آثارنا.. بين التهديد وعوامل التجديد – نورهان شيراز

نورهان شيراز
تعاني المباني المحاذية لشريط دجلة من الإهمال، مما يهدد تراث هذا الشارع الغني بالمواقع الأثرية والتراثية القائمة والمعلنة. تراثه يتطلب إجراء عمليات صيانة مستعجلة لبعض المباني لإيقاف التداعيات التي تحدث نتيجة للظروف الطبيعية والإنسانية.

ومن هذه الأبنية خان مرجان (خان الأرتمة)، الذي يقع في جانب الرصافة من محافظة بغداد ويعد من أشهر خانات بغداد الباقية. يعود تاريخ بناءه إلى سنة 760 هجري، وقد أمر ببنائه حاكم بغداد أمين الدين مرجان في عهد السلطان الجلائري (أويس بن الشيخ حسن الإليخاني) الملقب بـ(معز الدولة).

وهذا ما ورد في الوقفية التي تعلو البوابة، حيث جاء فيها بعد البسملة: “أمر ببناء هذا التيم والمنازل والدكاكين المولى المخدوم والآمر الصاحب العدل الموفور عضد السلطة والإمارة والوزارة افتخار شهد الأوان المحظوظ بعناية الرحمن أمين الإليجاتي ووقفها على المدرسة المرجانية ودار الشفاء بدار القرية”. ويسمى هذا الخان بخان “الأرتمة” أي الخان المسقوف باللغة التركية.

ينفرد هذا البناء بميزات معمارية وزخرفية ويعد من أجمل الخانات العراقية من حيث دقة الزخرفة وروعة البناء والتخطيط المتميز. ورغم سعة وارتفاع هذا الخان، إلا أنه سُقف بطريقة معمارية فائقة تنم عن المقدرة الفنية لبنائه. ويتكون من طابقين، يحتوي الطابق الأول على 22 غرفة، بينما يحتوي الطابق الثاني على 23 غرفة. أما مخطط الخان فهو مستطيل الشكل بأبعاد (30.25 × 11.40 م) ويبلغ ارتفاع عقوده (14 م). يتكون الخان من ساحة وسطية واسعة تحيط بها 22 غرفة في الطابق السفلي، أما الطابق العلوي فيحتوي على 23 غرفة تطل على شرفات (طنف) من الجهات الأربعة. ومما يميز الخان سقفه الذي يشمل طابقين مقطعه عقد مدبب مرسوم بأربعة أقواس.

ومن الميزات الأخرى المهمة في بناء هذا الخان هو ابتكار الإضاءة والتهوية حيث يعتمد على توزيع الفتحات والنوافذ لزيادة البهجة بسقوط الضوء على المقرنصات الأجرية.

كان استخدام هذا الخان كفندق يأوي إليه كبار التجار وسوق يجتمع فيه الدلالون (الباعة والمشترون)، ثم استخدم بعد ذلك كمخزن لتكديس البضائع والأكياس والخشب وغيرها.

وبعد أن استملكت دائرة الآثار هذا الخان باشرت بأعمال الصيانة فيه، وتمت هذه الأعمال عام 1936م. وقد اتخذت دائرة الآثار القديمة بعد أعمال الصيانة والترميم هذا الخان كمتحف للآثار الإسلامية المختلفة. وفي خمسينيات القرن الماضي، استخدم الخان لأغراض السياحة وأمسى مقهى تقام فيه الحفلات (الجالغي البغدادي).

أجريت له آخر صيانة عام 2007-2008، وقد التقينا بأحد أعضاء هيئة الصيانة آنذاك السيد سعد حمزة زغير، حيث أفاد مشكورًا أن الصيانة التي أجريت لخان مرجان كانت أهم مشكلة يعاني منها الخان هي ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وذلك لانخفاض أرض المبنى بمقدار 2.65 متر عن مستوى أرضية المنطقة المجاورة و3.75 متر عن مستوى الشارع الذي يقع عليه الخان.

وقد قامت هيئة الصيانة بمعالجة الخان بالكامل بفتح قناة لتصريف المياه الجوفية من الخان مباشرة إلى النهر، بعد دراسة مستوى منسوب النهر لمدة 25 عامًا قادمة. كانت المياه تتدفق من الخان إلى النهر مباشرة وكان الوصول إلى ذلك بربط قنوات صغيرة بعمق نصف متر بأرضية الخان ترتبط مع بعضها البعض وتصب في المجرى الرئيسي المؤدي إلى النهر. كذلك، تم صيانة الطابق الأول بالكامل، ولكن واجه المشروع عراقيل بسبب عدم تخصيص مبالغ كافية للإنجاز.

تعرض الخان بعد ذلك للإهمال وسوء استعمال قناة تصريف المياه الجوفية بسبب تجاوز المحلات المجاورة له، والتي تقع في شارع السؤول على مجرى المياه الجوفية وربط مجاري المياه الثقيلة عليه، مما أدى إلى انسداد المجرى.

أضف إلى ذلك أعمال التنظيف العشوائية التي تقوم بها أمانة بغداد برفع النفايات بواسطة الشفلات، مما أدى إلى تكسر في منهولات المجرى ودخول الأتربة والنفايات داخل المجرى. كذلك، حدث تجاوز من البنك المركزي العراقي حيث تم ربط منظومة المياه الثقيلة بقناة التصريف.

والخان كان من المواقع المعسكرة بعد الاعتداء الإرهابي على البنك المركزي حيث أصبح مقرًا لوحدة عسكرية لفترة من الزمن.

قامت الهيئة العامة للآثار والتراث برفع دعاوى قضائية ضد المتجاوزين من البنك المركزي ووزارة الدفاع وذلك للأضرار التي لحقت بهذا المبنى، حيث تم استعادته إلى مفتشية بغداد، والآن الخان قيد تقدير الأضرار لإجراء صيانة عليه حال توفر المبالغ اللازمة لذلك.

ومن الجدير بالذكر أنه قد بُنيت في كل من دبي وعمان وجدة أبنية على غرار خان مرجان بالعراق واستُخدمت كمولات وأسواق، بينما الخان في العراق مهمل من حيث الاستخدام. ولابد من إجراء دراسة حول كيفية استخدامه، سيما أنه يقع ضمن نسيج تراثي ويمكن استخدامه كسوق تراثي مثلاً.

بين التجديد وعوامل التهديد، ضاعت آثار العراق ولا يزال الصوت مرتفعًا: “رفقًا بإرث العراق الحضاري”.

مشاركة