أدركت ما لم يدركه الآخرون – عادل الياسري

لا مكان للسيد

أدركت ما لم يدركه الآخرون – عادل الياسري

هل تعلم أن مركز دراسات الوحدة العربية كان — للأسف — يحمل نزعة طائفية خفية؟

كنتُ راغبًا في طباعة بحثي «جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية» لدى مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، لما يتضمنه البحث من رؤى عميقة حول الهوية الوطنية، وآفاق النضال القومي العربي، ورفض الطائفية.

تواصلتُ معهم، وسافرت إلى بيروت، ورحّبوا بقدومي. لكن حين قدّمت لهم كتابي — الذي يتجاوز 800 صفحة — اعتذروا بدعوى أنهم لا ينشرون كتابًا يزيد عن 300 صفحة.

كانت الصدمة حين نشر المركز لاحقًا دراسة للأستاذ سيّار الجميل عن الملك فيصل الأول، وأشار في المقدمة إلى من تعاونوا معه، ووجدت أن كل مرجع يعود لبحثي نُسب إلى كتاب «البطولة في ثورة العشرين» لعبد الشهيد الياسري، رغم أن كتابه لا يتجاوز 200 صفحة، بل أشار إلى صفحات غير موجودة أصلًا.

تساءلت مع نفسي:

الأستاذ سيّار الجميل رجل موضوعي، لا يعرف ثقافة الحذف، وأعرف تقديره للبحث العلمي… فكيف حدث هذا؟

حلّ اللغز

بعد صدور سفره الكبير «التكوين التاريخي للعراق الحديث»، وجدته يخصص فصلًا عن مصادر ثورة العشرين، ويذكر كتابي بدقة، ويقيّمه بإنصاف. يقول (ص 324):

«نشر عادل الياسري كتابًا مهمًا عن ثورة العشرين، يتضمن توضيحات تاريخية مهمة، ويكتب ناقدًا كتب التاريخ التي غابت عنها الدقة، مستندًا إلى معطيات جديدة، وكاشفًا عن معلومات مستجدّة تفضح ما يخالف السائد والمكتوب والمترسخ في أذهان الناس، وما يضيء زوايا معتمة ويكشف حقائق غُيبت قصدًا أو سهوًا…»

كما خصّص للكتاب أربع صفحات كاملة ضمن تقييم مصادر الذكرى المئوية للثورة، وطبعه في بغداد — منشورات مكتبة النهضة — مع توثيق دقيق للمصادر.

أدركتُ ما لم يدركه كثيرون:

حين تطغى الطائفية على الروح القومية والوطنية، تتحوّل إلى غشاوة تخنق الأمة. وفي لبنان، لا تنظر بعض المؤسسات بعين الرضا إلى لقب «السيد».

لكن المفارقة أنّ كتابي — الذي رُفض نشره — أصبح اليوم مرجعًا في:

  • مكتبة الكونغرس
  • الجامعات الأمريكية
  • المكتبة البريطانية
  • جامعة لندن
  • مكتبة الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS
  • مكتبة قطر الوطنية
  • المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة
  • ومكتبات ومراكز بحثية في السعودية وغيرها من الدول العربية

كما كتب عنه باحثون كبار، منهم الأستاذ أحمد عبد المجيد  ( رئيس تحرير جريدة الزمان )الذي قدّم عرضًا أنيقًا، والأستاذ مصطفى البازركان من لندن، وكان أول من كتب عنه في جريدة العرب في وقت مبكر من نشره.

ووصلتني رسالة مؤثرة تقول:

«كتابكم صار مرجعًا تاريخيًا لعشرات من الكتاب والمؤرخين والباحثين العراقيين والعرب…»

وأخيرًا…

دور النشر لا تكتسب قيمتها من اسمها، بل من جودة البحوث التي تنشرها.

والبحث الجاد — مهما جرت محاولات إقصائه — يجد طريقه إلى القارئ، وإلى الجامعات، وإلى ذاكرة الأمة.

مشاركة