آل زكريا بعد ثلاثة عقود من التنقيب عن الموصل في الصحافة العراقية
رحلة البحث عن بحري تتكلّل بكتابين
سامر الياس سعيد
لم يكن هدف المؤرخ والكاتب معن ال زكريا حينما قدم كتابه الموسوم (الاشوريين او اثورايي في وثائق الصحافة العراقية ) صيف العام الماضي ان يكلل جهوده بالبحث عن كل ما دونته اقلام الصحفيين بشأن قضيتهم التي اثيرت في ثلاثينات القرن العشرين فضلا عن انه قدم خلال العام الحالي كتابا اخر يدور في نفس الاطار حينما اصدر كتابه الموسع والمعنون (تاريخ لواء الموصل في وثائق الصحافة العراقية 1920-1950 والصادر عن دار الزمان بدمشق حيث برزا الكتابين المذكورين كنتيجة بحث ونشاط ملحوظ ابرزهما الكاتب ذاته وهو يعد موسوعته الضخمة تجاه ابرز رجالات الصحافة والاثارة وهو يونس بحري الاذاعي وصاحب المهن المتعددة الذي استطاع ان يترك بصماته في كل مجال ولجه لكن المثير ان كل الكتب التي انتجها يراع ال زكريا بناء على ما تقدم استطاعت ان تقدم لمحات من الواقع الذي عاشته العوائل الموصلية عبر يومياتها وطقوسها وتقاليدها ففي الكتاب الاول ابرز الكثير من الخفايا التي طوتها صفحات صحف ايام زمان ليقدمها المؤرخ والكاتب ال زكريا جاهزة وميسرة لكل الباحثين الذين ارادوا ان يسلطوا اضواء بحوثهم ودراساتهم حول تلك الفترة التي تباينت فيها الاراء بشان انتفاضة شعب اخمدت بالتزامن مع بدايات نشوء الدولة العراقية وقصور السياسيين العراقيين في التعامل مع تلك المطالب بما يلبي طموح مطلقيها وهذا في تعريف الكتاب الاول اما الثاني الصادر حديثا وباكثر من (500 ) صفحة من القطع الكبير.
معطيات ووقائع
فقد اسهم من خلاله ال زكريا بالكثير من العطيات والوقائع التي حاول ان يكشف عنها اللثام من خلال ذلك التاريخ الذي اختزنته وثائق الصحافة العراقية لاسيما الموصلية من خلال معالجاتها باقلام وخبرات الكتاب والمحللين ليقدم الكاتب من خلال اصداره لمحة عن اسلوب الصحافة والطرق الحديثة التي كانت تتبعها صاحبة الجلالة في ابراز الهموم والمشاكل التي كانت تعتري المجتمع الموصلي لاسيما حينما ياتي في مقدمتها الجهل والتخلف المتفشي في اوساط العامة اما الدافع الابرز الذي اتخذه ال زكريا كبوصلة لاعتماد مئات الاخبار والتي قام بتصنيفها الى 17 صنفا ابتدائها يمقدمة الكتاب والتي اشار من خلالها الى اهمية قراءة التاريخ من خلال عنونته لتلك المقدمة بـ( من يكتب التاريخ ومن يقراه وجهان لعملتين مختلفتين )مشيرا في سياق تلك المقدمة الى ان الامة التي تنقش بريشة من ماء الذهب يوميا على خارطة صفحات تاريخها منذ غوابر الازمنة وامتدادا الى مستقبل قادم هي بالطبع امة لها مصداقية الحدس في الفوز وانجاز يتجاوز العادي الى الابداع – انتهى الاقتباس – .