزيز أن لا يعتقد لحظة واحدة بأن لهذا الكلام عني ثمة تأثير سلبي على ذائقتي و موهبتي الكتابية ، بل لعل مثل هذا الكلام قد زادني حافزا جديدا نحو عكس هذه الصورة السلبية عني و عن زمني الكتابي في صحيفة الزمان العزيزة بكافة ملاكها الجميلة و الأمينة و المتكونة من ( كرم نعمة / شكيب كاظم / رزاق إبراهيم حسن ) و القائمة تطول بأسماء الأصدقاء الأدباء العاملين في هذه الصحيفة سواء في الطبعة الدولية أو طبعة بغداد ، كذلك هم وحدهم الشاهدين على ما أكتبه من مقالات و كشف حقائق بعض من المزيفين من أنصاف الأدباء و أنصاف النصوص . و على أثر أقوال غزاي درع الطائي سوف أتخذ من كلامه هذا منطلقا موضوعيا أو كدليل أو كمدخل لموضوع مقالنا هذا . و قبل أن أبدأ بتفصيل أي طرح ما ، أود أن أذكر القارىء ، بأن هناك طبقة من الأدباء ما زالت تعيش أوهام أمجاد الماضي و أناس الماضي ، حتى و أن كانت قيم الحاضر و معطيات رجال و عقول الحاضر هي الأفضل و الأحسن . و من هؤلاء الناس على سبيل المثال كان الأخ غزاي درع الطائي نموذجا رفيعا لهذا الشكل من المعيار الأمثولي لطرح موضوع مقالنا هذا . كذلك هناك نوعا آخر من الناس من يمقتون نجاحات الآخرين ، حيث تراهم راصدين لهؤلاء الناس عثراتهم و زلل خطواتهم ، على أية حال ، جميلا جدا . أن يكون هناك فعلا ( نقاد كبار؟ ) و نقاد من فئة اللامعين على حد ما يقوله المنافقين : و لكن أين هم من جذور النقد و أضواء الثقافة العربية النقدية ؟ و أين هو هذا الناقد الكبير من تأريخ النقد العراقي ؟ فأنا شخصيا و من خلال قراءاتي الكبيرة و الشاقة لأمهات الدراسات النقدية العربية و الصحافة العربية و الدوريات و المجلات الأسبوعية الثقافية ، لم أذكر في يوم من الأيام ، بأن هناك ثمة دراسة أو بحث أو مقال أو حتى عمود صحفي ، قد أتخذ به و من خلاله ثمة ناقد عراقي كمرجع أو كمصدر أو كذكرى حتى ؟ فلا أدري أين هو ذلك الناقد الكبير أو اللامع الذي كان يعنيه الضابط الشاعر غزاي درع الطائي ، أين يسكن و من شاهده و أين يدفن ، هل يقصدون هؤلاء الأدباء بتسمية الناقد الكبير ، أي ذلك الشخص الذي تطويه حقبة تاريخية معينة أو أمتداد زمني يكون بمنأى عن زمننا الحاضر ، أم لعلهم يقصدون الأكاديمي الدكتور علي جواد الطاهر ، هذا الرجل الذي سلخ كل ما كتبه من مقالات من أجل طلاب الجامعات و الهواة في النقد الأدبي ، أم أنهم يقصدون عبد الجبار داود البصري هذا الآخر الذي سلخ كل كتاباته النقدية من أجل المنافع الشخصية و الخمر و النساء و الزهو الشخصي و الأعلامي ، أم تراهم يقصدون فاضل ثامر و عمليات أختبائه خلف المعاجم و المناهج المستوردة و المستهلكة و مشاطراته الغرامية مع من يتقنون اللغات الأجنبية ، حيث كان يعتبر من يتقن اللغة الأنكليزية أو الفرنسية ، هو الناقد وحده أولا و أخيرا . و لا أعتقد من جهتي بأن هناك خارج حدود هذه الأسماء ما هو يقصد باللامعين أو الكبار حتى . أما الآخرين و ما نقرأه اليوم منشور من على الصحف ، فما هو سوى طبول و أحتفاليات بشخصية المؤلف ، بالأضافة الى هذا هناك نوعا ما من العروض النقدية الصحفية و مقالات الأدباء لبعضهم البعض و التي لا تتعدى حدود المجاملات الشخصية في أحيان كثيرة . من هنا أكرر أعتذاري للنقاد العراقيين الجادين و منهم على وجه التحديد ( رزاق إبراهيم حسن / شكيب كاظم / جميل الشبيبي / محمد صابر عبيد ) و أساتذة الجامعات أيضا فهناك من فيهم يمتلك الرؤية و الثقافة النقدية الجيدة كذلك هناك أيضا من يحمل وجهة النظر الصائبة ، و لكن أنا أقصد بقولي هذا هو أين ذلك الناقد الكبير الذي يقصده أولئك الأدباء الذين صوروه في منزلة يصعب النزول منها و الى درجة مماثلة الوهم و المستحيل ، و لا أدري أين هو ذلك اللامع ، هل يقصدون شخص ذلك الناقد الذي يكيل المديح و التمجيد و طقوس الشكر و العرفان للأدباء حول موائد الخمر ، أم يقصدون ذلك الذي يتكلم الأنكليزية بطلاقة ، أم يقصدون ذلك الناقد المسكون بحب المهرجانات و الجلوس الطويل في مقاهي الشاي و القمار و البخار النقدي الزائف . و تبعا لما ذكرته أود أن أنبه القارىء الى أن ليس هناك لجدلية ( النقاد الكبار ) ثمة معنى أو سطوة حقيقية سوى في خيالات أنصاف الأدباء و أنصاف النصوص ، كما أعتقد من جهتي الشخصية ، بأن من المعيب الكبير أن نكون خاضعين كأدباء لمثل مسمى ( النقاد الكبار ) أو ( الجيل الكبير ) أو ( الشاعر العظيم ) أو ( عميد الأدب ) لأن الكاتب الكبير هو كبير و رفيع بمنزلة نصه الأبداعي فقط ، و ليس هناك سوى من الضعفاء من يحاولون وضع الألقاب و زرع الفوارق و أنشاء الحواجز ، كذلك من تستهويه مثل هذه المسميات هو حقيقة مجرد فراغ في فراغ حيث تستأنس ذاته مثل هذه الأقوال على أن مرحلة النقاد الكبار هي الأكثر رصانة و رفعة بالنقد و الثقافة : فأنا أعرف شخصيا بأن هناك الكثيرين من الأدباء القصاصين القدماء من يمتلكون قصص رديئة و جافة ، كذلك بالمقابل هناك شعراء و روائيون لا يتحلون بصفة الأبداع بالقياس الى النصوص المعاصرة التي تمتاز بالتجدد و الحيوية الأبداعية : فما تفسير هذا ؟ هل يستطيع أحدا ما تعليل هذا الأمر ؟ و لماذا الأمر مقصور الأكثر رصانة و رفعة بالنقد و الثقافة : فأنا أعرف شخصيا بأن هناك الكثيرين من الأدباء القصاصين القدماء من يمتلكون قصص رديئة و جافة ، كذلك بالمقابل هناك شعراء و روائيون لا يتحلون بصفة الأبداع بالقياس الى النصوص المعاصرة التي تمتاز بالتجدد و الحيوية الأبداعية : فما تفسير هذا ؟ هل يستطيع أحدا ما تعليل هذا الأمر ؟ و لماذا الأمر مقصورا على طبقة النقد و النقاد حصرا ؟ ألا يعود هذا الأمر في شكله الى مفعول عدواني خاص لأدب و نقد فئة الشباب ، أم أن الأمر بات يتعلق بأن كلمة الحق و معيارية الحق جارحة و ممقوتة من طرف الكل ، على أية حال ، سوف تبرهن الأيام القادمة من هو الأفضل و من هو الأكثر صوابا في أنتاجه جيل النقاد الصغار أم أسطورة النقاد الكبار و الله ما وراء القصد . و في الختام أستطيع و أنا كلي أطمئنان و أمان من أن أقدم أكليل الورد على نصب ذكرى ( الناقد العراقي المجهول ؟ ) الذي ليس له وجودا حقيقيا في الأدب العراقي سوى في أوهام المنافقين من أنصاف الأدباء الذين ما زالت معاطفهم و قمصانهم تحمل رائحة الحرب و جلد ظهور الجنود المساكين الفارين من الحروب . نعم أقول و كلي أسف بأن ليس لدينا في الثقافة العراقية ناقدا حقيقيا ، و حتى أنا كاتب هذه السطور ، فنحن مجرد قراء للنقد و ليس نقاد ،إذن نحن بلا نقد و بلا نقاد و بلا علاقة جادة مع النص و الخطاب النقدي ، و على هذا أقول مستغربا ، كيف تسنى لهؤلاء الأدباء أن يجدون ذلك الناقد الكبير ، هل بوسعهم أن يدلوني من أين سار و أختفى ، هل لاقى حتفه أثر طيش الخمر ، أم تراه أنعزل داخل صومعة أرضية خوفا من عبث الشعراء المتخلفين أو أحتراسا من لغة و معيارية النقد الحقيقي و أمانة الناقد المجهول . و أحقاقا للحق في نهاية المطاف أقول و أعترف ، من الواجب علينا دائما أن نتذكر أثار و أعمال الناقد العراقي الراحل ( عبد الجبار عباس ) فهذا هو الناقد العراقي الوحيد الذي له كل الدور الريادي من خلال تعاملاته الأمينة مع النصوص الأدبية ، كذلك فهو الوحيد ممن يتحلى بروح الموضوعية و الرؤية النقدية الجادة : فليرحمك الله عبد الجبار عباس ، لأنك فعلا شعاعا و سيفا نقديا باشطا على رقاب أنصاف الأدباء و أنصاف النصوص و على نمط أشباه المثقفين .