يوم سقوط المطر – غزاي درع الطائي

يوم سقوط المطر – غزاي درع الطائي

استيقظ العراقيون فجر يوم السبت الثاني عشر من الشهر الجاري على صوت سقوط المطر المصحوب بالبرق والرعد، وكل سقوط سيِّئ إلا سقوط المطر، فهو باسم الله يحيي الأرض من بعد موتها، إذن فقد سقط المطر هذا العام وسط استشياق الجميع إليه، بعد أن فارقناه منذ 2019? وكان الكل في انتظاره: البشر والشجر والنهر والأرض والحيوان وحتى الحجر، حظينا بالمطر ونحن في أمسِّ الحاجة إليه، وكم هو جميل أن نحظى بما نحن في أمسِّ الحاجة إليه، مطر، وأنا كم أحب المطر، الناس يحتمون بمظلاتهم من المطر،وأنا أحتمي بالمطر، والمطر ماء طهور، قال الله تعالى: (وأَنزَلنا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الفرقان/48? وقال: (وجَعَلْنا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30? وكانت العرب تسمّي المطر بالحَيا والحَياء لأنه يحيي العباد والبلاد، وتسمّيه بـالرحمة لأنه ينزل برحمة الله، وتسمّيه بالرزق لأن الرزق وإحياء الأرض يكون به، وذلك واضح في قوله تعالى (وما أنزلَ اللهُ منَ السَّماءِ منْ رزقٍ فأحيا به الأرضَ بعد موتِها) الجاثية/5? وتُسمّي العرب العام الذي يقل فيه المطر بالأرمل والسنة بالرملاء، وقد انبرى الباحث (صلاح مهدي جابر) من جامعة كربلاء إلى جمع ألفاظ المطر في معجم سمّاه بـ (معجم ألفاظ المطر)، وقد تمكن من جمع (179) لفظا من ألفاظ المطر، استعملها العرب الذين انصب اهتمامهم على المطر وأوقات هطوله، لأهميته في حياتهم وحلِّهم وترحالهم وهم يعيشون في صحراء مترامية الأطراف، وقد نجح الباحث في جمع هذا العدد الكبير من ألفاظ المطر بعد النظر في المعجمات اللغوية وكتب الأنواء والأزمنة، ومن تلك الألفاظ: الثَّجيج (شدة انصباب المطر)، الجُرُز (الأرض التي لم يُصبها المطر)، الجَدا (المطر العام)، الحَباب(الطَّلّ الذي يصبح على النبات)، الدثّ (المطر الضعيف)، الخطرة (المطرة الضعيفة)، الدّاحي (الذي يدحي الحصى عن الأرض)، الرَّجع (تكرّر المطر ورجعانه)، والرَّثّان (الأمطار المتتابعة).

ومن الكلام الذي قيل في المطر والذي يمس القلب مسا ما قاله السياب: ((وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ، مِنْ دُمُوعْ/ ثُمَّ اعْتَلَلْنَا – خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر))، وما قاله شارلي شابلن، ويبدو أنه يتناغم مع قول السياب: ((أحب المشي تحت المطر لأنه لا أحد يرى دموعي))، والمطر عند السياب في (أنشودة المطر) يبعث الحزن: ((أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المطر؟/ وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر؟/ وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ؟/ بِلا انْتِهَاءٍ، كَالدَّمِ الْمُرَاقِ، كَالْجِياع/كَالْحُبِّ، كَالأطْفَالِ، كَالْمَوْتَى، هُوَ الْمَطَر))، وإنه لمن الغرابة بمكان أن يهطل المطر في ربوعنا ونجوع، وهذا المفارقة العجيبة لا تحصل إلا في العراق، وهي تحصل منذ زمن السياب: ((وَيَهْطُل المَطَر، وَكُلَّ عَامٍ – حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ/ مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ)).

المطر: خير ورزق ورحمة، يزيد من رصيد الماء في الجداول والأنهار والبحيرات والسدود والأهوار والمسطحات المائية وخزانات الماء والواحات، ويسقي ويغسل البساتين والمزارع والحقول والمراعي والحدائق والرياض، بل ويسقي ويغسل الشجر والنجم والنبات أينما وُجد، ويديم خزين المياه الجوفية ويثريه من أجل أن تنعم الآبار بما تحتاج إليه من ماء، ويرعى البيئة ويحسِّن ظروفها، ويُنقّي الهواء من الأتربة والغبار، ويقضي على الجفاف والقحط، ويمنع فقدان التربة السطحية، ويساعد على إتمام تسميد التربة وزيادة خصوبتها عن طريق نزول بعض من جزيئات الماء المخلوطة بالمعادن مثل المغنيسيوم و الحديد وغيرها.

وحديث الماء طويل، ويمكن هنا الإشارة إلى أن ملف المياه يعد من أكبر التحديات التي يواجهها العراق اليوم وأخطرها، ومن تفرعات هذا الملف: النقص المائي والجفاف والتصحر والعواصف الغبارية والتلوث البيئي والتغير المناخي، وعطش الأهوار، وهبوط مناسيب المياه في السدود والمسطحات المائية والخزانات الإستراتيجية، والإحتباس الحراري، وتقليص المساحات المزروعة، ولة المساحات الخضراء، وتشير المعلومات المعلنة أن التصحر يهدد 40% من مساحة العراق، وأن العراق يعدُّ اليوم خامس دولة أكثر تأثرا بالتغيير المناخي، وأن مناسيب المياه في الخزانات الستراتيجية العراقية قد هبطت بنسبة 88%? فضلا عن عدم قدرة العراق على تحقيق الأمن المائي وتعويض تقليص حصص العراق المائية في نهري دجلة والفرات من دول المنبع.

إن العراق يعيش اليوم في ظل ظروف بيئية ومناخية حرجة، ومادام العراق أحد أكثر الدول تضررا بتغيرات المناخ وتداعياتها، فنحن بحاجة ماسة إلى اجراءات فاعلة على الأصعدة كافة: البيئية والصحية والموارد المائية والزراعية والسياسية والإقتصادية والعلمية، سعيا نحو القضاء على التصحر والجفاف، وتعويض النقص الحاصل في حصص العراق المائية، وإحياء الأهوار، وملء السدود والبحيرات والخزانات المائية، ودفع اللسان الملحي في البصرة، وحماية البيئة العراقية من كل ما يعتريها من مشاكل.

مشاركة