(لاي- فاي) الزمان (42)
أجراس لا يسمعها الناس – عبد الرضا سلمان حساني
جرت العادة، في التعامل مع بعض المعلومات والأخبار ومناقلتها، إستخدام عبارة( هذه تدق جرس) باللغة العربية، ونفس المعنى المرادف باللغة الإنجليزية،
للإشارة الى أهمية وحساسية المعلومة أو الموضوعة. وفي زمن مابعد الإحتلال في العام 2003 أُدخلت بشكل واسع عبارة
(خط أحمر) لتجنب الحديث عن الكثير من المضامين والعناوين في الأوساط المتاحةلما لها من تماس في قضايا مجتمعية أو قانونية أو سياسية. وأحياناً هذا الخط الأحمر يصنعه الناس، أو يفرض نفسه بسطوة تلقائية كما في مستويات تخصيب اليورانيوم في المشاريع ودرجة الحرارة الناتجة عن الإحترار في تغير المناخ الواردة في النشرات الإعلامية.
إنّ الحديث هنا لانقصد به الصوت الناشىء عن ضرب المطرقة بالوعاء الحديدي في هيكل الأجراس، وإنّما صدى وقع مقالات أو تصريحات أو سطور مكتوبة أو وثائق لم يقرأها كل الناس، أو يتظاهرون بفهم لفظيّ لها ليس إلاّ، في زمن يعلو فيه صوت المطرقة والسندان على أيّ عبارة موضوعية.
أجراس كانت تصدح
حاولتُ أن أتصفّح بعض المعلومات المنشورة عن الأجراس التي شهدتها مواقع ومدن في التاريخ. فالمنشور المتوفر هو أنّ أكبر جرس في العالم حالياً،
يزن أكثر من 200 طن وهو في موسكو. وهناك أجراس تصنّف كبيرة أيضاً في دول أورپية مثل بريطانيا وألمانيا ورومانيا بالإضافة الى الصين. وهذه موجودة منذ القرن الرابع عشر كما هو موثق في تحديد أكبر الأجراس في العالم. وإنّ التعامل مع نغمات الجرس والمسموع منها يتم بتصاميم هندسية ومبادىء رياضيات خاصة ومتواليات تدخل في تتابع نغمات عدد الأجراس المتأرجحة والفترة الزمنية التي تستغرقها كل نغمة.
وأجراس في هذا المقال هي ليست تلك التي كانت تبحث عن أناسها في
رواية الأديب العالمي إرنست همنغواي، الحائز على جائزة نوبل في الأدب للعام 1954) لمن تُقرع الأجراس)والتي كُتبت في
منتصف الثلاثينات من القرن الماضي حول الحرب الأهلية الإسپانية وسط غابات الصنوبر والجوع والخوف والعزيمة وبعيداً عن المشاعر العاطفية الغريزية والميل الى الجنس الآخر. تدور كلّ أحداث الرواية، المحتوية أكثر من 500 صفحة، في أيام معدودات بين نسف جسر الإمدادات ولقاءات متتابعة، وهو مايتوضّح عند قراءتها.
ومع أجراس عربية، وحين يكون الوطن هو عنوان
النشيد المسموع، فلابدّ للأجراس أن تُسمع
لك أيها الوطن في تقاويم الأزمان ومنها أجراس العودة في صوت فيروز أنشدتها في العام 1966 بكلمات سعيد عقل. لقد كانت بدايتها؛
سيف فليُشهر، ومنها؛
اجراس الحدود
أجراس العودة فلتُقرع، ومرّ 56 من الأعوام ونحن ننتظر . وقال نزار قباني في هذا الموضوع:
غنّت فيروز مغرّدةً
وجميع الناس لها تسمع
الآن الآن وليس غداً
أجراس العودة فلتُقرع
من أين العودة فيروز
والعودة يلزمها مدفع؟
والمدفع يلزمه كفّ
والكفّ يحتاج لإصبع
* * *
صور صوتية
حين تكون الكلمات والحروف أصداءاً لأصوات
الأجراس، تتشكّل صور متعددة وتنشطر بألوان للناظرين والرائين والقارئيك. وجوانب الحياة المعنيّة وحقول العمل واسعة في إطار هذا المقال. فمثلاً، إذا كنّا قد قرأنا عن حرب البسوس ونسينا تفاصيلها، فتظهر لنا وتتوسّع في المشهد حرب الفلوس مادامت هناك مصالح. كانت الحرب الأولى حرباً شعواءاً بسبب ناقة وإستغرقت أربعين عاماًحسبما يروى، فكم ستستغرق الثانية في ظل متغيرات التقدم التكنولوجي والصناعي وصراعات السيطرة في الأرض والفضاء؟ لنحاول أن نستقرأ ونسطّر بعض هذه الصور من أرض الواقع ووسائط الإعلام ومنها:
– نقل ملكية عقار(قطعة أرض) بوثائق تزوير واضح لايقبل اللبس الى شخص آخر، ورغم مرور أكثر من ست سنوات وتوكيل ثلاثة محامين، فلم تعاد قطعة الأرض لمالكها الشرعي(قطعة الأرض في محافظة ميسان).
