أخطاء الكتابة
سيمر مقالنا عليكم لهذا اليوم مدونا بطريقة السؤال والجواب ، وكالاتي :
س/ ماهو التفسير الحقيقي لمشكلة تحددت بالشكل الآتي: إن الأخطاء الواردة في معظم كتب اليوم لايمكن تفاديها بالسرعة المطلوبة، وكيف يفسر معنى كونها تخرج من الوجدان صحيحة ، وتكتب مخطوءة؟ ، فالمؤلف إذا قرأها القراءة الوجدانية أفلتت منه ونفذت إلى آخر مراحل المطبوع ، فما أمكن السيطرة عليها ، إلاّ من خلال فاحص آخر يقرؤها قراءة فاحصة فيتجسم أمامه شكل الكلمة الحقيقي لاالوجداني ألتأليفي، ولربما كان هذا هو المعنى الخفي لعبارة أن الشخص لايرى كل أخطائه بنفسه، وإنما لابد من مرآة تعينه شريطة أن تكون هذه المرآة صادقة لاكاذبة، فالشخص بدون المرآة عنده تصور قديم عن رؤية وجهه، لكنه الآن لايستطيع أن يكون صورة متكاملة عن وجهه بدون الاستعانة بالمرآة؟
ج/ من خلال هذا السؤال أجدك أعطيت كل الملامح المطلوبة لتشخيص هكذا (مشكلة) مازالت تتحدى بأساليبها البسيطة احذق الكتاب والمؤلفين ، فالمؤلف وبعد أن يتشبع بوجدانيات كتابه ، لايمكنه أن يشخّص الأخطاء المطبعية البسيطة ، أو أخطاء المسودة، أو المبيضة، أو الإملائية والنحوية، وإنما هو قادر تماما على تجهيزنا بعباراته البلاغية والمعنوية والفكرية التي لايخالطها الخطأ الشكلي بأية حال من الأحوال، فهو يقوم بنجارة وصقل المضمون على أفضل ماتكون عليه النجارة والصقل، ولايدخر جهدا أيضا في مسح الشكل الخارجي بنظراته الفاحصة التي قد لاتجدي نفعا مع (شيطان الخطأ) الشكلي المتربص، ولكن انطلاقه في هكذا مسألة ( المراجعة والتصويب) يظل انطلاقا وجدانيا بحيث تبقى نظرته مترسبة في أعماق النص بينما يأخذ الخطأ الشكلي راحته التامة أحيانا! فيمر دون معوّقات تحجبه،وبتعبير آخر مما يصنع فجوة ما بين الفاحص الذاتي والمضمون ، فتنفذ كلمات الأخطاء البسيطة وتظل ملازمة للمطبوع حتى في مراحله الأخيرة ، والأخطاء تشيع في المطبوعات الحديثة لعدم وجود دائرة تكامل واضحة بين المؤلفين والفاحصين ، فعندما يأخذ المؤلف الأمور كلها بجدية الإنفراد ، تتحداه الأخطاء عنوة وتقصدا وبإصرار عجيب! ، فتظهر هنا وهناك ، لكننا هنا لايمكن أن نعد الخطأ في (العلم الإنساني) كالخطأ في (العلم الرياضي) ، إذ أن الزاوية في الخطأ الإنساني هي زاوية مائلة ، بينما في العلم الرياضي هي زاوية قائمة لاتقبل التحريف ، بمعنى أن الخطأ الإنساني يمكن تقبله لحين توفر المعالجة ، بينما يرفض الخطأ الرياضي جملة وتفصيلا ، والسبب كما أعتقد أن نتيجة الخطأ الرياضي تظهر عاجلة بينما تظهر نتيجة الخطأ الإنساني آجلة ، وكذلك لايمكننا عد الأخطاء جميعها بتسمية واحدة ، فهناك وكما ذكرت سابقا : خطأ الشكل وخطأ المضمون( المعنى) ، وفي الشكل يتركز خطأ الكتابة الحرفي( المسودة والمبيضة) ، والإملائي ، والمطبعي ، والحاسباتي ، بينما يشتمل خطأ المضمون على الخطأ البلاغي والنحوي الذي بدوره يشتمل على الشكل والمضمون ، كما هو الصرفي كذلك ، وهناك مااسميه خطا النحو العام ، والنحو الخاص ، فالنحو العام هذا الذي نحنُ بصدده ، أو مما هو خال من المجاز الإستعمالي ، والشبهة الجدلية ، والخاص ماتعددت فيه الإحتملات والمجازات ، والاستعمالات ، والخطأ في النحو الخاص أهون على الخاطئ منه في النحو العام الذي لايحتمل سوى وجه واحد لاخلاف فيه، أما الخطأ الفكري فلسنا بصدد الحديث عنه ، أو مناقشته هنا ؛ لأنه لايخضع إلاّ لمنظومة كبيرة من الأفكار المتداولة ، بعضها يرتبط بمؤثرات الموروث ، وبعضها يتأثر بموجات الفكر القادمة من الخارج التي تضرب الأجيال ، وبعضها يتأثر بعقدة الشخص المؤثرة التي تتحكم بمزاجه الكتابي ، فهو هنا قد يكتب لنا نصا خاليا من أخطاء الكتابة التي نحن بصددها ، لكنه نص يتعارض مع ما نريده ونبتغيه!
وهناك فلسفة عجيبة( مصدرها -ر- ش- مصدرا، ومرجعا ، وباحثا) ترى أن خلو المطبوع ، أو النص من الخطأ النسبي العفوي دلالة على عدم حيويته ووجدانيته ، فحيثما وجد الخطأ وجد الصراع بينه وبين الصواب ، وحيثما وجد الخطأ وجدتَ استنفار طاقات ومؤهلات العقل يظهر على أوجه ، بمعنى أن المطبوع يريد إثارة الانتباه من خلال خطأ ، أو خطأين متسربين عابرين ، يساعدان على تبادل قذف الكرة بين المؤلف والناقد ومن ثم نشوء (نص توهجي جديد) مصدره هذا الخلاف ، فإذا ماازيلت مثل هذه الأخطاء القشرية ، انطوت صفحة مهمة من صفحات المطبوع ، واتجه إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الأخطاء الفكرية ، وهي الأخرى لها فاحصها ومؤلفها ، والمتشبع بها ، ومن أخطاء المختصين -اليوم- أنهم يتعاملون مع خطأ دخيل على كتب المشهورين بمعيار التقديس المطلق ، ويتعاملون مع خطأ عابر للمحدثين بمعيار أقسى واشد ، فمنهم مثلا من يرفض أطروحتي لو قلت إن ديواني أشهر شعراء الضاد يحتويان على أخطاء ربما تعد كثيرة -وهما المتنبي والجواهري- وهي أخطاء مطبعية ولكنها حرّفت المعنى ، لأن من الخطأ المطبعي أيضا ماهو شكلي لايؤثر وما هو شكلي ضمني يقلب المعنى رأسا على عقب ، وهذه الأخطاء مشهودة وشاهدة قمتُ بحصرها وتشخيصها في احدث طبعتين لديوانيهما ، حيث قامت الزمان مشكورة بنشر مقال التنويه على الأخطاء الدخيلة في ديوان ألجواهري سابقا (مقال ألجواهري بين غياب الأمس ، وغياب اليوم، المنشور في جريدة الزمان – العدد 3721- بتاريخ – 14- تشرين الأول – 2010م- المصادف – 5/ ذي القعدة – 1431هـ).
وهناك خطأ يحدث داخل الحاسبة نتيجة مد الخطوط أو تقصيرها ، أو تحويلها ، أو تغييرها ، أو نتيجة للقص أو النسخ غير الدقيقين ، ولا أظن أن طاقة المؤلف وعينيه قادرتان على اللمح والرصد بعيني (زرقاء اليمامة) ، فيقدم لنا مطبوعا لاتحتال عليه الأخطاء .. مااريد أن أصل إليه كذلك أننا إذا وجدنا أخطاء من هذا النوع في نص ، أو في باب ، أو فصل ، أو مقدمة ، أو خاتمة علينا أن لانعممها على كل الكتاب ، وإذا وجدناه في الكتاب علينا أن لانعممها على كل كتب المؤلف ، وإذا وجدناها في أكثر من كتاب للمؤلف علينا أن لاننسبها له جملة وتفصيلا ، وإنما علينا الاستناد إلى جدول الأخطاء ومعياره المستوحى مما سلف ذكره ، فالنظرة العقلانية من خلال الأبعاد التي حددتها تجعلنا نتمعن كثيرا بماهية الخطأ ، فلا نقع في اصطياد شباكه!
رحيم الشاهر – كربلاء
AZPPPL