كما قدم ال زكريا تاليا بنبذة عن الصحافة الموصلية وابرز المحطات التي مرت بها محاولا كما اشار في تلك النبذة ان يقدم ما اوردته الصحافة الموصلية عن اجمالي سير الحياة في ذلكم الوقت القصي من تاريخ العراق ومسافته الزمنية (ثلاثون سنة ).. ويحوي تصنيف ال زكريا للاخبار ابتداء من المراسيم الملكية التي نشرتها تلك الصحف ولعل اول ما يطالعك من تلك الاخبار هو خبر تمثال جلالة الملك المنشور في جريدة العمال بعددها 113 والصادر يوم الخميس الموافق 25 كانون الاول من عام 1932 ويتضمن الخبر وصول المثال الايطالي السنيور كانو نيكا الى العاصمة بغداد من اجل صنع تمثال لصاحب الجلالة الملك فيصل المعظم وتتوالى اخبار المراسيم الملكية التي تتنوع بين ارادات ملكية وتنقلات كبار الموظفين حتى تنتهي بخبر وفاة صاحبة الجلالة والدة الملك المعظم غازي الاول بالسكتة القلبية والذي نشرت نعيها جريدة فتى العراق بعددها 111 والصادر يوم 29 اذار 1935 لينتقل ال زكريا بمؤشره الاخباري نحو محطة اخرى من محطات الصحافة الموصلية المعنية باخبار السياسيين والدبلوماسيين ويستهلها بخبر نفي تركيا لضم حلب لاراضيها والمنشور بهذا العنوان في جريدة نصير الحق بعددها 323 والصادر يوم الخميس 12 تموز عام 1945 ثم تتابع الصحافة في هذا الجانب العديد من الاخبار التي تتحدث عن تحركات وفود برلمانية للمشاركة بمؤتمرات خارجية او في مؤتمرات عصبة الامم فضلا عن اراء لمحللين بشان القضايا السياسية التي تشكل بؤرة الحدث في تلك الفترة ومنها راي الاستاذ ضياء علي المحامي بشان سياسة الارتجال وقانون نزع الجنسية العراقية عن اليهود فضلا عن راي الدكتور الارمني كريكور استرجيان من قضية الحاق الموصل لتركيا فضلا عن اخبار كثيرة في هذا الجانب ليليها جانب اخر يهتم باخبار المتصرفين والمناطق الادارية والبلديات حيث يستهل خبر انشاء السجن الجديد تلك الاخبار والمنقول من جريدة العمال بعددها 106 والصادر يوم الاربعاء 16 تشرين الثاني 1932وتهتم اخبار هذا الصنف بمشاريع الماء وحصة بلديات الموصل من ضريبة الاملاك ومطالبات شعبية بشان الحد من التجاوزات على المقابر فضلا عن الخبر الاخير في هذا الجانب والذي يشير الى اختيار ارض لايواء الجماسين من اجل انشاء حي لهم كما اوردته جريدة الرقيب بعددها 39 والصادر يوم 31 اب 1938 اما في باب الاخبار المتعلقة بالجمعيات والنقابات والاحزاب والمنتديات العلمية والثقافية فيورد فيها الباحث ال زكريا العشرات من الاخبار التي يبدئها بخبر انتخاب الهيئة الادارية الجديدة لجمعية البر الاسلامية في الموصل وذلك عبر الخبر الذي غطته جريدة فتى العراق بعددها المرقم 55 والمؤرخ في 8 ايلول عام 1934 مع العديد من الاخبار التي اشارت لانتخابات الهيئات الادارية ومنها الخاصة بحزب الامة الاشتراكي وجمعية المهندسين العراقيين واللجنة الادبية لنادي الجزيرة والهيئة الادارية لجمعية الهلال الاحمر العراقية ومع تلك الاخبار التي تتمحور حول الانتخابات الخاصة بتلك الجمعيات ينطلق المؤرخ ال زكريا نحو باب جديد يسلط من خلاله الضوء على الاعلانات التي كانت تنشرها تلك الصحف فضلا عن الاخبار الاجتماعية والمنوعات ومن بين تلك الوقائع الاجتماعية ما نشرته جريدة العمال