– في الصناعة،
كثر الحديث والبحث عن المنتج من المصانع المحلية، فتظهر أمام الناظر، للأسف، صناعة أزمات بدلاً من منتج الصناعة والمصانع.
-في التعليم العالي،
فقد تعلّمنا أنّ التعليم هو قيادة علمية وليس تبعية، منذ إستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العام 1970. وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً، برهن خريجوا جامعاتنا، ومنهم ماقبل العام 2003 بالمتحقق والمنجز العلمي والتقني، السمات الراقية لجودة المنهجية والأداء للأجيال المتعاقبة، وتشهد لهم المؤسسات العلمية في الخارج. إنّ إبتكار مسارات في العلوم بخطط بحثية واضحة المفردات والجدول الزمني، هو سبيل عملي وفعّال لتوهين وإزالة التحديات التي يواجهها الوطن، وهذه يجب أن يتم التركيز عليها في بعد واسع يمتد بين الأرضية والسقف، بدلاً من الحديث عن إعلان بولونيا للجامعات ، الصادر في العام 1998 وإعتباره (نظام تعليم جديد). وهنا نؤشر ونشير الى ضرورة إعادة النظر
بمعايير التمديد بعد سن التقاعد للتدريسيين الجامعيين وإنتقائية الموافقات بشروطها المعتمدة. هنا نضيف، يجب العودة الى مستوى ومعدل نجاح المتقدمين في دراسة البكلوريوس والماجستير مروراً بالإمتحان الشامل وتثبيت المعضلة التكنولوجية التي ستناط بكل متقاعد لحلّها. وكذلك إناطةمعضلة تقنية لكل كلية أهلية أولاً ثم نشر البحوث، وإعتبار ذلك كشرط للتأسيس.
– قطعة عجين رغيف الخبز في المخابز، والتي كانت أيام زمان بشكل كرة عجين تملأ الكف وتسمى باللهجة العراقية(شنگة). كم إشتقنا الى مفتش التموين الذي كان يتحقق من وزن هذه القطعة وسعر رغيف الخبز الذي أصبح سمكه ومساحته السطحية في بعض المخابز بسماك رقيقة وليست كالسابق.
– في إعلام الزراعة.
محاصيل الفساد
فلاّحون يشكون من تعرّض محاصيلهم للفساد بسبب حصدها وتركها في عراء مزارعها دون تسويق.
صور خارجية
– تجيء الإدارة الأمريكية لتساند وتؤيد أنظمة حكم وأدوات حكومات وبعد فترة زمنية تفرض على أسماء فيها عقوبات، وتسير الأمور بهذا الخبر دون أن يظهر لون بطاقة العقوبة؛ أصفراً أو أخمراً، فمن يضبط الإيقاع؟
– مازالت الحرب في أوكرانيا
لم تعط كلّ نتائجها في أصعدة إقليمية وربما محلية، فننتظر لنرى.
– تقدم إقتصاد بعض دول العالم وتراجعه في أُخرى بسبب تداعيات أسعار مصادر الطاقة لعوامل بيئية وتغير المناخ والڤايروسات والحرب في أوكرانيا وعوامل محلية.
لقد أجرت كوريا الشمالية ست إختبارات نووية لحد الآن، فمتى وكيف سيكون السابع؟ أما عدد الإختبارات الصاروخية والنووية معاً فوصل الى 270 منذ العام 1984 كما يشار اليه إعلامياً.
ولعلّ هناك من لديه أكثر من هذه الصور الصوتية وأجراس تعانق صمت العناوين في القرب أو في البعد، وفي جميع الحالات والمساحات يستوجب ضبط الإيقاع في معادلةمتوازنة ناعمةتمثل بيئة نظيفة تحيط بمؤسسات تتفاعل مع حقوق وشؤون المواطن، وننتظر.
سطور الختام
تحية القلوب الأصيلة بما تنبض والهتاف في الأعالي، لجيشنا المقدام الذي واجه بكلّ صلابة ورجولة تجييش جيوش الأعداء ومواقف السوء والضغينة والمؤامرات بالإستشهاد والتضحيات المقدسة الجسام قبل وبعد الإحتلال.
{ پروفسور فيزياء الپلازما- عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة