أدباء العراق والمشهد السياسي الساخن
قاسم محمد مجيد
يدور سؤال في الأذهان لماذا المشهد الثقافي العراقي حمل استثنائه وغرابته ؟ و يزداد تعقيدا”كلما كانت البلاد المفتوحة جراحها على امتداد الأفق تدخل في أتون الأزمات والحروب !! وهل مثقفو العراق ضحايا الصراعات السياسية بكل ألوانها ؟ من المؤكد أن الخشية من الدور التنويري الذي يلعبه المثقف في حياة المجتمع له الأثر الكبير في تعرض أدباء العراق ومثقفوه إلى الاعتقال والتشرد والتصفيات الجسدية فعلى الرغم من الاختلافات في صوره من حكموا ويحكمون ألان منذ تأسيس ألدوله العراقية في أب 1921 لكن لم تتغير صورة هذا المشهد وعبثيته ! بل صارت أكثر قتامه وسوداوية ودموية بعد نيسان 2003 مما يجعل القول صحيحا” أن مثقفي العراق ضحايا الصراعات السياسية بكل ألوانها ؟ والتاريخ الحديث حمل صور متنوعة للاضطهاد بحق مثقفي وأدباء العراق فلم يسلم الشاعر محمد صالح بحر العلوم الذي عانى من الاضطهاد والملاحقة بسبب مواقفه من الاحتلال البريطاني ، و احمد الصافي ألنجفي احد المساهمين مع ثوار ثورة العشرين لم يسلم من المصير ذاته حتى اعتقل في لبنان ، والرصافي صاحب الموهبة الفذة والشعر العامر بالمواقف الوطنية عانى شظف العيش ودفع ثمنا” غاليا لعدم سكوته على أوضاع بلده ابان الحكم الملكي ..مثلما مات الأسطورة بدر شاكر السياب غريبا بعد أن مات ألاف المرات جوعا وفقرا لقد حاولت الأنظمة المتعاقبة على العراق عزل المثقفين عن الشعب وساعد ذلك الاتساع الكبير لأعداد الأميين وافتقار أدوات التواصل معهم و فرضت قيودا على حركتهم و حصرهم في دوائر ضيقه يتداولون إنتاجهم مع زملائهم من المثقفين بعيدين عن الجمهور الذي تريده القوى والأحزاب مغيبا فالبيئة الحاضنة للاستبداد والطغيان السياسي هي التي دفعت أدباءنا ومثقفينا للهجرة بحثا عن مكان مؤقت ينظرون منه إلى وطنهم وكلهم حسرات مثلما وصف الشاعر عبد الوهاب ألبياتي صاحب( الأباريق المهشمه ) وهو احد القامات الشعرية الأربعة التي أسهمت في تأسيس مدرسة الشعر الحديث (( من لإمكان – تحت السماء – في داخلي نفس تموت- بلا رجاء- وانأ آلاف السنين متثائب ضجر – حزين- سأكون – لا جدوى سأبقى دائما لا مكان ) وشاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري تعرض إلى الاعتقال والنفي بكل مراحل ألدوله العراقية ملكية كانت أم جمهورية حتى مات غريبا ليدفن في مقبرة الغرباء وكتب على قبره (هنا يرقد بعيدا عن دجله الخير ) وبلند الحيدري الشاعر العملاق مات في بلاد القارة الجديدة في احدي مستشفيات نيويورك (اشعر أني ادفن شيئا مني – وصمتي وبلهفة – قد يسمع صوتي – قد ترجع نبرة الحزن في صوتي – من يدري ) لكن لم يعد بسمع صوته فقد دفن أشياء في صمته الموحش القاحل وحمل جثمانه ثلة في نهار مفجع ، والبويهمي الجميل جان دمو والذي قال عنه الكاتب عبد القادر الجنابي ( مثلما تموت الفيلة الصغار وحيده ) مات وحيدا” والحنين إلى بواكير الطفولة يعتصره ( كم بعيده طرق الطفولة المعذبة – كم قريبه طرق الموت ). ورائدة الشعر الحر نازك الملائكة (عاشقة الليل ) هذا الرمز العراقي والنخلة السامقة تدفن في القاهرة المعز ويوسف الصائغ النازل من نصب الحرية في الليله قبل طلوع الفجر معترفا لمالك بن الريب بتفاهة الحياة في بلاد النهرين مات حالما ان يصعد مرة خرى إلى نصب الحرية فلا يرى هناك همر المحتل الأمريكي تقف تحت النصب والقائمة تطول فالكاتبة والرسامة التشكيلية تحرير السماوي ماتت في بلاد الضباب وبهيجة الحكيم لازالت صورها وهي تنظر بابتسامه غامضة كلها حنين إلى معرض في بلاد الشمس والضياء ودعته إلى الأبد …ومثلما كان فائق حسن تئن روحه إلى جداريته التي علاها الغبار والإهمال وسركون بولص صاحب ألعماره الشعرية ذات الأعالي والسفوح كما يقول الكاتب عباس بيضون مات في بلاد البرد وحيدا مثله السومري الجميل كمال سبتي والروائي غائب طعمة فرمان الذي كان يبحث عن نخلته بين ثلوج موسكو وعن الجيران حارب ألعزله في مدن تعتبرهم غرباء لكن لا أحدا سمع بموته فقد كان العالم عيونا مفتوحة تشاهد ألعاب الطائرات وهي تقصف بلاده في حرب الخليج الأولى .. وعبد الخالق المختار وقاسم محمد وراسم ألجميلي هل كان موتهم مصادفه في بلاد ألغربه او ابن محلة الطاطران عبد الستار ناصر مات في كندا والذي رثاه صديقة الشاعرعبد الخالق كيطان (حياة عبد الستار ناصر حزينة هي الأخرى، خاصة لمن يعرفها، ولمن لا يعرفها فما عليه سوى العودة لرواياته: “من أي بلاد أتيت”، “الطاطران”، وغيرهما، ففي تلك الأعمال نفحات من سيرته المليئة بالوجع)كما المنية صعقت عشاق فن رافع الناصري وهو يوارى الثرى في عمان. هل السياسة كما يقول الكاتب علي السوداني في(بلاد مابين القهرين ) لعوب وماكرة وترى فيهم خطرا على وجودها لكن الغربة قد تعطي طمأنينة زائفة وليس بحجم بشاعة الداخل ومرارته حين اغتيل في ( العراق الجديد ) كامل شياع وقاسم عبد الأمير عجام وهادي المهدي وهي رسالة تكميم الأفواه وتكشف زيف المشهد السياسي الحالي وأكذوبة بناء عراق ديمقراطي في ظل هجمة ظلامية كبيرة لقد مات الكثير من ادباء وكتاب العراق حسرات حين كانت قسوة المنفى اشد واكبر من أن يتحملوها أنها مأساة أبديه كتبت عليهم وميزت حياتهم ورفعتهم فوق الإحداث



















