أزمة الغاز تتجدد والسوق السوداء تزدهر في سوريا

أزمة الغاز تتجدد والسوق السوداء تزدهر في سوريا
موسكو ــ الزمان
يعود الغاز مرة ثانية ليتصدر قائمة اهتمامات المواطن السوري وذلك بعد تجدد أزمة الغاز المخصص للاستخدام المنزلي، حيث يشكو المواطنون من عدم توفر هذه المادة للبيع بصورة عادية، وأصبح الحصول على اسطوانة غاز منزلية يتطلب انتظاراً من ساعة إلى يوم وربما أكثر على طوابير طويلة أمام مراكز التوزيع في مختلف أحياء المدن السورية. والبديل عن هذه الطوابير يتمثل بالعثور على أشخاص سماسرة يملكون اسطوانات الغاز ويبيعونها بضعف، وأحياناً ضعفي ثمنها المحدد بتسعيرة رسمية حكومية.
وقال مراسل انباء موسكو في دمشق في ظل هذه الظروف، ونظراً لتوفر الطاقة الكهربائية، بعد انتهاء أزمة التزويد بالكهرباء خلال فصل الشتاء، تلجأ الكثير من العائلات إلى أفران الكهرباء أو السخانات الكهربائية، التي حلت سلعة جديدة يتزايد عليها الطلب هذه الأيام، بعد تراجع الطلب في الأسواق على المولدات الكهربائية.
وكان وزير النفط والثروة المعدنية قد أرجع سبب أزمة الغاز المنزلي إلى إجراءات الاتحاد الأوربي المتخذة خارج إطار العقوبات، والتي استهدفت قطاع النفط في سوريا، ومنع شركات النقل والتوريد من التعامل مع شركة المحروقات السورية. أما رئيس مجلس محافظة دمشق صالح بكرو فقد ذكر أن مجموعة من المعطيات الخارجية والداخلية تراكمت وتسببت بالأزمة الحالية ومنها الحصار الاقتصادي على سوريا، إضافة إلى عمليات السرقة والخطف التي تقوم بها مجموعات إرهابية على الطرقات وتعطل وصول الغاز إلى مراكز التوزيع. ويتفق أبو محمد مدير مركز لتوزيع الغاز في واحد من أحياء دمشق مع وجهة النظر الرسمية هذه، ويرى أن العقوبات التي يقول الغرب إنه يفرضها على الحكومة تضرب حقيقة بقوت المواطن البسيط وتزيد من التعقيدات الحياتية عليه في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها سوريا . لذلك يعارض أبو محمد أي شكل من أشكال العقوبات على بلاده لأنها تضرب في نهاية المطاف بحياة المواطن البسيط، معتبراً أن الحرص على مصلحة المواطن السوري الذي تدعيه بعض الدول لا يكون بتوجيه الضربة تلو الأخرى لهذا المواطن.
وحول ما إذا كانت هذه الأزمة ستسمر أم لا قال أبو محمد إن مركزه عاد يتسلم حصته من الغاز كما في السابق، مع نقص في بعض الأحيان بهذه الكمية، وعليه فهو يتوقع أن تنتهي الأزمة قريباً.
وبالقرب من مركز التوزيع كان يقف رجل في الخمسين من عمره حاله حال كثيرين يجلس على اسطوانة الغاز الفارغة بانتظار تبديلها بجديدة فور تسلم المركز كمية الغاز المخصصة له.
يقول هذا الرجل أن الأزمة موجودة وهي نتيجة طبيعية لما تشهده سوريا، ليشير في الوقت نفسه إلى أن سوء الإدارة لدى الجهات المسؤولة عن توزيع الطاقة سبب من أسباب الأزمة مستغرباً تصريحات صدرت عن أكثر من مسؤول بعدم وجود أزمة طاقة، واعتبر إنه من الأفضل قول الحقيقية في هذه الحالات وتوجيه المواطن كي يتعامل مع الوضع دون إلحاق ضرر لا بمصالحه ويومياته المنزلية، ولا بسمعة البلد .
ويضيف الرجل الخمسيني إن الأزمة غالباً ما تتحول إلى كارثة بفعل المواطنين أنفسهم، ويورد مثالاً ليوضح ما يعنيه بهذا فيقول يكفي أن لا يأتي الغاز إلى مركز التوزيع في حي ما في مدينة ما مرة واحدة، وإذ بك تسمع الناس كلهم يتحدثون عن أزمة غاز، فيسارع كل من لديه أكثر من أسطوانة منزلية إلى تبديل الأسطوانات الفارغة، ولديه واحدة ما زالت تعمل. هذا يزيد عدد الراغبين بتبديل أسطواناتهم الفارغة بصورة طارئة، وهكذا تنشأ الطوابير، وشكلياً تتحول أزمة عابرة يتطلب الخروج منها يوم أو يومين إلى أزمة كبيرة. أما لو أتى لتبديل الأسطوانة المواطن الذي فرغت أسطوانته فقط فأعتقد أنك ما كنت لترى هذه الطوابير، وما كنا لنشعر بأزمة غاز .
خلدون شاب آخر تحدث حول رؤيته لأحد أسباب الأزمة الحالية، ولم ينف تأثير العامل الخارجي المتمثل بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية مؤخراً، لكنه اعتبر أن الجزء الأكبر من المسؤولية عما يجري في هذا الشأن يعود إلى السماسرة الفاسدين الذين يشترون كميات كبيرة من الأسطوانات من عشرة إلى خمسين أسطوانة غاز بطرق غير قانونية لبيعها في ما يمكن تسميته السوق السوداء خارج مراكز التوزيع المعتمدة رسمياً ويستغل هؤلاء حاجة المواطن الماسة بمادة الغاز، وعدم توفرها كالسابق خلال هذه الفترة، لبيعها بأسعار تفوق الخيال. وعوضاً عن 400 ليرة لقاء الأسطوانة يطلبون من المواطن أما 800 أو 1000 ليرة وربما يصل الرقم إلى 1500 حسب الزبون .
ويصف خلدون هؤلاء الأشخاص بالـ أعداء الحقيقيين لأنهم يتاجرون بدم الناس وقوتهم اليومي، حسب قوله داعياً السلطات إلى اتخاذ تدابير للحد من ظاهرة السوق السوداء لأسطوانات الغاز .
لمواجهة هذه الأزمة يقترح البعض من المواطنين كما وأصحاب القرار اتخاذ تدابير عدة منها مثلاً بيع أسطوانات الغاز بموجب البطاقة العائلية مرة واحدة كل شهر، وذكرت وسائل إعلام سوريا أن محافظ دمشق بصفته رئيس لجنة المحروقات في المدينة أيضاً، وافق على توزيع الغاز وإرفاق لصاقة على دفتر العائلة، يُسجل فيها الشهر الذي بيعت فيه الأسطوانة، بهدف ضبط الاستهلاك من جانب، وللحد من ظاهرة السوق السوداء وتلاعب السماسرة وأصحاب النفوس الضعيفة بهذه المادة الرئيسية لحياة المواطن من جانب آخر.
لا شك بأن أزمة الغاز، كما أزمة مختلف المواد الرئيسية الغذائية وغير الغذائية الضرورية لاستمرار الحياة الطبيعية، جاءت نتيجة عوامل خارجية وأخرى داخلية، وكلها جزء من انعكاسات الأزمة السياسية التي تعصف بسورية على حياة المواطنين. وفي الوقت الذي يبدو فيه جلياً أن الأزمة لن تنتهي بكبسة زر ولن يلغي الغرب عقوباته ضد سوريا في الوقت القريب، بل قد يزيد منها، فإن أزمة الغاز بحاجة إلى حل جذري يرى كثيرون إنه غير ممكن دون شفافية في العلاقة بين المسؤول الحكومي المعني والمواطن، وتعاون بينهما يقوم على الشفافية والصدق ليحصل المواطن على احتياجاته من الدولة، لكن ضمن تفهمه للإمكانيات المتوفرة، ويخفف مثل هذا التعاون من الضغط على كاهل المسؤول الحكومي الذي كثيراً ما يذهب إلى نفي وجود أية أزمة، فيزيد بذلك من حدتها وأثرها على نفسية المواطن.
/5/2012 Issue 4207 – Date 23 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4207 التاريخ 23»5»2012
AZP02

مشاركة