بعددها المرقم 155 في 28 ايلول 1933 حول مصالحة الايزيديين في قضاء عين سفني وتطوع شاب عراقي في القوة الجوية الامريكية ووفاة شقيقة نوري باشا سعيد وسقوط البرد والمطر الخاصة باخبار قضاء دهوك حينما كان قضاء تابعا لمدينة الموصل وفي مطلع ثلاثينيات القرن الماضي كما يورد المؤرخ من ضمن الاعلانات المنشورة في تلك الصحف اعلانين احدهما لمحل تركيب وتصليح الابواب الحديدية حيث يختمها الاعلان بعبارة زيارة واحدة للمحل كافية للبرهان وذلك بحسب ما اعلنته جريدة الرقيب في 29 حزيران من عام 1938 فضلا عن اعلان اخر لنفس الجريدة من خلال اعلان عن تنزيلات عظيمة في محل بولص بلولة الذي يعد اكبر محل لبيع الاقمشة الخريرية في مدينة الموصل وبالتحديد في جادة نينوى قرب السرجخانة ويلي هذا الباب باب اخر من سلسلة العناوين والاخبار المنشورة حيث يهتم هذا الباب باخبار القدوم ومغادرة المدينة فضلا عن اخبار عقد القران والوفيات والمشاريع الخيرية يليها فصل اخر يتابع شؤون التعليم والمكتبات فضلا عن اخبار الموسيقى والفنون ومن بين الاخبار المنشورة في هذا الفصل خبر افتتاح مدرسة للفنون البيتية الامريكية في الموصل في عام 1938 وقضية الطلاب الذين رفعوا دعاوي على اصحاب المكتبات لقيام الاخيرين ببيعهم بعض الكتب المدرسية بثمن فاحش جدا وذلك في عام 1943.
نتائج امتحانات
كما ابرزت بعض الاخبار نتائج الامتحانات الفصلية للمدارس الاعدادية كما يورد المؤرخ ال زكريا اخبار اخرى يتناولها في فصل جديد يهتم بشؤون الصحة والمستشفيات فضلا عن ايراد بعض الاحصائيات الطبية وفي جانب اخر ينشر اخبار تتعلق بالشان الزراعي والصناعي فضلا عن فصل يهتم بايراد الاحصائيات التي تشير لصادرات الموصل الى الخارج وتصدير المواد الغذائية والمواشي كما لاخبار الطرق والجسور والسكك الحديد والمباني فصل محدد يهتم بنشر كل ما يتعلق بهذا الجانب كما ينشر المؤرخ ال زكريا وضمن متابعته لاخبار الصحف ما يتعلق بما نشرته حول الجيش والشرطة واخبار الكمارك وكشف محاولات التهريب التي كانت متفشية في تلك الفترة بالاضافة لاخبار جديدة يتم الاشارة اليها في باب مفصل ليتحدث عن الاوقاف الاسلامية واخبار بعض الجوامع فضلا عن اعلانات لطائفة المسيحيين واليهود واخبار معابدهم وبالنظر لاهمية الاخبار الاقتصادية وابرازها في العديد من الصحف فقد اولى المؤرخ والكاتب معن ال زكريا اهتمام بهذا الجانب من خلال متابعته لباقة من الاخبار الخاصة بالبنوك و المصارف بالاضافة لاهتمامه بالجانب الرياضي من خلال نشر اخبار السباقات والفعاليات الرياضية واخبار اللاعبين والمدربين لمختلف الالعاب الرياضية اما جانب السينما والملاهي فضلا عن بعض الاخبار التي تتعلق ببيوت الدعارة ومكافحتها فينشرها المؤرخ في باب مفصل يبدأه بخبر اعظم حفلة سينمائية في الموصل من خلال اعلان سينما الحمراء عن عرضها لفيلم العزيمة للمثلة المشهورة فاطمة رشدي بمشاركة اشهر الفنانين المصريين وذلك في شباط عام 1941 حسبما اوردته جريدة فتى العراق بعددها المرقم 50/544 وينتهي هذا الفصل بخبر اخر تناشد فيه جريدة فتى العراق انظار وزارة الداخلية بانتشار التصاوير الخليعة لوضع حد لانتشارها وذلك بعددها الصادر يوم السبت الموافق 1 حزيران عام 1935وفيما يشبه اخبار الحوادث يتابع المؤرخ في فصل جديد اخبار الجنايات والاحكام الصادرة من عتبات القانون والقضاء حيث يحوز هذا الفصل على الحيز الاوسع من بقية الفصول من خلال تغطياته للكثير من الحوادث التي جرت ابان الفترة الماضية ومن بينها بلكون يسقط على 4 نساء فتموت اثنتين منهم وكهف يسقط على 3 نساء فتموت احداهن واكتشاف جثة مفقود في قرية بدهوك فضلا عن خبر اخر يشير لسرقة محل الوجيه الموصلي مصطفى الصابونجي كما يورد في الفصل التالي اخبارا مقتبسة من جريدة العقاب لصاحبها يونس بحري الجبوري والمعروف بالسائح العراقي وينهيها بصور مؤرشفة للصفحات الاولى والداخلية لجريدة فتى العراق وينتهي بايراد السيرة الشخصية والعلمية له .
فائدة علمية
هذا الكتاب بالاضافة لفائدته العلمية القصوى من خلال ابرازه لوقائع الحياة اليومية للموصليين فضلا عن كشفه لخبايا الحياة السياسية والفترات العصيبة التي مر بها ابناء هذه المدينة يقدم تفردا اخر من خلال تبيانه للغة الصحافة الواقعية التي كانت تقدمها صحافة ايام زمان لذلك لاتقتصر فائدة الكتاب المذكور عما يقدمه من معلومات ومعطيات عن مختلف الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة خلال فترة عقود ابتدات مع تشكيل الحكومة العراقية وفترات الملكية فحسب لابل يقدم للباحثين والاكاديميين من المهتمين بالواقع الاعلامي صورة عن الصحافة تقربنا من واقع الصحافة الاستقصائية بوجهها العتيق والقصة الاخبارية والصحفية من خلال اللغة التي كانت تستخدمها اقلام الصحفيين في الاشارة للوقائع الجنائية والجرائم التي كانت تنتشر في تلك الفترة وكانها تبرز ملامح سيناريو لاحداث غابرة ويتضح ايضا من الجهد المميز للكاتب والمؤرخ معن ال زكريا عدم اقتصاره بايراد تلك الاخبار فحسب لابل يعمد لترك تعقيباته على بعض تلك الاخبار المنشورة وكان بعض الصحفيين ممن كانوا يعملون في تلك الفترة كانوا يقدمون زوادتهم الاعلامية دون بذل المزيد من الجهد للافصاح عن جهود الفنانين واعمالهم الفنية فلذلك يقدم ال زكريا بعض التعقيبات التي يرد من خلالها ابراز صورة اخرى عن ما قدمته تلك الاقلام ومن بينها ما اوردته جريدة اخبار اليوم البغدادية من خلال استهجانها لدار الاذاعة العراقية من خلال بثها لاغاني المطربة سليمة مراد والتي نعتتها تلك الصحيفة باليهودية الراقصة المستهترة في ايام عيد الاضحى المبارك والذي اوردته الجريدة المذكورة في يوم الاحد الموافق 28 حزيران عام 1954 فعقب على ذلك الخبر المؤرخ معن ال زكريا متسائلا عن علاقة المطربة المذكورة بضياع فلسطين مشيرا بان المطربة تحمل جوازا عراقيا وجنسية عراقية كما اورد المؤرخ تاريخ حياة وجيز للمطربة العراقية الاصيلة سليمة نيسان مراد ..