كلام أبيض
چابك – جليل وادي
لكل مهنة مصطلحاتها ، بل ولغتها التي يتميز العاملون فيها عن غيرهم، و( الچابك ) واحد من تلك المصطلحات التي تتداولها فئة من المجتمع ، ولا أعرف عن هذه المفردة شيئا سوى ان احدى عشائر محافظة بابل بهذا الاسم ( آل چابك ) وتعود بالنسب لقبيلة تميم ، ولا أدري على وجه التحديد كيف استحدثت هذه المفردة الشعبية ، بالرغم من ان الكثير من مفردات لهجتنا هي مفردات فصيحة جرت عليها بعض التغييرات لكي يسهل لفظها على اللسان ، ومنها ما جاء من لغات ولهجات أجنبية كبعض المفردات التركية والفارسية والانكليزية ، وهي حصيلة تفاعل العراقيين مع الأقوام الاخرى عبر العمل او السفر او الاحتلال وغيرها من أشكال التفاعل . وبذلك تحولت بفعل الاستخدامات الحياتية اليومية الى مصطلحات لها معان محددة .
وفي أحيان معينة ينحت الناس مفردات يضيع معها أصل المفردة ، او يكيفون مفردة أجنبية مع قواعد لغتهم لتنسجم مع لهجتهم ، كما هو الحال بالنسبة لمفردة ( اليوزرية ) ، أي المستخدمون للأنترنيت . وهذا موضوع طويل قد يكون أهل اللغة أعرف به مني ، لكني مع ذلك ، لا أعرف من أين جاءت كلمة ( الچابك ) التي يستخدمها سواق مركبات النقل الخاص ، وحالي فيها كحال السواق أنفسهم نعرف ماذا تعني ، ولكن لا نعرف من أين جاءت ؟.
و(الچابك ) يا سادتي تعني بلهجة السواق العمل خارج المرائب (الكراجات ) ، أي ان السائق ينقل الركاب من منطقة الى اخرى من خارج المرآب ، أي من الشوارع العامة او من فروعها الرئيسة ، هربا من الالتزام بالدور ،والتنصل من دفع اجور وصل ( الانطلاقية ) وهي ايضا من مصطلحات هذه المهنة ، ، فبدل انتظار السائق لدوره في المرآب الذي يستغرق ساعات طويلة ، يملأ سيارته بالركاب من الشارع ، وبذلك قد يذهب الى وجهته أكثر من مرة واحدة في اليوم ، بينما لا يوفر له الالتزام بنظام المرآب سوى مرة واحدة ذهابا وايابا ، وقد تكون احداهما ، فيتضاعف ما يكسبه من مال على حساب الملتزمين بالنظام ، طبعا هيئة النقل الخاص تطاردهم ، وتنصب لهم الكمائن قرب السيطرات الأمنية ، ولكن الدافع لتلك المطاردة جمع الأموال بالغرامات وليس المحافظة على النظام ، وهناك طـــــــــــرق عديدة للتهرب من هذه الغرامة ، وأولها الرشوة وثانيها الوساطة ، وهذا ولّد ظواهر جديدة منها تحويل أي مكان يراه السواق مناسبا الى مرآب كما هو الحال عند مجسر منطقة الباب المعظم ولجميع الخطوط ، مع ان رجال المرور والشرطة يقفون قربهم دون ان يحركوا ســـاكنا ، وأدى ذلك الى ازدحـــــام خانق وضوضاء مقرفة .
لقد أصبحت الشوارع العامة متاحة لأي كان ، فأينما توقف سيارتك الخاصة تجد من حوّل الشارع الى موقف للسيارات ويتقاضى عنه أجرا ، ولاسيما أمام المطاعم وما جاورها، ولا يمكن لهؤلاء ان يستولوا على الشوارع ان لم تكن وراءهم حيطان متماسكة بعضها أقوى من الدولة ، وامتدت الظاهرة الى الأرصفة أيضا ، ما يجبر المواطنين على السير في الشارع بما فيه من مخاطر وارباك لسير المركبات، بالمحصلة استبيحت الأرصفة والشوارع تماما ولأغراض شتى ، وكل بحسب هواه ، ولم يعد مجديا مناشدة أمانة بغداد والجهات ذات العلاقة بإعادة الأرصفة للمواطنين واجبار السواق بالعمل حصرا داخل ( الكراجات ) التي غدت أماكن شبه مهجورة ، بل وأصبحت مكبا للنفايات ، لا تزورها مركبات البلدية الا ما ندر ، ولا أظن أحدا من المسؤولين زارها منذ التغيير ، ياأيها الاخوة : المرائب ومواقف السيارات في العالم يعجبك ان تلتقط معها صورا تذكارية ، بينما تحولت لدينا الى استخدامات غير حضارية لا يليق بالعراقيين ذكرها ، وأدعوكم لزيارتها لترون بأعينكم ما حدث ، واختم مقالي بخبر ذلك البلد العربي الذي نظّم مؤخرا ورشة ثقافية لمواجهة ظاهرة التبّرز في الخلاء ، وهي أيضا ( چابك ) .